في الدراسة التي أعدها المهندس عبدالعزيز الخضيري وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية المساعد لشؤون المدن، عن النمو السكاني في المملكة، جاء فيها أن من المتوقع أن يتجاوز عدد سكان المملكة عام 2020م أي بعد سبع عشرة سنة، أربعين مليوناً.
والسؤال: إذا كنا نعاني اليوم من تفاقم معدلات البطالة بين الرجال، ناهيك عن النساء، وما يتبع ذلك من تبعات سلبية على المستوى الاجتماعي والأمني، فماذا سيكون عليه الوضع وعددنا يتجاوز الأربعين مليوناً؟. هنا تبدو السنوات القادمة لا تبشرُ بالخير، إذا لم نتعامل مع معطيات الواقع بعقلانية، وبالشكل والمضمون الذي يجعلنا مهيئين مستقبلاً لمواجهة هذه المعضلة التي تحث خطاها قادمة إلينا بما يتناسب مع خطورتها.
نظرياً لا بد من العمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي. غير أن هذه المعدلات خلال العشرين سنة الأخيرة لم تتعدَ في متوسطاتها السنوية أكثر من 5 ،1% سنوياً كما أكد لي أحد المختصين. والعمل على إنعاش هذه المعدلات موضوعياً، وحسب الظروف الراهنة، هو من الصعوبة بمكان، وحتى لو تمكنا من رفعها، إلى ضعف ما هو قائم مثلاً، تبقى هذه المعدلات أقل من أن تستوعب هذه الزيادة المتوقعة في عدد السكان، وإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن هناك أكثر من ستين ألف مليون ريال يجري تحويلها الى الخارج سنوياً من قبل العمالة الأجنبية، كما أشار سمو الأمير نايف مؤخراً، دون أن يكون لها أي تأثير إيجابي على النمو الاستثماري في الداخل، وكذلك إذا أخذنا في الاعتبار - أيضاً - تقرير مؤسسة النقد الأخير عن الوضع الاقتصادي في المملكة، والذي أشار إلى أن ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في المملكة، قد زاد من الضغوط على المرافق العامة والخدمات، فإن هذه المعضلة تبدو أكثر تعقيداً، وأكثر قتامة وإلحاحاً وخطورة إلى درجة كبيرة.
وأمام هذه الحقائق أجدُ أن من الضرورة بمكان الاستفادة من تجارب الآخرين في توخي الحلول، يقول الأستاذ محمد الحاقان في جريدة الاقتصادية: (إن عدد سكان مصر عام 1960م كان نحو 26 مليوناً، بينما كان عدد سكان بريطانيا نفس السنة 54 مليوناً، وفي عام 2002م اقترب عدد سكان مصر من سقف 70 مليوناً،ولم يتجاوز عدد سكان بريطانيا 60 مليوناً)، وفي الصين، كما تقول الاحصاءات، انخفضت معدلات الفقر والبطالة ليس بسبب رفع معدلات النمو الاقتصادي فحسب، وإنما بتظافر عوامل أخرى أيضا، يأتي «تحديد النسل» على رأس هذه العوامل.وإذا أضفنا إلى المأزق الاقتصادي، معضلة المياه في المملكة، لا سيما وأنها - أيضاً - من أهم المعضلات التي تتفاقم مع زيادة السكان، في ظل معطيات طبيعية ومناخية صعبة، تجعلُ من المستحيل عملياً مواكبة هذه الزيادة بما يلبيها من الاحتياجات المائية، فإنه يمكن القول وبعلمية: إننا بالفعل سنواجه في المستقبل القريب قضية من العسير حلها ما لم نعمل منذ الآن على توفير الأسباب لمواجهة تبعاتها. وأمام هذه الحقائق، فإن مواجهة مثل هذه المعضلة لا يمكن أن تتأتى إلا بتظافر عدة عوامل مجتمعة، ولا يمكن - البتة - أن يكون الحل من خلال عامل واحد، وأهم هذه العوامل يأتي العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتوفير المناخ الاستثماري المناسب والمغري لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في المملكة، وكذلك السعي ومن خلال سياسة حازمة لاحلال العمالة المحلية مكان العمالة الوافدة، إضافة إلى إعادة التفكير بجدية في السياسات الزراعية، وبالذات زراعة القمح، نظراً لأنها - حسب علمي - من العوامل الرئيسية التي أدت، وستؤدي، إلى استنزاف ثروتنا المائية المحدودة.غير أن ذلك كله، رغم أهميته، سيبقى - في رأيي - أقل من احتواء المشكلة، والتي أساسها تحديداً «الزيادة المفرطة في تعداد السكان»، لذا لا بد مما ليس منه بدُ في التحليل الأخير، ومؤداه أن نفكر في طريقة ما، من شأنها «تنظيم النسل»، بما يحد في النتيجة من ازدياد أعداد السكان. ولا أرى خياراً أمامنا غير هذا الخيار للأسف.
|