لقد كان من بين الأحاديث الهامة التي أدلى بها معالي وزير البترول والثروة المعدنية قوله: «ان المملكة لا يمكن أن تستمر لأمد طويل تستورد الخبراء، ومهمتنا هي ملء الفجوة التي أوجدها عدم توفر تكنيكيين وفنيين صناعيين، لابد من جيل صناعي يقوم بابحاثه للنهوض بالبلاد».
وعلى هذا فإن كلية البترول والمعادن، تعتبر محاولة جبارة، في النهضة العلمية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، أو بالأصح فإن هذه الكلية هي تحد علمي للقدرات والطاقات السعودية في ان تجتاز بنجاح قيادة كلية «علمية تقنية»، والسير بها إلى النتائج العلمية التقنية الحديثة. واذا كان البترول يشكل عنصراً هاماً في الصناعات الحديثة، وإذا كانت المملكة العربية السعودية تنتج أكبر كميات بترولية في الشرق الأوسط، فإنها بذلك تمتلك طاقة صناعية ضخمة، وهذه الطاقة الخام تحتاج إلى أيد فنية لانتاجها، وأيد فنية لتصنيعها، ومن هنا كانت وزارة البترول والثروة المعدنية، آخذة في اعتبارها توفير هذه الأيدي في المجالين فكانت، بترومين، وسافكو وكلية البترول والمعادن وهي أسماء أضاءت بلمعان قوي في سماء التقنية السعودية الحديثة.
إن كلية البترول والمعادن في الظهران، التي تبعد ثمانية كيلو مترات عن الخبر، وستة عشر كيلو متراً عن الدمام، تخوض تجربة فريدة بحق في تاريخ التعليم العلمي بالمملكة.
وهذه التجربة تقوم على أسس علمية وتربوية، تستهدف تخريج شباب لا يتحلون بمتانة الأخلاق فحسب، وإنما يقفون على مستوى المنافسة والاتقان جنباً إلى جنب، مع خريجي أرقى المعاهد الأجنبية، التي تعنى بالعلوم التكنولوجية وأثر تطورها على حياتنا.
وفي هذه الناحية تهتم الكلية بدرجات متساوية، ببناء الطالب جسمياً واجتماعياً وعلمياً، وفي هذا السبيل، زودت الكلية بكل الامكانيات المتوفرة في الجامعات العالمية، كما يحيا الطالب حياة فيها الكثير من الاعتماد على النفس وفيها التركيز العلمي.
ولقد حرص المسؤولون عن كلية البترول والمعادن، على مواجهة الالتزامات التالية:
الاهتمام بالطالب، وتطوير مواهبه باعتباره فرداً له أمانيه وميوله، وله كذلك مشاكله.
تطبيق برنامج تعليمي متطور، قادر على مواجهة متطلبات المهن التكنولوجية والهندسية.
اقامة المباني الجامعية والمنشآت والمرافق اللازمة، التي تخدم برامج الدراسة الآخذة في التوسع.
وفي مجال المنهج، نجحت الكلية في -ازالة الهوة - بين الطالب والصناعة، بمعنى أن الكلية استحدثت ورشة هندسية، تحوي الأدوات الصناعية، وفتحت المجال أمام الطالب للتدرب على هذه الأدوات، والمشاركة في عدة صناعات، دواليب وماصات وكمودينات، فأصبح الطالب أليفاً للأدوات الهندسية، صديقاً لها، بعد أن لمس حاجته إليها كانسان - علمي - .
ومن هذه الورشة، خرجت منتوجات طلابية في غاية الروعة، وعن طريق هذه الورشة، اكتشفت قدرات ومهارات كبيرة، يتمتع بها الطلاب، وبهذه الورشة وأساتذتها الفنيين امكن لهذه المهارات أن تنمو وأمكن للطالب أن يستغل فراغه في اشباعها.
هذا ويحتوي كل بيت من بيوت الطلبة الأربعة، التي تضم طلاب الكلية، على رائعات كثيرة، في كل فنون الرسم والتصوير والنجارة والأشكال الهندسية، وفي هذه البيوت المزودة بأجهزة التبريد، والأفرشة الطلابية، يسكن جميع طلاب الكلية في رابطة اجتماعية اخوية منظمة، عبر رابطة طلاب الكلية، يتدرب الطلاب على معالجة أمورهم بأنفسهم، بالعمل المنظم الذي ينطوي على تنمية روح التعاون، وشعور الفرد بمسؤوليته تجاه المجتمع، وتنظم الرابطة بالاضافة إلى النشاطات الرياضية، الحفلات المتنوعة، والرحلات الداخلية والجولات الاستطلاعية.
وليست رابطة الطلاب، هي الوحيدة التي تهتم بشؤون الطالب، فإن هناك مكتباً للتوجيه والارشاد، يتعرف على مواهب الطالب الخاصة ويضع الخطة اللازمة لتلافي مواطن الضعف، وتنمية مواطن القوة على أحسن وجه. إن الغرض من الدراسة في الكلية، ليس اخراج مهندسين متخصصين فقط، بل تخريج انسان متكامل من كل النواحي.
ويتقاضى الطالب مكافأة كبيرة هي ثلاثمائة وخمسون ريالاً، كما تساهم الكلية فتدفع 85% من قيمة الدواء، وتساهم ايضاً فتدفع 25% من قيمة الأكل، بالاضافة إلى تذكرة سنوياً تنقل الطالب إلى مقره إذا كان سعودياً، وإلى أقرب نقطة إلى بلده إذا كان أجنبياً.
وبمعنى أشمل: فإن الكلية تصرف على الطالب سبعمائه ريال تقريباً كل شهر بالاضافة إلى أن الطلاب المستجدين، يتلقون معونة أولية، لمواجهة الحياة الجديدة عليهم.
وهكذا فقد أدركت منذ وقت مبكر حكومة جلالة الفيصل المعظم، ما لتوفر الكفاءات الفنية الوطنية من أثر فعال من استثمار خيرات البلد، وتطوير الصناعة فيه، فقامت - ولا تزال - بابتعاث العديد من الطلاب الى الخارج، للتخصص في مختلف المجالات الفنية، التي تحتاج إليها المملكة في تطورها المستمر، في ميدان الصناعة. بالاضافة إلى انشاء المدارس التجارية والزراعية والصناعية، والمعاهد والمراكز المهنية والفنية، والكليات التكنولوجية المختلفة، وفي طليعتها كلية البترول والمعادن، وكلية الهندسة وكلية العلوم.
ولقد كان يوماً مشهوداً، اليوم الثامن من شهر شوال عام 1383هـ عندما تفضل جلالة الفيصل المعظم، بافتتاح كلية البترول والمعادن بالظهران، مضيفاً بذلك مأثرة جديدة من مآثره الكريمة، وهدية رائعة من هداياه العديدة، التي ما برح يقدمها في كل يوم إلى شعبه العزيز، ولا يزال جلالته الراعي الأول والأب البار لهذه الكلية الهامة.
أما عن أهداف ذلك الصرح الجديد من صروحنا التعليمية، فإنها تبدو واضحة في نظام كلية البترول والمعادن، الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم 397 وتاريخ 5 جمادى الأولى، من عام 1383هـ حيث ورد ما نصه:
«تختص هذه الكلية، بكل ما يتصل بالدراسات المختلفة، المتعلقة بالبترول والمعادن، وبتشجيع البحوث العلمية في هذه الميادين، والعمل على نشر الثقافة البترولية والمعدنية، في المملكة، وتزويدها بالمتخصصين في مختلف فروع صناعة البترول».
وعلى هذا الأساس، فقد حرصت كلية البترول والمعادن بالظهران، على أن تضع برنامجاً تعليمياً، يؤدي وظيفتين مباشرتين:
اعداد مهندسين قادرين على دراسة مشكلات الصناعة بصفة عامة، وعلى تولي ادارة وتطوير صناعة البترول والتعدين بصفة خاصة.
اعداد المهندسين العمليين التنفيذيين، وتدريبهم على القيام بمختلف الأعمال الفنية التي تحتاج إليها الصناعة في بلادنا.
لذلك فإن كلية البترول والمعادن، تعميقاً لواقعنا التعليمي العام، وضعت خطة تعليمية، كفيلة بأداء الوظيفتين السابقتين وهذه الخطة هي:
برنامج اعدادي.
كلية هندسة متوسطة.
معهد فني عال.
كلية هندسة.
معهد للدراسات العليا والبحوث.
وان مدة الدراسة في القسم الاعدادي، سنة واحدة، يقبل فيه خريجو التوجيهي علمي، ويتولى هذا القسم اعداد الطلبة للقبول في كلية الهندسة المتوسطة، أو المعهد الفني العالي.
ومن أهم أغراض البرنامج الاعدادي، مساعدة الطلاب على اتقان اللغة الانجليزية بأسرع وقت ممكن، لأنها ستكون لغة الدراسة في كل المراحل القادمة.
أما كلية الهندسة المتوسطة، فإن مدة الدراسة فيها سنتان، يلتحق بها الطلاب الناجحون في البرنامج الاعدادي، أو الطلاب الذين يحملون الشهادة التوجيهية علمي، ويجتازون امتحانا خاصاً، ويشتمل منهاج هذه الكلية على: العلوم الأساسية، الطبيعية، الكيمياء، العلوم الهندسية العامة، حساب التفاضل والتكامل، والمعادلات التفاضلية.
والمعهد الفني العالي فكرته العمل لسد حاجات الصناعات الوطنية المتزايدة، إلى الفنيين المتخصصين، والمدربين تدريباً عملياً كاملاً، وسيشتمل برنامجاً يعمل على تدريس فروع التكنولوجيا في مدة 3 سنوات، وستكون الدراسة في هذا المعهد على المستوى الجامعي.
وكلية الهندسة، تضم السنوات الأخيرة لمرحلة التخصص، في أحد فروع الهندسة.
ومعهد الدراسات العليا والبحوث يقبل فيه خريجو جامعات الشرق الأوسط، والجامعات الأوروبية والأمريكية، ممن يستطيعون الافادة من دراسات متخصصة، أو برامج بحوث معينة في ميدان الصناعة البترولية.
أما مباني كلية البترول والمعادن فسوف يقام مشروعها على مساحة سبعة كيلو مترات مربعة، وسيتخرج منها عام 1391 مهندسون أكملوا دراستهم، وسيتوقف الابتعاث إلى الجامعات العالمية، بعد أن تستكمل الكلية التجهيزات الفنية، والهيئة التدريسية لفصولها الدراسية التالية، وضمن ما جهزت به الكلية مكتبة كبيرة تحتوي سبعين ألف نشرة علمية، من بينها كبريات المجلات العلمية المتخصصة، واثنى عشر ألف كتاب، من المراجع التي يحتاج إليها الطلاب وكلها بالانجليزية.
كذلك من بين التجهيزات في الكلية، آلات الكترونية حاسبة، وتفهم هذه الآلة المعلومات المراد الاستفسار عنها، عن طريق جهاز القراءة، ثم تقوم هذه الآلة بأعمال الحاسب والمقارنة واستنباط النتائج على أساس قواعد منطقية مرسومة..
ان الكلية مزودة بأحدث ما في المختبرات العلمية من أجهزة ومعدات.
هذا وليست الحياة الجامعية في الكلية، مقصورة على البرنامج التعليمي المركز، بل ان اهتمام الكلية بالطالب، يغطي أيضاً كافة النواحي الاجتماعية، والرياضية، والثقافية، والترفيهية، فضلاً عن الرعاية الصحية المنتظمة، ويعيش الطلاب في بيوت حديثة أنيقة، يضم كل بيت منها اثنتي عشرة غرفة، يقيم في كل غرفة منها طالبان، وتوجد صالة كبيرة مشتركة، تستعملها اسرة البيت في أوجه النشاط الاجتماعي، كما أنها تهيئ جواً عائلياً ممتازاً، حيث يلتقي الطلاب بأعضاء هيئة التدريس، الذين يتولون مساعدتهم في شؤونهم العلمية والاجتماعية.
ويشرف على توجيه السياسة التعليمية العليا للكلية، مجلس ادارة يرأسه معالي وزير البترول والثروة المعدنية.
هذا ويؤدي الطلاب الصلاة في مسجد يقوم في منطقة مساكنهم، فالحرص على الشعائر الدينية، مظهر سائد بوجه عام، بين طلاب الكلية، كما تولي الكلية اهتماماً كبيراً وعناية خاصة، للنشاط الاجتماعي.
وهكذا تجرىيعملية البناء في كل مكان، وفي كل مجال، والله الموفق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
| 
