تزدحم في فصل الصيف مناطق ومدن المملكة العربية السعودية ببرامج ومهرجانات التنشيط السياحي الداخلي، وينشط معها الاعلام عامة والصحافة خاصة بإبراز مواقع الجذب السياحي الداخلي، وتحاول كل منطقة ومدينة اقتطاع جزء من كعكة السياحة الكلية التي تبتلع السياحة الخارجية الجزء الاكبر منها، اذ ينفق السعوديون اكثر من 30 مليار ريال سعودي سنوياً على السياحة خارج حدود الوطن، وهو رقم مرشح لأن يتضاعف في عام 2005م كما تشير الى ذلك الاحصاءات المنشورة وينتظر من الهيئة العليا للسياحة بعد اعتماد الخطة الوطنية للسياحة، تفعيل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي باعتباره مكوناً مهماً للناتج القومي احتل المرتبة الثالثة في هيكل الاقتصاد السعودي بعد البترول والصناعات التحويلية بنسبة بلغت 5 ،5% في عام 2001م وفق أرقام الهيئة العليا للسياحة نفسها.
ويدور جدل لا ينتهي في اوساط المجتمع السعودي حول فعاليات السياحة الداخلية، وهل وفرت للسائح السعودي مطلبه؟ وهل وفرت له المناخ الملائم؟ وهل تستطيع ان تكون منافساً حقيقياً للسياحة الخارجية؟ وما هي النسبة المعقولة للسياحة الداخلية من السياحة الكلية؟ كل هذه الاسئلة ستظل مشروعة طوال فصل الصيف، وهي تعكس الاهتمام الوطني بأمور تمس حياة الانسان السعودي. وهي في الوقت نفسه تمثل مجموعة عوامل موضوعية فرضها تغير هيكل السياحة الكلية بعد تداعيات احداث 11 سبتمبر 2001م ونظرة الغرب للإنسان العربي، او لنقل للانسان السعودي على وجه الخصوص. ولكن هل يكفي لنجاح السياحة الداخلية ان نتعامل معها من هذا المنظور المادي فقط؟ هل يكفي ان نعتبر السياحة الداخلية قطاعاً اقتصادياً دون ان ننظر الى الجوانب الموضوعية الاخرى التي يمكن ان يكون لها تأثير قوي على هذا القطاع والتأكيد على دوره ليس بالمنظور المادي الاقتصادي فحسب، وإنما ايضاً بالابعاد الاجتماعية لهذا النشاط؟ ان تفعيل نشاط السياحة الداخلية يتطلب ان ننظر الى السياحة الداخلية كسلوك اجتماعي، بمعنى ان نتعامل مع هذا النشاط كجزء مهم من حياتنا اليومية ونعتبره كنمط متعقل للحياة يستوجب ان يكون ضمن اجندة الانتماء الى الارض والوطن بمفهومه الشامل، وان نتعرف على كيفية تحفيز السائح السعودي وهو يتنقل بين ارجاء هذه الارض الطيبة على اداء دوره كمواطن في اثراء روح وجوهر السياحة الداخلية بما تتطلبه من اريحية ومرونة وبشاشة وترحيب وتأصيل لاحياء المعايير الاجتماعية التي يفترض ان تسود في المجتمع، ويفترض ان نجسدها على ارض الواقع، بل ويفترض ان نحافظ عليها وان تكون نهجاً ترتكز عليه روح وجوهر السياحة الداخلية.
هذا التأصيل الاجتماعي للسياحة هو في واقع الامر الميزة النسبية التي ينبغي ان ترتكز عليها مقومات السياحة الداخلية كقطاع اقتصادي، وهو الوتر الذي يجب ان تعزف عليه كل فعالياتها، وهو الحبر الذي يجب ان تكتب به كل رسائل التوعية والتشجيع والدعوة الى اختيار البديل الداخلي. قد يكون من الصعب، او من غير المعقول، ان يلغي المجتمع كله ممارسة السياحة الخارجية بعد ان اصبحت جزءا مهماً من ممارسته عبر سنوات طويلة، لكنه في الوقت نفسه يمكن القول انه ليس من المستحيل او من الصعب ان تفرض السياحة الداخلية وجودها كبديل مقبول ولو لفئة من المجتمع لمرحلة آنية ثم لبقية الفئات في المستقبل كبديل منافس. وهذا التحول المأمول يتطلب وعياً وطنياً بأن السياحة الداخلية يمكنها ان تقدم لكل شرائح المجتمع «وجبات» متنوعة ترضي الطموحات وتشبع الرغبات. وهذا هو بيت القصيد الذي يجب ان ترتكز عليه الاستراتيجية التي تقوم عليها برامج ومهرجانات التنشيط السياحي الداخلي.
الرياض
|