Friday 7th march,2003 11117العدد الجمعة 4 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رياض الفكر رياض الفكر
طريق الرقية... ما له وما عليه!!
سلمان بن محمد العُمري

يعد التداوي من الأمور التي أذن الله بها لعباده لدفع المرض ورفع البلاء بإذن الله تعالى، ولهذا ترافقت مسيرة العلاج وتاريخه مع مسيرة حياة الإنسان تتطور معه وتتنوع بتنوع الظروف وتختلف باختلاف الأزمنة والعصور، وتتبدل بتبدل الثقافات والمفاهيم، وقد أضافت لها كل أمة وكل ثقافة جزئية معينة تتناسب مع حجم تلك الأمة من المنظار العلمي والحضاري ومع أهمية تلك الثقافة بمنظار الفهم المعرفي.
أما التطور الحقيقي أو بالأحرى الأساس القوي لمفهوم الطب فقد جاء به الإسلام الذي جمع بين الطب المادي الذي نعرفه وبين الطب بوجهه الآخر الطب الروحي أو الطب النبوي، الذي لا يعرف سره إلا من خبره، وبجمعه جاءت النتيجة بمنتهى الروعة والجمال، وبتفكيك العرى لا بد أن يعتري الطب خسائر فادحة، ولم تخسر الأمة إلا عندما حادت عن طريق الصواب، فلا مجال للمغالاة في هذا، ولا مجال للتهاون، ولا مجال للبدعة ولا للضلالة.
أما الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن الكريم فهي جزء لا يتجزأ من الطب الحقيقي الذي نبتغيه الذي أوصى به الإسلام: الدين الحنيف، فللرقية الشرعية فائدتها المؤكدة وأهميتها التي لا تنكر، فكم من أمراض استعصى علاجها في أرقى المستشفيات كتب الله ذهابها بالرقية الشرعية، ولكن كل أمر لو تم التهاون به كما أسلفنا، أو لو حدث خلل على مستوى الضوابط أو ما شابه ذلك لا بد له أن يتجه إلى الاتجاه غير الصائب، وهنا نبتعد عن المنفعة ونقع في الضرر لا سمح الله.
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة العلاج بالقرآن الكريم انتشاراً متزايداً وهذا أمر محمود في حد ذاته غير أننا صرنا نسمع عن عيادات للعلاج بالقرآن الكريم، يقوم بها كل من هب ودب من الذكور والإناث، من الكبار والصغار، ومن الذين لم يُعرفُ عنهم تحصيلٌ علميٌ شرعيٌ، أو بلاءٌ حسنٌ في مضمار الدعوة.
فمن المسؤول عن ذلك، هل هي الجهات الشرعية الدينية أم الأمنية أم الصحية أم الناس أنفسهم؟، بالتأكيد هناك خلل حتى وصل الأمر لدرجة من الفوضى لا يمكن السكوت عنها أو التغاضي عليها.
النقطة الأولى: وجود المرض والداء أو البلاء وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها.
النقطة الثانية: وجود نقص في النواحي العلاجية سواء من ناحية عدم الالتزام بالربط بين الطب بوجهه المادي وجانبه الروحي، أو لجهة عدم كفاية بعض الممارسين للمهنة من النواحي التشخيصية والعلاجية.
النقطة الثالثة: عدم كفاية الرقابة الصحية والمراقبة الأمنية على هذه الممارسات ووضع الضوابط لها وردعها.
النقطة الرابعة: وجود أصحاب المرضى الذين يئسوا من كل علاج أو حادت بهم السبل ليصلوا إلى أدعياء الطب.
النقطة الخامسة: وجود ضعاف النفوس والانتهازيين والمستغلين والغشاشين والمدلسين الذين استغلوا كل النقاط السابقة لينصبوا أنفسهم أطباء بغير وجه حق ويفتحوا عيادات هي أقرب للباطل منها للحق.
لقد استغلوا كل ما سبق وأضافوا إليها استغلالهم للرقية الشرعية ولكلام الله تعالى «القرآن الكريم» ليدعموا أنفسهم، وهذا حق أريد به باطل.
إن المسؤولية تتوزع كما رأيت على جوانب عدة، ويجب اجتماع ذوي الشأن على مختلف المستويات ليصلوا للنتيجة المرغوبة، وإلا سيستمر ما نسمع عنه بين الفينة والأخرى من انتشار للسحر والشعوذة ومن استغلال للبسطاء والمرضى والمضطرين الذين يبحثون عن العلاج وخاصة النساء منهم.
إن الرقية الشرعية حق وهي من أنجح سبل العلاج ويقوم بها كوكبة من خيرة الناس، والنقد ليس عليها ولا على أهلها الثقات بل على الأدعياء، ولا بد من وضع تنظيم دقيق للعاملين في الرقية الشرعية.
يقول تعالى: {هٍدْْى لٌَلنَّاسٌ وّبّيٌَنّاتُ مٌَنّ الهٍدّى" وّالًفٍرًقّانٌ} ويقول جلَّ من قائل: {قٍلً هٍوّ لٌلَّذٌينّ آمّنٍوا هٍدْى وّشٌفّاءِ}، وقال في محكم التنزيل عز وجل: {وّنٍنّزٌَلٍ مٌنّ القٍرًآنٌ مّا هٍوّ شٌفّاءِ وّرّحًمّةِ لٌَلًمٍؤًمٌنٌينّ}.
والمطلوب هو وجود الرقاة الشرعيين المؤهلين المرخص لهم رسمياً بحيث تبتعد مزاولتهم عن أي شبهة وعن أي زيف أو زيغ، ولا بد من وضع تنظيم دقيق وفق أسس ثابتة ومعروفة.
لقد أساء البعض للرقاة الموثوق بهم، بل قبل ذلك والأهم أساءوا للدين الإسلامي الحنيف ككل وذلك عبر التشكيك بالقرآن الكريم والعياذ بالله والتشكيك بالثقات من الرقاة.
إنه لمن الأهمية بمكان البدء بعقد اجتماعات دورية تجمع ذوي الخبرة والدراية من الرقاة المؤهلين شرعياً ومن الأطباء النفسيين وغيرهم المدركين لأهمية الرقية، وذلك لتبادل الخبرات العلاجية ووجهات النظر بما يعود بالنفع على الجميع وخصوصاً المرضى، ولتمييز الأمراض النفسية من السحرية والحسية والجسدية، ومعرفة أفضل السبل الناجحة في التعاومل مع الشكايات على اختلافها، ومع المرضى على تنوعهم.
إن كل أمر نافع قد ينقلب لضده لو امتدت إليه يد الاستغلال واللعب، والرقية ليست استثناء من ذلك، ولهذا وجب حمايتها والحرص عليها والأخذ بها بوجهها الصحيح بالشكل الذي يرضي الله ولا يغضبه، ويعود بالنفع على المرضى، والجهد مطلوب من الأطراف المعنية، ونقطة الارتكاز هي توعية الانسان نفسه حتى يستطيع التمييز بين الغث والسمين. والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved