تناولت في الحلقات السالفة القسم الأول من المقترحات، وهي مقترحات متعلقة بالحسبة، وفي هذا العدد أذكر بعض المقترحات المتعلقة بالمحتسب، فأقول مستعيناً بالله:
1- اقترح أن يُنظر في شأن المتقدمين للعمل في الهيئة، بحيث لا يُعيّن إلا من كان أهلاً لهذه الوظيفة الشريفة.وعلى المسؤولين التحقق من صلاحيته بما يمكنهم من وسائل متاحة كالسؤال عنه وعن أحواله أو عمل الإجراءات والاختبارات التي تكشف عن أهليته، وعلى أيّ حال فإن اختيار أعضاء الهيئة يجب أن يكون وفق شروط وآداب المحتسب، ولو طبقت الآداب والشروط على المتقدمين للهيئات لكانت الهيئة أكثر قوةً ونشاطاً.ومن الأمثلة الظريفة في اختيار الأكفاء ما ذكر عن محتسب الديار المصرية تاج الدين ابن بنت الأعز ت (665هـ) أنه كان يولي الأعضاء النواب عنه في الحسبة ممن يتوسم فيهم الاستقامة والزهد والكفاءة وكان يذهب إليهم بنفسه ولا يستدعيهم للحضور عنده، حيث ذهب مرة إلى أحد الفقهاء وطلب منه أن يتولى نيابة الشرقية بمصر، فقيل له: تروح إلى شخص حتى توليه! فقال: لو لم يفعل لقبَّلت رجله حتى يقبل، فإنه يسدُّ عني ثلمة من جهنم(1).
2- تدريب الموظفين وتأهيلهم التأهيل المناسب وذلك بوضع الخطط والبرامج المدروسة لرفع مستوى أداء أعضاء الهيئة، بحيث يتم الإكثار من إقامة الدورات المتخصصة التي يشرف على إعدادها متخصصون في هذا المجال تدرس فيها موضوعات الحسبة المختلفة، والناظر في بعض العصور التي ازدهرت فيها الحسبة لوجد أن الحسبة كانت نشطة من الناحية العلمية تدريساً وتأليفاً كما هو الحال في الأندلس - مثلاً - حيث كانت الحسبة بمنزلة علم يحتوي قوانين يتداولها أهل الأندلس ويتدارسونها كما يتدارسون أحكام الفقه(2).
3- زيادة عدد المراقبين على سير أعمال أعضاء الهيئة، وبخاصة الأعضاء الذين لهم عمل ميداني، فعن طريق هؤلاء المراقبين يعرف المحتسب مواطن الضعف ومواطن القوة، كما أنه من المعلوم أن من طبيعة البشر إتقان العمل وزيادة النشاط إذا عرف العامل أن وراءه مراقبة ومتابعة. ومن هنا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف فقط بالرقابة الذاتية ولم يعوَّل عليها، بل كان يحاسب عماله ويتابعهم ويسألهم كما في قصة ابن اللتبيّة(3)
4- أقترح أن يخصص للمجتهدين من رجال الهيئة مكافأة تشجيعية، كالذي يكشف مكاناً لصنع الخمر مثلاً - أو من يقبض على مروج للمخدرات أو نحو ذلك من الجرائم، فالذي أرى أن يثاب العضو النشط ويقابل على فعله بجائزة مالية أو ظيفية كترقية في سلم الوظيفة.
5- أقترح زيادة صلاحيات أعضاء الهيئة في التحقيق في القضايا التي تقبض عليها الهيئة بحيث يباشر أعضاء الهيئة التحقيق المتعلق بتلك القضية، ومن ثم يتم إحالتها إلى الجهات المعنية كالمحاكم أو الشرطة أو الإمارة أو غيرها. وكذلك زيادة بعض الصلاحيات القضائية في القضايا التي ليس فيها تجاحد ولا تناكر كالحقوق المعترف بها والتي لا تحتاج إلى سماع بينة على إثبات الحق، فإن النظر في هذه القضايا من اختصاص المحتسب كما أشار إلى ذلك الماوردي رحمه الله (4).
وأقترح كذلك زيادة السلطة التأديبية عن وضعها الحالي وهي إما الجلد بحد أعلى خمسة عشر سوطاً وإما الحبس مدة أقصاها ثلاثة أيام(5)، فالذي أراه زيادة الصلاحيات التأديبية في بعض القضايا التي تقبض عليها الهيئة كي يحصل في قلوب أصحاب الشر والرذيلة من الهيبة والرهبة تجاه الهيئة، ولكن يجب أن تكون هذه السلطة التأديبية وفق شروط وضوابط مدروسة حتى لا يُساء استعمالها أو تدخل حيز الاستغلال.والله تعالى أسأل أن يوفق القائمين على الحسبة في هذه البلاد وأن يسدد خطاهم، وأن يلهمهم الصواب في القول والعمل.
(1) حسن المحاضرة للسيوطي 2/166.
(2) انظر: نفح الطيب 1/210.
(3) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب هدايا العمال، الفتح 13/164.
(4) الأحكام السلطانية، ص 301.
(5) كما جاء في المادة الخامسة والأربعين من اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة الصادرة بقرار رقم (2740) وتاريخ 24/12/1407هـ.
(*) الأستاذ المساعد بقسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة بالمدينة النبوية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|