آراء في الأمر والنهي
هذا الأخ أبو إبراهيم طالب جامعي وهو عضو في مؤسسة خيرية يقول: أغلب المنكرات التي نهيت عنها هي التدخين وسماع الأغاني والموسيقى، ومن أراه لا يقوم للصلاة، بل يستمر في جلوسه أو لعبه ولا يذهب إلى المسجد بعد سماع الآذان، وهو واجب علي شرعاً بالكلمة الطيبة وطلاقة الوجه وبشاشته.
أما الأستاذة أم عبدالله وهي محاضرة جامعية فعبرت عن دورها حيال هذه الشعيرة بقولها: أرى أن الغاية التي خلقني الله لأجلها هي عبادته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من أفضل العبادات التي نتقرب بها إلى الله تعالى. في حين تذكر أم عبدالله أن محاولاتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السوق قائمة وهي كثيرة، وقالت: ولكن يؤلمني جدا تفشي المنكرات حتى أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً.وعن نوعية المنكرات بين النساء تقول: غالباً ولأننا نساء فأكثر المنكرات هي المتعلقة باللباس أو الحجاب أو التوسع في مكالمة الرجال والتحدث إليهم. أما إذا كنا في المسجد أو الحرم فتكون المنكرات والمخالفات المتعلقة بالصلاة مثل عدم تسوية صفوف النساء وعدم إحسان الصلاة وغير ذلك.
رسائل
ويشارك الشيخ عبدالعزيز الجهني في هذا التحقيق بقوله: إن المسلم مطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل الحالات ولكل حال ما يخصها من الاحتساب فمنها ما يكون باليد ومنها ما يكون باللسان وبالكلمة الطيبة وبالنصح وبالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، ومنها ما يكون بالقلب، وهذا واجب على كل مسلم أن ينكر المنكر بقلبه وهذا أقل شيء.
وأضاف: أما المنكرات التي واجهتها وبذلت فيها النصح تتلخص بالتالي:
قلت لمن شرب الدخان اتق الله لا تهلك نفسك اجتنب الخبائث.
ومن تساهل بالصلاة وقد أقيمت يا عبدالله خاف الله اذهب إلى المسجد.ولمن كان يطلق بصرة في النساء اتق الله واحفظ بصرك راقب الله تعالى.ولمن واجهته ينم ويغتاب قلت له اتق الله ولا تذكر عيوب الناس تب إلى الله ينجيك.
منكرات نسائية
أما الأستاذة المساعدة بقسم السنّة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض الدكتورة شيخة المفرج فتقول: إن على المسلم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب القدرة والاستطاعة إذ أنه قد يمكنني ذلك خاصة في الأسواق النسائية وفي مصليات النساء وفي العمل متيسر ولله الحمد.
وعن الأسلوب تضيف أن نتحلى بالابتسامة والملاطفة ثم الثناء على الشخص المراد نصحه، بما فيه من مقومات الخير ثم ذكر موطن الخلل الواقعة فيه، مع اصطحاب المعاذير لها، كقولنا: لعلك لا تعلمي أن هذا لا يجوز أو ألم تسمعي الفتوى بهذا الشأن وهكذا من هذه الأساليب.
وتضيف د. المفرج من المنكرات التي نواجهها منها استماع المعازف والأغاني ولبس البنطال وارتداء القصير والمفتوح أو التشبه بالرجال في قصات الشعر أو النمص وغيرها عافى الله المسلمات منها.وبينت أن أسلوب الشفقة على المنصوحة من العذاب والمحبة لها وترقيق قلبها من الأساليب المفيدة في هذا المجال.
ردة الفعل
وعن كيف ردة فعل المنصوح؟
يقول أبو إبراهيم: الحمد لله القبول والاستجابة لما آمره به أو أنهاه عنه والدعاء لي وشكري.
أما أم عبدالله فتشير إلى أنه بحسب الموقف ودائماً أحرص على أن أكون رقيقة ولينة وابدا بالدعاء مثل بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وفي الغالب ردة الفعل حسنة وأحياناً أقابل برد سيء ولكن احتسبه عند الله وأصبر.
فئات منصوحة
وعدّد الجهني أنواع المنصوحين منهم من أخذته العزة بالإثم ولكن بعد أن بان له الحق رجع إليه، وبعض الناس جاهل لا يعلم الحكم فرجع من أول وهلة واستغفر الله. وهناك المعاند المجاهر فهذا نتركه إلى الله.وتقول د. شيخة: النساء متفاوتة الطباع فهناك من تتقبل وتخجل وتدعو لنفسها بالهداية ومن النساء من تتقبل مجاملة فقط. أما الأسوأ فهي من تكابر وتقارن نفسها بمن هي أشد منها معصية، من باب (أنا أحسن من غيري) وعن الرأي حول الأسهل الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ولماذا؟
ذكر الأخ أبو ابراهيم إن الأسهل من وجهة نظري هو النهي عن المنكر لأنه معصية لله وهي مما تنكرها الفطرة السليمة.
أما أم عبدالله فتقول: أرى أن كليهما تكليف ويحتاج إلى جهد وإن كان النهي عن المنكر هو الشائع وعلى كل بينهما ارتباط فكل ما نهيته عن منكر فقد أمرته بمعروف والعكس صحيح.ويلمح الجهني إلى الأسهل في نظره هو الأمر بالمعروف أما النهي عن المنكر فهو من وجهة نظره صعب قليلاً لأن النفس في الغالب تميل إلى الشهوات.
ويضيف الجهني إذا قام الإنسان بالمنكر واعتاد عليه فإن نفسه ترومه عليه، فيكون من الصعب تغييره إذا لم يكن ذا إرادة قوية وتمسك واستعان بالله من قبل الناصح واتباع نصوص الشرع والصبر.
متلازمان
أما الدكتورة المفرج فتشير إلى أنهما متلازمان فأمري لشخص بالمعروف يؤدي إلى نهيه عن المنكر، مثل أمري له بقراءة القرآن هو في نفس الوقت نهي له عن اضاعة وقته فيما لا يفيد وهكذا.
وتستدرك: ولكن التفضيل في ذلك إذا أخذنا كل جزء على حدى فالأمر بالمعروف أسهل من النهي عن المنكر لأن النفس البشرية مجبولة على كراهية ترك ما ألفته وتعودت عليه بخلاف تقبلها للائتمار بأمر جديد تبدأ بالتعود عليه وكما قالت الأوائل (عود عادة، ولا تقطع عادة).
مواقف واجهتك
مواقف مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجهتكم؟ سؤال توجهنا به للشيخ عبدالعزيز الجهني فيقول المواقف كثيرة منها أن هناك بعض الناس تنصحه بالامتناع عن شرب الدخان فيعدك بالابتعاد عنه ثم بعد فترة تجده وهو يشربه وعندما رآني تغير وجهه بحمرة الخجل من فعله، وغير هذا الموقف ولكن لا يحضرني الآن المزيد.
أما الأستاذة أم عبدالله التي قالت بينما أنا في السوق إذا بامرأة متبرجة فوجهت لها نصيحة مع ابنتي ذات الستة أعوام فنهرت تلك المرأة ابنتي فتأثرت ابنتي جداً، ولكن لما تابعنا تلك المرأة في المحل الآخر وجدناها قد أصلحت شيئاً من حجابها وهذا بفضل الله.
أما د. شيخة المفرج فقالت أذكر أنه في إحدى السنوات في شهر رمضان كنت في مكة وبعد انتهاء صلاة التراويح وانصراف النساء من الحرم كانت أمامي على السلم الموصل لخارج الحرم امرأة قد انحسرت عباءتها عن ساعديها فتبعتها وسلمت عليها وقلت لها: إن الله حباك بجمال يدين ملفتتين للأنظار فاحفظيها عن أعين الرجال فشكرتني ضاحكة وسارعت لتغطية ذراعيها وهذا موطن ضعف المرأة فإذا مدحت خاصة بجمالها فهي تنقاد بسهولة لمحدثها.
المكانة في الشريعة
وعن مكانة هذه الشعيرة توجهنا لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقاً والذي قال فيما يتعلق بفضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاشك أن القائمين بهذه الوظيفة هم أهل الفضل والمن على بقية الناس، ذلك بأنهم قاموا بفرض الكفاية الذي أوجبه الله على جنس المسلمين، وأمرهم بأن يكلفوا به طائفة منهم تحصل بهم الكفاية، ويندفع بهم الشر، ويذل أهله، ويظهر بواسطتهم الحق وأمر الله، وتعلو كلمته على كلمة الكفر والفسوق والعصيان، ولذلك قال تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخّيًرٌ وّيّأًمٍرٍونّ بٌالمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ } فجعل هذا الفرض على أمة أي طائفة من الناس، يؤدون هذا الواجب على الأمة، حتى يحصل لهم الثواب على قمع الشر وأهله.
وأضاف: فهذا الواجب الكفائي إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين، فإن تكاسلوا وتركوا العصاة والمخالفين يظهرون المعاصي ويجاهرون بالذنوب، فإن الإثم يعم الجميع، فعموم العقوبة دليل على تكليف الجميع. وقد حذر الله العباد من الفتنة التي تعم أهل البلد أو المكان الذي تظهر فيه هذه الفتن والمنكرات، فقال تعالى: {وّاتَّقٍوا فٌتًنّةْ لاَّ تٍصٌيبّنَّّ الذٌينّ ظّلّمٍوا مٌنكٍمً خّاصَّةْ } أي لا تقتصر على العصاة وحدهم، بل تعمهم وتعم الساكتين مع القدرة.
وخلص فضيلته إلى أن بأهل الحسبة يتحقق أمن البلاد من العقوبات العامة، متى بذلوا جهدهم، وقاموا بالمقدور، أثابهم الله وهداهم، لقوله تعالى : {وّالَّذٌٌينّ جّاهّدٍوا فٌينّا لّنّهًدٌيّنَّهٍمً سٍبٍلّنّا وّإنَّ الله لّمّعّ المٍحًسٌنٌينّ }.مشيراً إلى أنه متى ظهر هذا الأمر وقوي أهله، وأعطوا من الصلاحيات ما يخولهم للقضاء على بؤر الفساد، ومحو المعاصي، وإذلال أهلها، فإن الله تعالى يدفع البلاء عن البلاد، ويظهر فيهم الخير والصلاح، ويسود الأمن والطمأنينة، ويحيي العباد حياة طبية، ويأمنون على أنفسهم وأهليهم، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وأكد فضيلته بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل وأتباعهم، فأهل الحسبة هم خلفاء الرسل واتباعهم، والواجب أن يُمكنوا من التغيير، حيث إنهم لا يهدفون إلى مصلحة تخصهم، بل يعملون نيابة عن الأمة.كما لا يجوز أن تصدق فيهم أقوال الخصوم الذين هم أعداء للدين، فإنهم بلا شك سيختلقون ضدهم ما لا حد له من الأكاذيب والترهات، ويلصقون بهم أقوالاً وأفعالاً لا يصدقها عاقل، ومرادهم بذلك شينهم والقدح فيهم، فإن لكل نعمة حاسداً، فلا يقبل كلام الخصم في غيبة خصمه، وهكذا كان الأمر في حال قوة الإسلام وظهوره.
تعليق المحررة
إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوراً في حفظ الأعراض والأموال، ودوره العظيم في بقاء الأمن وسلامة الناس كما يعرفه الجميع في بلادنا التي تقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلنكن كلنا ممن يحرص على استمرار هذه الشعيرة ويربي عليها أهل بيته ويواظب عليها حسب قدرته وإمكاناته.
أدام الله على حكومتنا فضله وحرسها بكرمه وزادها خيراً وأمنا وسلاما وفي ظل ديننا وشرائعه.
|