حاوره: فهد الغريري
الدكتور محمد العوين صاحب حضور إعلامي مميز جداً، بدأ صحفياً ثم انتقل إلى العمل في الاذاعة والتلفزيون مذيعاً أو «محاوراً» كما يحب أن نطلق عليه حيث اشتهر من خلال برنامجه «مراجعات ثقافية».
«شواطئ» استضافت العوين حيث تفضل مشكوراً بزيارتنا لنحاوره بعد أن اعتاد أن يكون هو «المحاور» فكان هذا اللقاء المنوع «والمثير» جداً.
* في بداية هذا اللقاء هل من الممكن أن نأخذ فكرة مبسطة عن موضوع الرسالة التي قدمتها لنيل شهادة الدكتوراه؟
- رسالة الدكتوراه التي قدمتها هي دراسة للرواية السعودية مرتبطة بشخصية مهمة وهي «المرأة» وخاصة أن الرجل هو المتسلط والمسيطر اما المرأة فهي مهمشة مستبعدة وتأخذ الدور الاضعف حتى في النص، ومن خلال النص القصصي نستطيع تتبع سياق التطور الفكري والاجتماعي لها واسهامها في المجتمع، كل ذلك من خلال تطورات النص القصصي بأشكاله منذ بداياته في منتصف القرن الهجري الماضي حينما كتب «عزيز ضياء» اول قصة قصيرة والتي نشرت في صحيفة «صوت الحجاز» وكانت القصة تصور مأساة أم مع ابنها العاق. علماً بأن الكتاب الذي حوى هذا البحث يقع في مجلدين كبيرين وتناول أكثر من 760 قصة قصيرة وأكثر من 135 رواية بالاضافة الى عدد من الدراسات النقدية.
* ما مدى صحة ما يقال حول حصول التباس او سوء فهم بينك وبين الجامعة بخصوص مضمون رسالة الدكتوراه؟
- ليس هناك اي سوء فهم او التباس، كل مافي المسألة مجرد تحفظات بسيطة أبدتها الجامعة وتعديلات طفيفة كإضافة بعض الفصول وحذف بعضها وتغيير بعض العناوين، أذكر من بينها عنوان «المرأة المتمردة» الذي تحول الى «المرأة غير الملتزمة»، كما انه بعد تقديم الرسالة كان للجهة الرقابية في الجامعة رأي آخر فحدث أن أعيدت الرسالة إلى مرتين حتى تم قبولها بشكل نهائي.
* هل كلفت الحملة الانتخابية كثيرا؟
- ضاحكا: ابدا، كانت حملة انتخابية اخوية وحملة محبة وتقدير بين تلميذ واساتذته فقط لا غير خاصة ان الموضوع جريء جداً ولاول مرة يدرس.
* حديثك حول جرأة الموضوع وكونه يدرس لاول مرة من خلال رسالتك يشير الى انك سبقت الدكتور عبدالله الغذامي في الالتفات الى العلاقة بين المرأة واللغة واشكالية ثقافة الذكورة المسيطرة، ما تعليقك؟
- لي تحفظات بسيطة على دراسة الدكتور عبدالله الغذامي في «المرأة واللغة» فهو يأخذ الجانب الفني فقط عن طريق دراسة المرأة في النص الادبي نثرا وشعرا دون مراعاة الجانب الاجتماعي بمعنى انه يدرسها كقيمة فنية مجردة، كما انه يتكلم عن المرأة في العالم بصفة عامة وهذا الجانب بالذات لي تحفظ عليه لانه من الصعب دراسة المرأة في العالم بشكل عام فكل مجتمع له ظروفه وطبيعته الخاصة وهذا سيؤدي بالضرورة الى اختلاف طبيعة المرأة باختلاف المجتمعات.
* بين الصحافة والاذاعة والتلفزيون، أين يجد محمد العوين قلبه؟
- الصحافة والكتابة هما الاقرب إلى قلبي وقد دخلت الصحافة قبل الاذاعة عن طريق جريدة الرياض ولم تستمر هذه الخطوة طويلا فقد انتقلت الى جريدة الجزيرة محرراً ادبياً، وكان ذلك في عام 1398هـ ومنذ ذلك الوقت وانا أعدّ الجزيرة بيتي الاول بكل ما قدمته من دعم وتأييد ومتابعة بالذات من استاذي خالد المالك الذي له الفضل بعد الله ليس علي فقط وانما على أجيال من الصحفيين.
وقد وجدت ذاتي في حضرة القلم والآن لي مقالة أسبوعية في ملحق الاربعاء بجريدة المدينة، اما عملي الاذاعي والتلفزيوني فهو عمل وظيفي لا اجد الحرية فيه باعتباره عملاً مقيداً بكل المحاذير التي اتوقع ان تؤخذ علي فالرؤية الادارية ترى ان العمل الاذاعي وظيفي ومقنن ويعبأ بما هو معتاد ومألوف دون النظر إلى الجانب الابداعي الذاتي فيه!
* لكنك لا تستطيع الانكار ان الظهور التلفزيوني هو سبب شهرة محمد العوين السريعة مقارنة بسنوات من الكتابة والعمل الصحفي؟!
- هذا شيء مؤكد فالظهور التلفزيوني له بريقه، ولكني مستعد للتنازل عن الشهرة والحضور الاجتماعي حين لا أجد ذاتي فإما أن أقول شيئاً له قيمة والا فلا، واقولها بكل صدق فأنا الآن في العمل الاذاعي لا أقدم شيئاً كبيراً لاني لا أرى الظروف مناسبة لي فأنا أعز ذاتي كثيرا ان «اندلق» او «انساق» لعمل ليس له قيمة او ان يشرف عليه او يجيزه او ينتجه من ليس له كفؤاً!! ولو كنت اريد الظهور كان بامكاني الاستمرار في العمل التلفزيوني حتى لو في الاعلان عن الانتقال الى «ملعب الملز - قديما» لحضور مباراة، او حتى ان اظهر لاقول «الان ننهى برامجنا وتصبحون على خير»!!
* محمد العوين يمتلك امكانيات النجومية التلفزيونية، الم تفكر بالتعامل مع الفضائيات؟
- الحقيقة جاءني عدد من العروض ولكنها لم تكن مناسبة فهناك منها ما يشترط الانتقال، وهناك التي لم اجد فيها البعد الحقيقي الذي اتمناه، بكل صدق لم اجد ذاتي برامجيا فهناك مساحة خالية بيني وبين ما اريد.
* وما الذي تريده بالضبط؟
- اتمنى تقديم برنامج لافت وعلى الهواء مباشرة وقبل ذلك لابد من حماية لي بفضاء وهامش من الحرية، فان اتيحت لي الفرصة للظهور على الفضاء في برنامج يناقش قضايا فكرية واجتماعية وثقافية من دون هذه الحماية اعتقد اني سأتوقف في اليوم التالي مباشرة!!
* الحديث عن الاذاعة والتميز فيها يقودنا إلى السؤال عن رأي محمد العوين في الفارق بين المذيعين قديما وحديثا؟
- اعتقد ان القدماء اكثر تأصيلاً ثقافيا، والحظ ان الاجيال الجديدة هدفهم الوحيد الوظيفة وهذا مأخذ كبير، ومن خلال مشاركتي في تدريب اجيال جديدة منذ فترة طويلة لاحظت ان اغلب الجيل الجديد يأتي خاوياً من كل اهتمام ثقافي وفكري وليس لديه هوية او رسالة، واما عن اللغة فهي سيئة جدا الا من رحم الله وهذا جزء من الخواء الثقافي لان الذي يقرأ كثيرا يملك لغة جيدة غالبا.
بالمناسبة.. هؤلاء هم من سيمرون بشكل طبيعي وسلس على الوظائف ولن تواجهه اي عقبات نفسية او وظيفة فليس لديه اي اختلاف مع اي احد.. لانه ليس لديه رسالة اصلا!
* من يعجبك من القدامى ومن يشدك من الجدد؟
- متفائل كثيرا بالمذيع الشاب خالد المدخلي فلديه امكانيات رائعة واهتمامه الثقافي لا بأس به وان كان لابد له من التركيز على ماذا يريد من العمل الاذاعي، ومن جيل الوسط اذكر الزميل خالد الشهوان لكفاءته الاذاعية المتميزة واتمنى منه الاهتمام اكثر بالجانب الثقافي، ومن الجيل القديم ادين بالفضل بعد الله لكثير من الاساتذة الاجلاء على رأسهم الاستاذ ابراهيم الذهبي رحمه الله الذي لا يمكن ان انسى استاذيته ثم زمالته واخوته، هذا الرائد الاذاعي ليس صوتا فقط وانما ثقافي فقد كانت لديه قناعات ومبادئ راقية جداً.. ونحن نريد نماذج مثل هذا النموذج صاحب الشخصية الثرية.
* تحدث عن ارتباطك القوي بالصحافة فهل انت قارئ لما يدور بين سطورها وخلف كواليسها بحيث تستطيع ان تقدم لنا رؤية نقدية للصحافة السعودية حاليا؟
- هناك تطورات في العمل الصحفي لاشك ولكن مازالت صحافتنا تنتظر المزيد والافضل بالذات في مجال الرأي خاصة اذا لاحظنا ان الصحافة لدينا شبه مستقلة كما انه تم الآن انشاء هيئة للصحافيين وهو الخبر الذي اسعدني كثيرا وبالمناسبة اتشرف بأن كنت أول من اعلن هذا الخبر في نشرة الساعة الثانية والنصف وقد فرحت لانه امر يمسني في الصميم كمواطن وكصحفي واعلامي.
اقول ان هذه الاستقلالية النسبية لم تستغل بشكل افضل من قبل رؤساء التحرير بالذات، فما زالت نظرة الرقابة القيمة فيما قبل 1410هـ هي نفسها الآن! علما بأنه بعد ازمة الخليج عام 1411هـ حدثت نقلة كبيرة في الاعلام المباشر ودخلت شبكة الانترنت بزخمها الهائل، واصبح هناك تطورات في التيارات الفكرية والاجتماعية والدينية، وللاسف ان الصحافة لم تواكب هذه الثورة ولذلك مازال الكتاب يحتارون بين الصحف بسبب التفاوت بين صحيفة واخرى وبسبب ضيق هامش الحرية المتاح.
* بما انك ركزت على رؤساء التحرير فهل ترى ان فكرة تغيير رؤساء التحرير حل مناسب لهذه الاشكالية؟
- المشكلة ليست في رئيس التحرير بحد ذاته ولكن في جرأة رؤساء التحرير في فهم الواقع، وليس بالضرورة ان يتغير الرئيس فقد يأتيك رئيس تحرير جديد يحمل النظرة القديمة نفسها، المطلوب هو ان يكون هناك استيعاب لاهمية استغلال هامش كبير من الحرية وفرته الظروف الحالية ولم يستغل، وايضا فهم ان الصحيفة بهذا الشكل العصري ستكون داعماً قوياً لتطلعات الدولة فحرية الرأي المقيدة «منعا للفوضى» هي في الواقع التزام وطني واخلاقي واجتماعي تعين في تقدم المجتمع.
العلاقة بين محمد العوين
والانترنت، الحوطة، «السمنة»!
* ذكرك لمعطيات العصر الحديث يقودنا إلى سؤالك عن علاقة محمد العوين بالانترنت؟
- انا مطلع فقط ولكني مطلع جيد حيث اقرأ واتصفح المواقع الاخبارية وساحات الحوار بشكل يومي ولكن ليس لدي موقع وان كانت فكرة واردة وأسعى إلى تحقيقها ان شاء الله.
* والعلاقة بين محمد العوين والحوطة؟
- علاقة انتماء واعتزاز وتجذر، وعلاقة اجد فيها نفسي كثيرا حينما اذهب الى هناك اجد السكينة والطمأنينة والراحة واجد أحباباً كثيرين جدا اسعد بلقياهم رغم ظروف العمل السيئة.
* وكيف تتقبل «التنكيت» على أهل الحوطة؟
- أهل الحوطة يتمتعون برحابة صدر وسعة افق وبمزيد من القيم المعروفة عن كل ابناء المملكة وهي واضحة في اهل الحوطة مثل الكرم والشجاعة والنخوة، بالاضافة الى ذلك فهم نظرا لسعة افقهم فانهم لا يميلون الى اتخاذ الطريق المباشر للوصل الى ما يريدون بل يلتفون عن طريق «النكتة»، وهذا قد يوحي بالسذاجة احيانا ولكنه في الحقيقة يدل على عمق في الذكاء وقدرة على التخلص، ولا ادل على ذلك من نكتة «هذا المسجد مهوب على يمة»!!
* الدكتور محمد العوين يملك حضوراً خفيفاً على النفوس وهو محبب لدى الجمهور وهذا يدعونا إلى التساؤل عن العلاقة بين ثقل الوزن وخفة الحضور؟
- مبتسما: اولا انفي بشدة ان وزني كبير جدا! وان كان قد حصل ذلك للاسف في اثناء دراسة الدكتوراه فبسبب «المرابطة» لمدة ست سنوات ازداد وزني من 73 الى 86 ثم بعد الانتهاء وبداية العودة الى الحركة والانطلاق عاد الى 77 وهو وزني الآن.
* مع انك عندما تظهر في التلفزيون تملأ الشاشة؟!
- هذا لكون الصورة التلفزيونية تعطي انطباعاً لانها تكبر أكثر من اللازم.
* او ان المخرجين «يغارون» من محمد العوين فيحاولون التقاطه من زوايا تظهره بحجم أكبر من الطبيعي؟
- «يعني انت الحين شايف ان فيه بدانة»؟! «مافيه بدانة ابدا».. اعتقد ان وزن 77 يظل مقبولاً.
* حاولت أن أجعلك تفقد أعصابك ولم أفلح، وبهذه الابتسامة الجميلة منك ننهي هذا اللقاء فهل هناك ما تودإضافته؟
- احترم شواطئ كثيرا لتنوعها وقربها الشديد من مفهوم العمل الصحفي الحقيقي نظرا لانها تقدم مادة منوعة وثرية ومتابعة، وتقدم العمل الصحفي الذي يخرج عن نطاق النقل من وكالات الانباء وتدبيج المقالات فقط وهذا هو العمل الصحفي الحقيقي، وخاصة وهي تعنون بأنها صفحة منوعات وهي فعلا تناقش هموماً كثيرة جدا وتناقش شخصيات كثيرة ومختلفة وتقدم الرؤية النقدية وايضا الرؤية المتفقة كما ألحظ، فكلمة شكر وتقدير للقائمين على هذه الصفحة الجميلة واتمنى لكم التوفيق، كما اتمناه لجريدتنا المحبوبة الجزيرة وهنيئا لخطواتها التطويرية الرائعة المتوقعة بوجود رائد صحفي كبير جدا مثل الاستاذ خالد المالك.
|