في الوقت الذي يركز فيه البيت الأبيض بصورة كبيرة على العراق فاجأ الرئيس الأمريكي جورج بوش المراقبين سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها بالعودة مرة أخرى للحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومع ذلك فإن اهتمام الرئيس بوش بهذه القضية مرة أخرى وإعادة الحديث عنها في هذا الخطاب الهام الأسبوع الماضي مرتبط تماما بالعراق.
فالإدارة الأمريكية لها رؤية حول إمكانية أن يؤدي تغيير نظام الحكم في العراق إلى عصر جديد في منطقة الشرق الأوسط يشهد انتشار الديموقراطية والحرية الشخصية ولكن وفي الوقت الذي يحاول فيه بوش حشد التأييد الدولي لحربه القادمة ضدالعراق فإنه تعرض هو وإدارته لانتقادات حادة بسبب تجاهله لمسيرة السلام في الشرق الأوسط وكانت أكثر الانتقادات التي جاءت من جانب حلفاء أمريكا أنفسهم الذين عبروا عن قلقهم من التحيز الأمريكي الصارخ لإسرائيل وتبني وجهة النظرالإسرائيلية بأن كل العنف الفلسطيني هو إرهاب فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبحت واشنطن أقل تسامحا مع العنف في أي مكان حتى ذلك الذي كان يعد من قبل قتالا من أجل الحرية.
وقد أدى هذا إلى إثارة شكوك الرأي العام العالمي في حقيقة أهداف الحرب الأمريكية التي تقول أمريكا انها تسعى إلى نشر الحرية والديموقراطية في العالم والشرق الأوسط وفي هذا السياق يمكن لحديث الرئيس بوش عن السلام في الشرق الأوسط أن يقلل من هذه الشكوك بعض الشيء ولكنه لن يؤدي أبدا إلى تلاشي الشكوك في حقيقة النوايا الأمريكية.
يرجع هذا إلى ان طريقة إدارة الرئيس بوش في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن رؤيتها بطريقتين:
الأولى: أن الرئيس بوش عبر بعبارات هي الأقوى في تاريخ الرؤساء الأمريكيين عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
والثانية أن الرئيس بوش نفسه هو أكثر الرؤساء في تاريخ أمريكا تحيزاً لإسرائيل.
يقول ستيفن زونيس خبير شئون الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو أن هناك غموضاً كبيراً في موقف الرئيس بوش فمن ناحية يعد الرئيس أكثر من تحدث عن الدولة الفلسطينية بل واستخدم اسم «فلسطين» مقارنة بأي رئيس أمريكي آخر ومن ناحية ثانية فهو الرئيس الذي يقدم دعما غير مشروط لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون وفي الوقت الذي يتطلع فيه العرب والأوربيون إلى تحقيق أي شيء إيجابي على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن البيت الأبيض متفق مع شارون على ضرورة تأجيل أي كلام عن هذا الصراع حتى تنتهي الأزمة العراقية على أساس الانتهاء من العراق أولا.
وفي خطابه الأسبوع الماضي حدد الرئيس بوش التزامه الشخصي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية ولكنه ربط أي تقدم على هذا الصعيد بالإطاحة بصدام حسين من السلطة في العراق ويرى المراقبون أن عودة بوش للحديث عن الحل الذي يستند على وجود دولتين جاء استجابة للضغوط المتزايدة التي يتعرض لها بوش داخل أمريكا وخارجها فقد طالب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وأخيرا رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا أثنار الرئيس بوش بضرورة إصدار بيان يؤكد فيه رؤيته للربط بين تسوية الأزمة العراقية وتحقيق السلام والديموقراطية في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطين المستقلة.
يقول جوزيف مونتفيل المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ان الرئيس يواجه مأزقا حقيقيا في السيطرة على حلفائه العرب والأوروبيين وفي نفس الوقت يواجه ضغوطا من داخل إدارته.
وقد جعل الدعم الأمريكي الواسع لاستخدام إسرائيل القوة المفرطة ضد الفلسطينيين جعل العالم ينظر إلى الادارة الأمريكية باعتبارها تقف في صف شارون وحزب الليكود المتطرف.
وقد تأكد هذا التحيز عندما أعلن الرئيس بوش عن تعيين إليوت إبرامز كمسئول عن ملف الشرق الأوسط والأدنى في مجلس الأمن القومي الأمريكي في ديسمبرالماضي وهو المعروف بارتباطه باليمين الإسرائيلي ثم تأكد الانطباع عندما قام إبرامز بتعيين عدد كبير من اليهود المتطرفين أو ما أطلق عليهم أحدالمراقبين الليكوديين الحقيقيين كمساعدين له في إدارة هذا الملف الذي يتضمن الصراع العربي الإسرائيلي.
وإذا كان محور النزاع الآن يدور حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن الرئيس بوش يرسل بإشارات متعارضة حول هذه النقطة ففي حديثه الأخير تحدث بوش عن دولة فلسطينية مستقلة قابلة للتحقق وهو ما يعني أنها ستكون بعيدة عن السيطرة الإسرائيلية.
كما أن كلمة دولة «قابلة للتحقق» جزء من خطة خريطة الطريق التي تتبناها اللجنة الرباعية الدوليةالراعية لعملية السلام والتي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن في نفس الوقت يؤكدالرئيس بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون أن مساندته له غير قابلة للتفاوض كما أن المعارضة الأمريكية للمستوطنات الإسرائيلية بدأت تتراجع.
وقد قال بوش انه عندما يتحقق التقدم في المسيرة السلمية يجب أن تتوقف عمليات الاستيطان وهو ما يعني ضمنا السماح بمواصلة الاستيطان طالما لا تشهد عمليةالسلام أي تقدم وهو تحول خطير في الموقف الأمريكي باتجاه المزيد من المساندة للرؤية الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أن بوش بهذه الكلمات يتبنى موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون الذي يقول بأن عمليات الاستيطان يمكن أن تتوقف فقط في حالة تحقيق تقدم جوهري تجاه السلام ولكن المفارقة أن بعض العرب لا يريدون حتى الآن النظر إلى مواقف بوش باعتبارها متطابقة مع مواقف شارون ولكن حسين حسونة مندوب جامعة الدول العربية في واشنطن يقول انه لا يعرف ما إذا كان يجب إعطاء كلمات الرئيس بوش قدراً كبيراً من الأهمية فهناك عناصر إيجابية في خريطة الطريق ودعنا نرى ما إذا كان بوش سوف يلتزم بها ام لا.
وفي نفس الوقت يقول بعض المحللين ان هناك بعض العناصر التي تشير إلى احتفاظ الولايات المتحدة بمسافة فاصلة عن إسرائيل فيقول منوتفيل ان بوش قد يبعث برسالة إلى شارون عن طريق الدولارات فإسرائيل لم تحصل على مائتي مليون دولار إضافية من المساعدات الاقتصادية كما أن البيت الأبيض مازال يرفض الموافقة على طلب إسرائيل للحصول على أربعة مليارات دولار كمساعدات عسكرية مشيرا إلى احتمال الموافقة على مليار دولار فقط ويقول مونتفيل ان المستوطنات وخريطة الطريق قضايا حرجة ولكن الأهم هو كيفية تعامل إدارة الرئيس بوش مع محاولة الضغط على إسرائيل من خلال المساعدات المالية.
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب«الجزيرة»
|