* بغداد جريجور ماير د.ب.أ:
كان الشبان يسيرون بخفة ونشاط وفرقة الموسيقى العسكرية تصدح ومقدم برامج التلفزيون يصيح بكلمات التعبئة للحرب في مكبر للصوت. كان ذلك هو المشهد في العاصمة العراقية يوم «الاربعاء» حيث سار حوالي ثلاثة آلاف جندي من الدفاع المدني من أمام وزارة الداخلية تصحبهم سيارات للشرطة وسيارات ضخمة لاطفاء الحرائق ورجال يحملون سيوفاً وعربات جيب محملة بالرشاشات وفرقة من «فدائيي صدام» يرتدون الملابس الوطنية.
كان الهدف من هذا العرض إظهار المساندة القوية لنظام الرئيس العراقي صدام حسين في الوقت الذي يقترب شبح الهجوم الامريكي على العراق.ولكن الدلائل الواضحة على الاستعدادات العراقية للحرب ضئيلة للغاية، ويمكن ملاحظة بعض التغييرات في الشوارع، فقد تسلح رجال الشرطة فجأة برشاشات كلاشنيكوف وخوذات حديدية، وأقيمت حديثاً خنادق أمام المباني العامة ويمكن ملاحظة أكياس من الرمل غير مألوفة في بعض الانحاء.
وقامت الشرطة في صباح أحد الايام مؤخرا بتدريب على تنظيم المرور في منطقة المباني الحكومية في بغداد بينما أعضاء في حزب البعث الحاكم استعدوا بأسلحتهم الشخصية، ولكن الاجواء بصفة عامة تشير إلى أوضاع عادية، فحركة المرور عادية ويذهب الناس إلى أعمالهم وللتسوق، فالحياة تسير بنفس الايقاع في العاصمة العراقية الصاخبة حيث يندر أن يمر يوم دون أن ينبعث ضوضاء عرس يقام في أحد الفنادق الكبرى، وعند مناقشة أي عراقي يبدو هادئا مستسلما إزاء احتمال الحرب.
تقول ياسمين نادي «33 عاما» الموظفة في وزارة الداخلية والام لثلاثة أطفال «لا نشعر بأي خوف من الحرب، لقد اعتدنا الحياة مع الحرب»، وتؤكد أنها لم تبدأ بعد في تخزين أغذية وماء.
وتضيف «الحياة تمضي، وكان الامر كذلك إبان القصف عام 1991»، وقد وزعت السلطات بالفعل حصصا غذائية تكفي حتى تموز «يوليو» المقبل، ولكن هذا هو التدبير الوحيد الذي قامت به الدولة لمواجهة احتمال نقص التموين، ولكن النظام العراقي بذل جهودا كبيرة لتهيئة السكان نفسيا «للدفاع ضد المعتدي»، ويبث التلفزيون كل ليلة تقريباً خطباً مطولة لصدام حسين أو قادة عسكريين أو موظفين كبار في الدولة ينصحون الشعب باتخاذ احتياطات مثل حفر مخابئ في الحديقة تحسباً لغارات جوية، واستعراض اول امس الذي ظهرت فيه سيارات جيب وسيارات شحن صغيرة تعلو بعضها رشاشات ومدافع مضادة للطائرات هو رسالة أخرى موجهة لغزاة محتملين: إن النظام يستعد لحرب المدن، ودأب صدام على تنبيه قواته إلى أن حسم المعركة يتم على الارض ومن قبل القوات البرية، وخاطب نخبة من قواد الجيش مؤكدا لهم أنهم صواريخ «الصمود» الحقيقية في مواجهة العدو الذي يستهدف النيل من إرادتهم الصلبة قبل كل شيء.
|