1 القمة الأخيرة وورقة الإصلاح:
لا أدري إن كان هناك من القراء وفي هذه اللحظات المحمومة بطيش انتشار القوات الأمريكية والبريطانية في بحارنا وفي الهواء الذي نتنفس من يجد المزاج لقراءة ذلك السيل اللزج من المقالات والتحليلات السياسية التي يكتبها أولئك الكتَّاب مثلي وغيري ممن لم يترك لهم اقتراب الكارثة ما يكتبون غير محاولات مرتبكة ليست كفيلة بإخراج أي منا على رعب الهلاك والهوان الجماعي الذي يعد لمستقبل المنطقة ما لم تحدث معجزة إلهية تعكس اتجاه العاصفة. وإذا كان ليس ذلك على الله بعزيز فإن لذلك شروطاً ومقدمات وتكليفاً ربانياً ومسؤولية وطنية يجب ألا نيئس كشعوب ودول من قدرتنا على الأخذ بأسبابها مهما بدأ الوقت متأخرا وإلا فإننا لا نستحق شرف الحياة الكريمة.
وفي هذا لعله يمكن التعليق على أن أسوء ما حدث في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ لم يكن فقط عجزها عن التوصل الى صياغة موقف عربي «عملي» يرقى على خطاب الهجو في وجه فداحة الحرب الأمريكية المعدة للمنطقة بدأ بتفسيخ العراق وتحويل أطفال شعبه إلى أشلاء. كما أن أسوء ما حدث لم يكن الخلافات العلنية التي حولت بها المبالغات الصحفية الأنظار عن القضايا المحورية للقاء، إذ أن الخلاف في العلن هو أفضل من الطعنات في السر. والخلافات الحادة قد تحدث في اعتي التجمعات السياسية الإقليمية والدولية وما «تقريع» الرئيس الفرنسي لدول أوروبا الشرقية على مواقفها المحابية للحرب الأمريكية في القمة الأوروبية الأخيرة إلا مثال على مثل هذه الخلافات. ولهذا فإن من أسوأ ما حدث في رأيي داخل مؤتمر القمة العربية الأخيرة وأقول ذلك بدافع موضوعي وليس بدافع كوني مواطنة سعودية وحسب هو تأجيل طرح مذكرة الاقتراح بإصلاح الوضع العربي الداخلي التي كان من المقرر أن تتقدم بها المملكة العربية السعودية بيد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. فذلك المقترح مما تسرب عن مضامينه الإصلاحية يقدم نفسه كخيار عربي وطني للإصلاح كبديل لمشروع «الدمقرطة» الذي تفصِّله أمريكا للمنطقة على مقاس مصالحها كما جاء في النقاط التي أعلنها وزير خارجيتها كولن باول وليس بالطبع على مقاس مطالب العدل والمساواة والمشاركة السياسية التي يحلم بها المواطن العربي بشكل لابد أن يكون فيه «مشروع الدمقرطة الأمريكي» ما دام آتيا على حاملات الطائرات الحربية شيء شبيه بتدخل أمريكا في تشكيل حكومة كرزايا بعد الحرب بأفغانستان، هذا أن لم يأت المشروع الأمريكي بشكل أسوء يصير فيه العراق «بروفة تجريبية» لاعادة تصدير أو استنساخ سيرة وصورة (كرومر المندوب السامي البريطاني إبان استعمار مصر) بهيئة رعاة البقر الأمريكية وتعميم صورته وأدواره على العواصم العربية باسم عولمة «القيم الأمريكية الديموقراطية» باستثناء وحيد هو استثناء واحة الديموقراطية «إسرائيل» من هذه المعاملة القسرية التي تهدف كما يقولون وليس كما نتكهن إلى رسم أقدار المنطقة بما يعيد توزيع موازين القوى بالقدر والاتجاه الذي يكفل لهم تسليم مقاليد القيادة الاقتصادية والسياسية في «الشرق الأوسط الجديد» لحليفهم الصهيوني. لا أقول ذلك بالطبع كما قد يريد أن يفهم البعض مرافعة ضد قيمة الديموقراطية فليس الشعب العربي أقل توقا من شعوب الأرض الأخرى لقيم الحق والعدل والسلام والحرية ولكني أقوله لأشير، إذ ليس بيدي أكثر من أحلام الكتابة، إلى خسارة الفرصة في القمة العربية الأخيرة لطرح ذلك الاقتراح الإصلاحي الذي كان الأحرى التعجيل به وعدم تأجيله إلى قمة تالية لا يعلم إلا الله متى ستعقد أن كانت ستعقد. إذ أنه ما دام ليس بيدنا تغيير سياسة أمريكا في الحرب على أراضينا وفي زرع جيوشها شوكة في شواكلنا ونحورنا وبحورنا حسب موازين قوانا «الخائرة» في اللحظة التاريخية الراهنة فلا أقل من أن تتبنى دول المنطقة سياسة إصلاح عربي داخلي تعيد الاعتبار للشعوب، تفعل القوى الاجتماعية المهمشة وتشركها في تحمل فداحة التحديات الخارجية والداخلية للعمل على خلق شروط اجتماعية واقتصادية وسياسية تمنع استمرار العجز الذي أدى بنا إلى موقف اليوم. هذا الموقف المهيض الذي لا يطمع العدو لعدوه بما هو أسوأ منه مهما بلغت به ضراوة العداوة أو سوداوية أخيلة الحقد. وإذا أخذنا في الاعتبار أن اقتراح الإصلاح الداخلي العربي الذي كان من المفروض أن يطرح على جدول قمة شرم الشيخ قد جاء متواشجاً مع تطلعات الشعب السعودي في مذكرة مطالب الإصلاح التي تقدم بها عدد من المواطنين السعوديين ممن استقبلهم ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مرحباً ومثنياً على تلك المطالب باعتبارها تعبيراً عن المسؤولية المشتركة بين الدولة والشعب للخروج على الأوضاع المعطلة لطاقات الوطن العربي مما سهل مهمة الاستقواء عليه، عرفنا كيف أن اقتراح الإصلاح هو حاجة ملحة للدول بقدر ما هو حاجة للشعوب لمقاومة أن تكون أقدار منطقتنا بيد بوش أو شارون، ولهذا فقد كان من المؤسف أن تنتهي القمة العربية الأخيرة وقد أضاعت فرصة أن تسمع وتناقش مقترحات الإصلاح التي تبناها سمو الأمير عبدالله بما كان ربما قد يزعج الأعداء أكثر مما تزعجهم بيانات الرفض والشجب المعتادة. هذا ولله الأمر من بعد ومن قبل.
2- موقف البرلمان التركي
والديموقراطية الأمريكية:
بينما قال البرلمان التركي بملء الفم وعلى ملأ الإعلام العالمي.. لا.. لاستقبال الجيوش الأمريكية على أرضه تواصل أمريكا بحماس حشد جيوشها ونشر بوارجها وسفنها أمام ميناء الإسكندورنة. وهي في سبيل العسكرة داخل حدود تركيا تواصل ممارسة كل أشكال الضغط الداخلي والخارجي الترغيبي والترهيبي على الحكومة التركية لتعمل على تغيير قرار رفض الشعب التركي من خلال إجماع تمثيله البرلماني لوجود القوات الأمريكية في مجال سيادته الوطنية سواء كانت مجالا جويا أو بحريا. وإذا كان هناك من يذهب في تحليله للموقف التركي بأنه محاولة لابتزاز مزيد من الأثمان المالية والسياسية من الإدارة الامريكية في تفاحة العراق التي على وشك السقوط، فإن نجاح أمريكا في لي ذراع رئيس الوزراء التركي عبدالله غل ليعلن أن حكومته جادة في إجراء تصويت برلماني جديد يغير قرار الرفض لا يخفى وبغض النظر عن دوافعه البراجماتية تركيا مدى استخفاف أمريكا بقيمة الديموقراطية ورأي الشعوب في مصائرها الوطنية عندما تتعارض هذه الديموقراطية مع المصالح الأمريكية.
الملاحظة المبكية المضحكة التي يصعب ابتلاعها دون التنوية بها في هذا السياق هي أن الدول العربية في مجاراتها الكسيرة لموكب الحرب الأمريكية على المنطقة لم تستطع ان تتخذ مواقف سيادية كموقف فرنسا وألمانيا وفي نفس الوقت ظلت أعجز حتى من اتخاذ موقف نفعي مساوم مثل تركيا.
3 الدجل السياسي الأمريكي:
في الوقت الذي تمارس فيه الإدارة الامريكية اليمينية كل أشكال التعتيم على التقتيل الجماعي للشعب الفلسطيني بأخبار إعدادها الهمجي للاعتداء على شعب العراق الأعزل إلا من حزنه وجوعه فلا يمر يوم دون ان يسقط في صمت مريب عشرات الشهداء من المدنيين الفلسطينيين، يلوح الرئيس الأمريكي للعرب بقيام دولة فلسطينية ما بعد الحرب على العراق.. فهل يحاول بوش الابن اغراء العرب لصالح حربه بمزيد من الصمت على جراحهم؟ أي موقف سياسي يريد رئيس أمريكا أن يبتاع به عقول شعوب العالم؟ أي دولة فلسطينية يصار الى التلويح بجزرتها والواضح من الوقائع أنه ما لم توقف على جناح السرعة سياسة التصفية الجسدية الضارية التي يتبعها «رجل السلام الأمريكي» السفاح شارون ضد الفلسطينيين فانه لن يبقى هناك أحياء على الأرض الفلسطينية لتقام لهم دولة؟. أي شيء يريد اليمين الأمريكي أن يشتري به سكوت العالم على جريمة الحرب المزمعة على شعب أعزل إلا من الرعب على تسرطن أطفاله قبل أن يولدوا بدعوى نزع أسلحة دمار ما من رآها في الوقت الذي تمتلك فيه «اسرائيل جميع أنواع أسلحة الدمار ليس كشبهة محتملة بل كحجة دامغة تستخدم عيناتها يوميا في ذبح الشعب الفلسطيني على مرأى من العالم وأمام عيون كاميرات عمياء على ما يبدو؟ ولماذا لا يحقد العالم على السياسة الأمريكية إلى ما فوق حبال الرقبة وهو يرى هذا الاستخفاف بحاسة سمعه وبصره؟ غير أن أمريكا لن تسمع لمثل هذه الأسئلة إلا بعد أن ترتد الطلقات المجنونة إلى صدرها مرة أخرى وحينها قد لا تلوم إلا سياستها التي عملت عن سابق تخطيط وحرب على عولمة الكراهية.
4 قمة المؤتمر الإسلامي:
انعقدت هذه القمة أيضا في وقت ضائع آخر من وقت وضع اللمسات الأخيرة للعدوان على شعب العراق وهو أشد المعنيين المباشرين للاكتواء بنيران الحرب. وإذا كنا نحدس من ضيق الوقت على الأقل أنه لن يكون بإمكان هذه القمة أكثر من تسجيل موقف قد يعطي إفادة شفوية في القادم من ظلام الأيام للقول بأن هذه المؤسسة حاولت ألا تكون تماما في عداد الأموات ولو عن طريق عدة الصوت، خصوصا وقد اتحفتنا فعلاً ببيان بائت كما فعلت عشية الحرب على أفغانستان. إذ عجزت تماما وقتها أن ترى أو تسمع أياً من قنابل تلك الحرب وتفجيراتها الموجهة ضد الشعب الأفغاني المسلم وربما يعود ذلك لانحباس أنفاسها جراء الدخان المنبعث من مبنى البانتجون ومبنى التجارة العالمي. ولذا فقد اكتفى بيانها الطيب في حينه بإدانة الإرهاب الذي يرتكبه الضعفاء دون الأقوياء. فبدا من البيان وكأن إرهاب أمريكا ومكارثيتها ضد الإسلام تحدث خارج المجرة. على أنه الأجدر بنا أن نتفاءل على الأقل لإغاظة المتشائمين منا فنرجو الله وليس سواه ألا تتكرر لدى قمة المؤتمر الإسلامي نفس أعراض الخوف والخذلان مرة أخرى هذا لله الأمر من قبل ومن بعد.
|