يخطئ من يظن أن الرأي العام في الولايات المتحدة لا يؤثر في صناعة القرار السياسي للحكومة الأمريكية، وبخاصة إذا كان القرار يتعلق بحرب تكون الولايات المتحدة طرفاً رئيساً فيها.
والمتتبع للتاريخ السياسي الأمريكي يلحظ كيف أثر الرأي العام في انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام، وكيف واجه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب مواجهة حامية الوطيس بين حكومته وأعضاء الكونجرس لينتزع منهم الموافقة على إعلان الحرب على العراق إبان أزمة الخليج الثانية، على الرغم مما حظي به القرار من موافقة الأمم المتحدة ودول التحالف.
اليوم تواجه الحكومة الأمريكية الحالية في تعاملها مع القضية العراقية ظروفاً مختلفة وعقبات كثيرة تقف أمام إعلان الحرب على الرغم من الحشود العسكرية الهائلة في المنطقة. أهم وأكبر هذه العقبات هي اتساع دائرة الرفض والمعارضة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولا يزال الرئيس الأمريكي وأعضاء السلطة التنفيذية يواجهون مداً نوعياً للرأي العام المخالف لسياستهم في المنطقة، بل إن الرئيس الأمريكي نفسه يتلقى تقارير تقويمية يومية عن اتجاهات الرأي العام داخل الولايات المتحدة وينظر إليها بنظرة جادة وحصيفة تناقض اعتقاد من يتوهم أن الأصوات المعارضة للرأي هي مجرد مضيعة للجهد والوقت.
آخذاً في الاعتبار هذه الحقيقة فإن التساؤل الذي ينبغي أن نطرحه في هذا السياق هو: ما الذي يمكن أن يفعله العرب والمسلمون لتكثير الأصوات المعارضة للحرب ومحاولة التأثير على صناعة القرار الأمريكي في هذا الشأن؟ قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن هذا التساؤل مغرق في التفاؤل ومفعم بالأمل البعيد المنال، لكن الذي يعرف آلية اتخاذ قرار الحرب في البيت الأبيض وعوامل التأثير فيه يدرك أن مجرد محاولات يسيرة قد تحدث نتائج كبيرة وتغيراً نوعياً في الذهنية السياسية التي تقف وراء قرار إعلان الحرب، ويلخص ذلك كله نقاط سريعة ذكرها عضو الكونجرس الأمريكي السابق بول فندلي منها:
1- تقديم الرأي المعارض عبر البريد والفاكس والبريد الإلكتروني للبيت الأبيض.
2- زيارة أعضاء الكونجرس والتحدث إليهم شخصياً أو الكتابة لهم عبر البريد العادي أو الإلكتروني فمثل هذه المبادرات تمثل متغيراً رئيساً في التأثير على رؤيتهم تجاه الحرب وبخاصة للعرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة لأن ذلك يتعلق بأهليتهم لإعادة انتخابهم مرة أخرى.
3- أن تتخذ هذه المكاتبات و المراسلات من العامل الإنساني محوراً رئيساً في المعاني التي تتضمها، ويكون ذلك من خلال الحديث عما تنتجه الحرب من مآس إنسانية مثل قتل الأبرياء، وتشريد المدنيين وانتشار الفقر، وكثرة المعوقين الذين تطالهم شظايا القصف، ونحو ذلك. يقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق «جيمس بيكر» في مذكراته عن حرب الخليج الثانية إن قرار وقف العمليات العسكرية البرية في حرب تحرير الكويت كان مبنياً على محادثة هاتفية من قائد القوات المشتركة آنذاك «نورمان شوارسكوف» أبلغ فيها القيادة الأمريكية أن الكثير من العراقيين فقدوا أرواحهم في «طريق الموت السريع» الذي يربط الكويت بالعراق، وهذا شاهد جلي الدلالة في أن البعد الإنساني كان له الأثر الأكبر في إنهاء الحرب.الذي يجب علينا هو أن نعي هذه الحقيقة وأن نفعل شيئاً لأن الفرصة سانحة لمثل هذه المبادرات، وهي رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى النخب وطلائع المجتمع.
(*) أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض
|