يطلق على فقدان العدسة البلورية (خرزة العين) لشفافيتها اسم الساد (الماء الأبيض). وعندما يمر الضوء بسهولة عبر عدسة واضحة في الأحوال الطبيعية فإنه يكون صورة حادة على الشبكية، ولكن عندما تصبح العدسة غير واضحة، فإن الضوء لا يمكنه أن يمر بنفس السهولة، وبهذا يحدث الخلل في البصر. إن الإصابة بالماء الأبيض مماثلة للنظر عبر نافذة مكسوة بالضباب. وأكثر ما تشيع الإصابة بالماء الأبيض في الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 55 سنة.
تحدث الإصابة بالماء الأبيض بسبب تغيرات كيميائية في بروتين العدسة تسبب الضبابية أو اللون الضارب إلى الصفرة أو السمرة. وفي حين أن التغيرات الكيميائية تبدو جزءا من العملية الطبيعية للتقدم في السن، فإنها قد تحدث بسبب إصابة، أو بسبب النزعات الوراثية، أو الأمراض أو العيوب الولادية، أو عقاقير معينة.
لا توجد طريقة معروفة للوقاية من الإصابة الماء الأبيض الذي يعتبر عملية طبيعية للتقدم في السن. بيد أن ثمة دليلاً متنامياً على أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية (أشعة الشمس) وتدخين السجائر يمكن أن يسرعا في الإصابة بهذه الحالة، ولذلك فإن تجنب الإفراط في التعرض لأشعة الشمس، والتدخين يعتبر إجراء وقائياً سليماً.وعندما يحجب الماء الأبيض (العدسة المتغيمة) الضوء ، تتكون صورة ضبابية (غير واضحة)في الشبكية. وقد يؤثر هذا التغيم (عدم الوضوح) على كل العدسة أو جزء منها، مع العلم بأن درجة تأثر البصر بتكون الماء الأبيض تعتمد على موضع ودرجة التغيم. على سبيل المثال، إذا بدأ التغيم على جانب العدسة، فقد لا يتأثر البصر بذلك بصورة كبيرة لعدة سنوات، وذلك لأن البصر المحيطي لا يستعمل بقدر استعمال البصر المركزي.ويشير التاريخ الطبيعي للماء الأبيض إلى حدوثه ببطء وعلى مدى سنوات. وهو يبدأ بحدوث تناقص طفيف في كثافة الألوان في بادئ الأمر، ويتطور بمرور الوقت ليؤثر في حدة البصر، ويصبح من العسير على المرء أن يجد طريقه في المراحل المتقدمة للغاية من الإصابة بالمرض. وحيث أن التناقص في البصر حدث على مدى سنوات، فإن غالبية المرضى لا تتوفر لديهم فكرة جيدة عن سوء البصر لديهم إلى أن يقوموا بإجراء عملية جراحية لإحدى العينين، مما يمكنهم بالتالي من المقارنة بين البصر في العين التي أجريت فيها العملية والعين المصابة بالساد.
يؤدي إجراء فحص صحي شامل للعين إلى اكتشاف الماء الأبيض، ومن الضروري بعد التشخيص متابعة الحالة للتأكد من تصحيح مستوى الخلل بأفضل درجة ممكنة. كما يمكن في المراحل المبكرة من المرض، وصف النظارات للمريض لتساعده على الرؤية بصورة أفضل، والذي يحدث هو أن المرضى الذين اعتادوا على استخدام النظارات للقراءة، يبدؤون بالقول بأنه أصبح في استطاعتهم مؤخراً أن يقرؤوا دون الاستعانة بنظارات مقربة. وهذه الملاحظة صحيحة، وهي تعزى إلى ظواهر بصرية صرفة، يمكن من خلالها أن يبدأ الماء الأبيض بمساعدة المريض بصورة جزئية على أن يرى عن قرب بصورة أفضل دون استخدام نظارات القراءة. ولكن الماء الأبيض قد يصبح بمرور الوقت شديداً إلى درجة لا يمكن معها المحافظة على الرؤية الجيدة حتى مع وصف النظارات للمشاهدة عن بعد وعن قرب. في هذا الوقت، قد تصبح العملية الجراحية أفضل خيار لاستعادة البصر، مع العلم بأن اتخاذ القرار الخاص بإزالة الساد يعتمد على عدد من العوامل تشمل مدى التغيم (عدم الوضوح)، وموقع الماء الأبيض، وعدد النشاطات اليومية الطبيعية التي تأثرت. على سبيل المثال، في حالة تأثر القدرة على القراءة أو قيادة السيارات، قد يتم اختيار إجراء عملية جراحية في وقت أسرع مما لو لم تتم ملاحظة مثل هذا الخلل في الإبصار.
يتم نزع العدسة المتغيمة أثناء إجراء العملية الجراحية لإزالة الماء الأبيض، وغالباً ما يتم استبدال هذه العدسة بعدسة صناعية (تسمى غرسة العدسة داخل مقلة العين). ومن الجدير بالذكر أنه حدث تطور هائل في العدسات الصناعية مع الطفرة التي حصلت في مجال التقنية الطبية، كما أن هنالك نطاقاً واسعاً من العدسات التي يمكن استخدامها. وأكثر العدسات تطوراً هي العدسات القابلة للثني والتي تتضمن القدرة على استحداث جرح صغير جداً (بطول 2 ،3 ملم) في العين من أجل إدخال العدسة. ونظراً لأنه يتم إجراء عملية جراحية في عين واحدة فقط في الوقت الواحد، فإنه يتم في البداية إجراء هذه العملية للعين التي يكون فيها البصر أكثر ضعفاً. ويتم في الغالب تحديد وقت العملية الجراحية، بحيث يكون البصر في إحدى العينين جيداً وذلك في الوقت الذي يتم فيه التخطيط لإجراء العملية الجراحية للعين الأخرى. وقبل المضي في إجراء العملية، يتم عمل حسابات دقيقة لقوة العدسة التي سيتم غرسها. ويمكن إجراء هذه الحسابات من خلال قياس الطول المحوري للعين، وتقعر القرنية، واستخدام معادلات خاصة تساعد على تحديد قوة الانكسار في العدسة المغروسة.
تتحقق نتائج ممتازة في البصر لدى المريض في الوقت الحالي بعد إجراء عملية الماء الأبيض، وذلك بالنظر للتحسن الكبير الذي طرأ على الأساليب والأدوات المستخدمة في هذه العمليات. وعادة ما لا تقتضي الضرورة المكوث في المستشفى بعد العملية، ولذلك فإن هذا النوع من العمليات يجرى في العيادات الخارجية (حيث تستغرق العملية ابتداء من تنويم المريض في المستشفى مروراً بإجراء العملية إلى خروجه من المستشفى بين 4 ساعات و5 ساعات). ويمكن إجراء العملية تحت التخدير الموضعي أو تحت التخدير العام (حسب رغبة المريض والطبيب)، ويتم تغطية العين لمدة يوم واحد بعد إجراء العملية. ومن الملاحظ أنه يطرأ تحسن في البصر في غالبية الحالات في اليوم الأول بعد إجراء العملية، ويتم استخدام قطرة للعين لفترة وجيزة من الوقت. إن هذا النوع من العمليات غير مؤلم، كما أنه مفيد للمريض، فقد أتاحت التطورات التي حصلت في التقنيات الحديثة إجراء شق صغير في العين بطول حوالي 3 ملم، ومثل هذا الشق حجمه متناه في الصغر بحيث أنه لا يتطلب الخياطة. ويفضل استخدام العدسات القابلة للثني داخل المقلة في الحالات غير المعقدة.
أخيراً، يمكن للمريض بعد إجراء العملية الجراحية للساد، أن يستأنف نشاطاته اليومية المعتادة بعد يومين، وتقتضي الضرورة منه أن يراجع الطبيب للمتابعة والتأكد من أن العين تستجيب استجابة مناسبة للإجراء. هذا ولن يكون بالإمكان مشاهدة الجرح بالعين المجردة بعد مرور أسبوعين على العملية.
(*) اختصاصي طب العيون
مستشفى المملكة/ العيادات الاستشارية
|