تعقيباً على جريمة حي السويدي.. وموضوع للأستاذ عبدالله بن بخيت المنشور في عدد الجزيرة 11108 وتاريخ 20/12/1423هـ: احذر.. «جارك مريض نفسي» وكان الموضوع تعقيباً على الجريمة التي حدثت في حي السويدي. وأزيد على ذلك وأقول بل احذر أكثر من ذلك فربما جارك تستطيع ان تتلافاه بأي شكل من الأشكال ولكن انتبه ان يكون زميلك في العمل الذي قد تراه يومياً أكثر من رؤيتك لأطفالك ان يكون مريضاً نفسياً وكذلك تكون زوجتك التي تنام بجانبك أو ربما تجد يوماً شخصاً قابع خلف مقود سيارتك لتسأله من أنت فيجيبك بسرعة أنا مريض نفسي عندها بالتأكيد لن تفعل له شيئاً وربما تركته يذهب بسيارتك وأنت في تمام الرضا لأنه ليس عليك حرج أو ملامه فيما فعل ويفعل.. أيضا ربما فتحت حافظة نقودك يوماً فوجدت بها مريضا نفسياً ولو قدر لك ووجدت مصباح علاء الدين وفركته ليخرج لك من يلبي لك كل طلباتك يخرج إليك مريضا نفسياً ليرحب بك في عالمه الخاص وربما اشتكى لك هو كثيراً مما يتعرض له وطلب منك حمايته من ظلم وجور الناس والصاق كل فشلهم وسقطاتهم واخطائهم واهمالهم به حتى وان كان يعيش في قمقم بعيداً عن أعين الآخرين.. مسكين أنت أيها المريض النفسي كأنك مولود لتحمل أوزار وغلطات وذنوب الآخرين.. ومسكين أنت أيها المرض النفسي أصبحت كقميص عثمان وكذئب يوسف عليه السلام بل أصبحت كسبابة المتندم التي تعض حتى تسيل منها الدماء دون أي ذنب جنته سوى أنها تعيش في جسم انسان لا يعرف قيمتها وهي مجبرة ان تدفع قيمة فاتورة هي بعيدة كل البعد عنها.. أصبحت أيها المرض النفسي شماعة ذهبية لكل اخطائنا وجرائمنا وانحرافاتنا وأنفسنا الضعيفة وضعف ايماننا.. كل ذلك حملته عنا وبكل اقتدار وأصبحنا نحن أبرياء من كل أفعالنا المشينة وسقطاتنا المروعة.. وفي الحقيقة ان كل ما يحصل وما نرميه على المرض أو المريض النفسي ما هو إلا تبرير سطحي وجاهل لفشلنا وعجزنا عن مواجهة حقائقنا بأنفسنا والعمل على ايجاد أفضل الحلول لها قبل ان تستفحل ويحدث مالا يحمد عقباه، ولكن من أسهل الأشياء في الدنيا التي لا تحتاج الى عناء أو تعب ومجهود ان نسقط أخطاءنا وفشلنا على الآخرين.. ومن الصعب ان نعمل بتفان واخلاص وأمانة وتحمل للمسؤولية في سبيل انقاذ أرواحنا والآخرين مما يعاني منه الجميع.. فالانسان الكاذب مثلاً بدلاً من ان يعالج كذبه ويحاول ان يبعد تلك الصفة الذميمة عنه ولأنه يعرف بأنه ربما لا يستطيع لتأصيلها في نفسه أو أنه ليس لديه امكانات ذلك أو أنه يعرف أن التخلص من ذلك ربما احتاج الى جهد مضاعف وبدلاً من كل ذلك فأقل شيء يفعله ليعزي به نفسه دون أي مجهود ان يسقط ذلك على الآخرين بل يرى ان كل الناس مثله حتى يبرر لنفسه ما هو فيه وبأنه دائماً على صواب والغير هم المخطئون وقس على ذلك البخيل والمنافق والحاسد وغيرهم.. هذه هي حياتنا يا سادة تمعنوا فيها واحكموا.. قلق وتوتر واضطراب.. حضارة ومدنية وتطور.. لهث محمود وراء الرغبات والمصالح والأهواء.. أمراض عقلية وأخرى نفسية.. مشاكل أسرية واجتماعية.. فقر وبطالة.. تسارع في كل نواحي الحياة.. تطور اجتماعي سريع وتطور تكنولوجي أكثر سرعة.. غزو فكري في جميع الاتجاهات.. عزوبية وعنوسة.. طلاق وترمل وتعليق.. قسوة وضرب واهانات وتوبيخ.. تقريع وتهكم وسخرية.. مشاكل مادية.. آليات تتحرك بسرعة البرق وانسان يسير ببطء السلحفاة لا يستطيع اللحاق بكل هذه الأشياء.. نتيجة لذلك بطبيعة الحال صراع نفسي رهيب بين ما يراد وما هو كائن بالفعل.. وبين ما هو متوافر وما يجب ان يوفر.. وبين حاجات مطلوبة وضرورية وبين واقع يقول بعكس ذلك تماماً.. طلبات لا تنتهي ورغبات ليس لها حدود ويد قصيرة وموارد قليلة ان لم تكن معدومة..كل هذه الأشياء وغيرها بالتأكيد سينتج عنها ضغوط نفسية وبالتالي حقد وكره ونقمة على كل الأنظمة والقوانين والسنن الاجتماعية ومن ثم طلب الانتقام وثأر قديم من كل شيء يقف عائقاً أمام مصالحنا وحاجاتنا ورغبات أنفسنا.. اختفت الكثير من المبادىء والقيم الانسانية كالحب والتضحية والوفاء والأمانة وأهم من ذلك الصبر على المكاره ونوائب الدهر والحكمة والتعقل حتى الرضا بالمقسوم والقضاء والقدر.. الانسان أصبح يريد ان يعيش بأية طريقة بغض النظر عن مشروعية تلك الطريقة وبغض النظر عن شرف ذلك الهدف.. حتمية الصراع وصراع الوجود والبقاء والبحث عن مكان بين حطام الدنيا حتى لو كان موطأ لقدم في زحمة كل هذه المتناقضات.. أحياناً وفي سبيل ذلك يستعمل الانسان اللامشروع ليصل للمشروع أو حتى غير المشروع المهم ان يصل.. أحياناً أخرى يجد المرء نفسه مضطراً لفعل الكثير مما لا يريد لكي يحصل على ما يريد أو على الأقل جزء ضئيل مما يريد.. وأحيانا يضحي الانسان بمبادئه وقيمه وربما انسانيته ليلحق بالركب حتى وان كانوا ضالين وعلى غير هدى.. ومرات كثيرة في زمن كهذا لابد أن تغض الطرف عن أمور كثيرة لتعيش ومن تعول وفي سبيل تأمين أبسط أوجه الحياة الكريمة أو التي تعتقد على الأقل بأنها كريمة.. مبدأ البقاء للأقوى وليس للأفضل وعدم وضع كل شيء في مكانه الصحيح جعل الوضع ينقلب ويصبح معكوساً.. فنتج من ذلك ضغوط وضغوط.. وصبر يتلوه صبر.
ثم معاناة مستمرة وبعد ذلك عدم تحمل وقدرة على المواجهة ثم احباط ويأس ثم يأتي الانفجاربأنواعه شتى فيحدث القتل نعم القتل وربما يحدث القتل ليس للقتل نفسه وإنما كاحتجاج ثائر على كل الأوضاع الراهنة سواء الوضع الأسري أو الاجتماعي أو الاقتصادي وحتى الوضع الشخصي.. احتجاج على الانسانية المحطمة التي ذهبت بذهاب الزمن البعيد.. احتجاج صارخ ونفسي على عدم الرضا عن كل شيء وعلى عدم التحمل أكثر من هذا.. ومن ثم قد يكون الانتقام هائل وفظيع سواء من النفس بالانتحار أو الاساءة اليها بأي شكل من الأشكال أو من الغير في أبشع صورة الظلم الذي يقع على الانسان وهو القتل والتشويه والتعذيب.. وربما حصل ذلك الأمر لأن كل الظروف والاحباطات والمعاناة والفقر والبؤس والشقاء تمثلت حينها في صورة ذلك المقتول الطيب البريء الذي لا ذنب له إلا أنه كان أول الناس حضوراً وأقربهم الى القاتل عند حدوث الفاجعة.. المتأججة بكل وسائل الثأر والانتقام من كل شيء في صورة ذلك المغلوب على أمره.. هذا هو الواقع المرير للأسف وما هذا إلا غيض من ذلك الاقدام على تلك الجرائم البشعة من قتل وغيره والتنكيل بأجساد أناس أبرياء ولكنهم للأسف ضحية لكل ما هو سيئ في المجتمع ولكل ما هو محبط في الحياة ولأي شيء يدخل اليأس الى نفوسنا وينزع أبسط ذرات الايمان من قلوبنا ولكل اهمال وتسيب ولا مبالاة وعدم اهتمام بالانسان وكرامته سواء في صحته أو مرضه.. نعم يا سادة ليس المرض النفسي هو المسؤول الوحيد عن كل هذه الجرائم بمختلف أنواعها وليس هو الشجاعة الذهبية التي نعلق عليها كل عيوبنا واخطائنا.. ولكنه التبرير الدائم للكثير من حالات الفشل التي نحن سببها.. صحيح ان المرض النفسي يعتبر مرحلة أخيرة لظروف متعاقبة ومصائب متتالية وضغوط قوية وحالات من الاحباطات المتكررة وكثير من الأحلام والأماني الموءودة إذن لماذا لم نعمل على علاج الخلل من الأساس ومنذ البداية وللحظات الأولى لنشوئه؟ حتى لا يصل المرء الى ذلك المرض الذي أصبح ملف حفظ دائم لكل مصائبنا واخطائنا وحتى لحظات ضعفنا واهمالنا وعدم التزامنا حتى بأبسط قواعد المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً.. في الحقيقة كلنا مسؤولون عن هذه المآسي وليس المرض النفسي فحسب الزوج، الزوجة، الأب، الأم، الأسرة، المدرسة، المسجد، وأهم من هذا مؤسساتنا ودورنا العلاجية المختلفة التي لا ينقصها شيء سوى شيء اسمه الاخلاص والتفاني في العمل والاحساس بالمسؤولية ولكن أعتقد بأن لسان حال الكثير يقول مادام أني أعيش في سلام فليمت الآخر وليتألم ما شاء له ان يتألم وليعاني وليس لنا في النهاية إلا تبادل كلمات العزاء والقيل والقال واشاعة التبريرات غير المنطقية أبداً ورمي الواقعة على أسباب قد لا يكون لها أي صلة بالموضوع لا من قريب أو بعيد وكل هذا حتى لا تنكشف أقنعتنا ونسقط أمام أنفسنا ونعزيها ونحن نعرف تماماً بأننا جميعاً مسؤولون ولكننا لا نريد من الآخرين أن يكتشفوا ضعفنا أو ان مؤسساتنا العلاجية ربما تكون أماكن للايواء فقط وليست لتقديم العلاج.. إذن نرجوكم.. بل نتوسل اليكم اعملوا، تعاونوا، أخلصوا، أدوا الأمانة التي بين أيديكم.. اتقنوا العمل حتى نقضي على هذه المشاكل ما أمكن قبل ان تتعاظم ويحدث هذا القتل الأليم للانسان والانسانية والكرامة ويذهب أولئك الناس للأبرياء كل يوم تحت وسائل وتبريرات هشة وواهية وقد تكون في أحيان مضحكة ومخجلة..
عبدالرحمن عقيل حمود المساوي
الرياض 11768 ص.ب 155546
|