أكد الأستاذ الدكتور رشود الخريف استاذ جغرافية السكان بجامعة الملك سعود أن القوى العاملة في المملكة شهدت نمواً سريعاً خلال العقدين الماضيين وأن ذلك جاء مواكبا لنمو السكان بشكل عام وذكر أن الأحصاءات الأخيرة عن القوى العاملة في المملكة والتي نشرتها مصلحة الإحصاءات العامة تشير الى أن عدد القوى العاملة في قطاع الصناعات التحويلية يصل الى 440652 في عام 1421ه وأن هذا يمثل حوالي 8% من إجمالي القوى العاملة في المملكة، وأشار الدكتور الخريف الى أن الأمية لم تعد مرتفعة في صفوف القوى العاملة في المملكة وذكر أن نسبة الأمية لا تتجاوز 12% من إجمالي القوى العاملة. وعن توطين الصناعة أوضح الدكتور الخريف أنها تتطلب تنمية ثقافة صناعية ومهارة تقنية لدى القوى الوطنية.
جاء ذلك في حوار أجرته «الجزيرة» مع الدكتور رشود الخريف أستاذ جغرافية السكان بجامعة الملك سعود.
حوار ناصر الحوطي
* بداية نود أن نعرف هل شهدت القوى العاملة في المملكة نمواً سريعا؟
في البداية لابد من الإشارة الى أن القوى العاملة في المملكة شهدت نمواً سريعا خلال العقدين الماضيين، جاء مواكبا لنمو السكان بشكل عام، فبناء على الاحصاءات الرسمية فقد بلغ إجمالي القوى العاملة في المملكة قرابة 6 ملايين (بالتحديد 5986985) في عام 1421ه، أما بالنسبة للقوى العاملة الوطنية، فيقدر عدد افرداها حوالي ثلاثة ملايين (2943222)، أي ما يمثل 49% من إجمالي القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، وبالمقارنة بالإحصاءات لأعوام سابقة، يظهر ان القوى الوطنية تنمو بمعدلات سريعة نسبيا خلال العقدين الماضيين، تقدر بنحو 3% سنويا وذلك لفتوة سكان المملكة العربية السعودية، وكنتيجة لهذا النمو ارتفعت نسبة القوى الوطنية من 43% في عام 1413ه إلى قرابة نصف القوى العاملة في عام 1421ه. وعلى الرغم الجهود المبذولة المشكورة من أجل سعودة الوظائف وتوطينها إلا أن هذه النسبة لا تزال أقل من الطموح، مما يتطلب مزيدا من الجهود في هذا السبيل. ولكن هذا الوضع في الحقيقة أفضل بكثير مما هو عليه الحال في بعض دول الخليج العربية التي تمثل العمالة الوافدة الأغلبية الساحقة من القوى العاملة بها، فعلى سبيل المثال، تصل نسبة القطريين 13% من إجمالي القوى العاملة في قطر في عام 1997م. وقد أدى التباطؤ النسبي في السعودة الى ارتفاع نسبة البطالة عما هي عليه في الأعوام الماضية وذلك نتيجة عدم التوافق بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل من جهة، ورخص أجور العمالة الوافدة مقارنة بالعمالة الوطنية من جهة أخرى، وتقدر نسبة البطالة بين السعوديين بشكل عام بنحو 15 ،8%، ولكنها ترتفع بين الإناث السعوديات لتصل الى حوالي 18%، في حين تنخفض الى نحو 6% بين الذكور السعوديين. وتُشير الإحصاءات الاخيرة عن القوى العاملة في المملكة العربية السعودية التي نشرتها مصلحة الإحصاءات العامة إلى ان عدد القوى العاملة في قطاع الصناعات التحويلية يصل إلى 440652 في عام 1421ه وهذا يمثل حوالي 8% من إجمالي القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، ويعمل في قطاع التشييد والبناء أكثر من نصف مليون، أي 9% من إجمالي القوى العاملة، أما قطاع التعدين واستغلال المحاجر فيعمل به 101880، أي حوالي 2% وباستثناء قطاع التعدين، فإن الأغلبية الساحقة من العاملين في هذه القطاعات هم من غير السعوديين، ففي قطاع الصناعات التحويلية، تصل نسبة غير السعوديين إلى حوالي 86%، وترتفع الى حوالي 93% في قطاع التشييد والبناء، والسبب في ذلك يعود الى تركز معظم القوى العاملة الوطنية وفي قطاع الخدمات وذلك لجاذبيته مقارنة ببعض القطاعات الأخرى، وعلى الرغم من انخفاض نسبة العمالة الوطنية في القطاعات الإنتاجية إلا أن هذه النسب أفضل من بعض دول الخليج وخاصة قطر على سبيل المثال التي لا تتجاوز نسبة القطريين في قطاع الصناعة 4% فقط.
* ما هي خصائص القوى العاملة في القطاعات الثلاثة المذكورة آنفاً؟
عزيزي القارىء، سنركز فيما تبقى من هذه المقالة المختصرة على خصائص القوى العاملة في القطاعات الثلاثة المذكورة آنفا وذلك لاهمية هذه القطاعات من جهة ولارتفاع نسبة العاملين غير السعوديين فيها فبالنسبة للتوزيع الجغرافي للقوى العاملة في قطاع الصناعات التحويلية، تستحوذ المنطقة الشرقية على نسبة كبيرة منهم، إذ يمثل العاملون في هذا القطاع في المنطقة الشرقية حوالي 42%، وتليها منطقة الرياض بحوالي الربع (24%)، ثم مكة المكرمة بحوالي 18%، وبعدها المدينة المنورة بحوالي 8%، لعل هذا التوزيع الجغرافي ليس مستغرباً أو مفاجئاً، (فإذا عُرف السبب، بطل العجب!) فمعظم المواد الخام متوفرة في هذه المناطق، بالاضافة الى وجود البنية الأساسية الملائمة لهذه الصناعات، وكذلك الأسواق، وبالمثل، يتركز معظم العاملين في (التعدين واستغلال المحاجر) في المناطق الإدارية نفسها، إذ تستحوذ المنطقة الشرقية على 82% من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع، وتليها كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة بنحو 6% لكل منهما، ثم الرياض بحوالي 3% فقط من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع، وعلى العكس من هذين القطاعين، فإن العمالة في قطاعات التشييد والبناء تتوزع بشكل أقل تركزاً، فتحتل مكة المكرمة المرتبة الأولى من حيث عدد العاملين في هذا القطاع (28%)، وتليها المنطقة الشرقية (27%) ثم الرياض (21%).
* هل هناك أمية مرتفعة في صفوف القوى العاملة في المملكة؟
بحمد الله تعالى، لم تعد الأمية مرتفعة في صفوف القوى العاملة في المملكة، فنسبة الأمية لا تتجاوز 12% من إجمالي القوى العاملة، أو حتى بين أفراد قوة العمل الوطنية، بعدما كانت 18% في عام 1413ه وأكثر من ضعف هذه النسبة مع بداية الخطة الخمسية الأولى، وبالمقارنة بين افراد قوة العمل في قطاعات النشاط الاقتصادي، فإنها تنخفض بين القوى العاملة في قطاع الصناعات التحويلية والتعدين. فهي لا تتجاوز 2% في قطاع التعدين، في حين ترتفع نسبيا في قطاع الصناعات التحويلية لتصل الى حوالي 10% ولكنها ترتفع نسبيا في قطاع التشيد والبناء الى 19%، وبهذا فإن الأمية تنخفض قليلا لدى أفراد القوى العاملة الوطنية في هذه القطاعات.
وليس مستغرباً أن يمثل الذكور الأغلبية الساحقة من العمالة في قطاع الصناعات التحويلية. ففي هذا القطاع، لاتكاد تصل نسبة النساء السعوديات (5،0%). فأغلب النساء السعوديات يفضلن العمل في قطاع التعليم والصحة والعمل الاجتماعي. فتصل نسبة العاملات في قطاع التعليم لوحده إلى 83%، وفي قطاع الصحة والعمل الاجتماعي إلى حوالي 8%، أي أن أكثر من 90% من العمالة النسائية السعودية تتركز في هذين القطاعين فقط.
* كيف نستطيع توطين الصناعة وماذا يتطلب ذلك؟
- وبشكل عام، مهارة تقنية لدى القوى الوطنية وذلك من خلال زيادة نسبة مشاركتها في قطاع الصناعة. فلا يمكن للصناعة أن تحقق طموحاتنا في هذا البلد إلا من خلال توطين الصناعة ليس من خلال إنشاء المصانع في المملكة فقط، بل عن طريق تنمية القوى العاملة الوطنية في قطاع الصناعة. ففي غياب التخطيط لتنمية القوى العاملة الصناعية، قد تكون المصانع كما كانت في الماضي القريب ورش تدريب للعمالة الأجنبية، خاصة أن المصانع السعودية العمالة الأجنبية سواء من الناحية الأمنية والاجتماعية أو من النواحي الاقتصادية، مما يتطلب تنمية القوى العاملة الصناعية. ومن جهة أخرى، ففي الآونة الأخيرة بدأنا نسمع عن مدى جدوى تطبيق «الحد الأدنى للأجور» وتأثيرها في إنجاح توطين الوظائف. وعلى الرغم من جاذبية هذه الفكرة وفاعليتها في بيئات ومجتمعات مختلفة، إلا أنه تطبيقها في المملكة يتطلب بعض التريث والدراسة المتأنية وخاصة في الوقت الحاضر، والسبب هو أن العمالة الوطنية محلها. والسبب الثاني أن الأغلبية العظمى من مؤسسات القطاع الخاص صغيرة وفتية، مما قد يؤثر عليها سلباً. لذا ينبغي دراسة الموضوع بعمق، واتخاذ مبدأ التدرج في التطبيق عند القناعة بضرورة تحديد الحد الأدنى للأجور. ونقطة أخرى مهمة أود الإشارة إليها في ختام حديثي، ألا وهي «التخصص الصناعي». ففي عصر العولمة والتجارة العالمية، أو مايسمى ب «النظام العالمي الجديد» وما يواكب ذلك من تسارع في زيادة تقسيم العمل وانتشار التقنية ومن ثم ترابط الاقتصادات في العالم، فإن التخصص الصناعي أصبح ضرورة وأقصد بذلك أن تسعى الدول النامية إلى التركيز على صناعة أو صناعات معينة تتوفر مقوماتها نجاحها لدى الدولة، لصتبح الدولة متخصصة فيها، ومصدراً رئيساً لها. فالمنافسة ستصبح صعبة وشرسة مالم تتميز المنتجات الصناعية بالجودة والقدرة على المنافسة في السوق العالمية. وفي الختام فمما يثلج الصدر وينبئ بمستقبل زاهر للصناعة في المملكة أن المواطن السعودي يبدو فخوراً بمستوى جودة الصناعات السعودية ومتانتها، مما سيجعلها بإذن الله منافسة ليس في السوق المحلية فقط، بل وفي الأسواق العالمية كذلك، خاصة مع الدعم المعنوي والمادي الذي تقدمه الحكومة الرشيدة للمواطن سواء في هذا القطاع المهم أو غيره من القطاعات الاقتصادية.
|