* باريس - بيتر فورد
في الوقت الذي تستعد فيه طائرت الميراج الفرنسية والألمانية لتكثيف عمليات التفتيش الجوي على المواقع العراقية المشتبه في وجود أسلحة دمار شامل بها فإن خبراء منع انتشار الأسلحة مازالوا مختلفين حول جدوى تشديد عمليات التفتيش على الأسلحة كبديل عن أي حرب أمريكية منتظرة ضد العراق ومازال الخبراء منقسمين ما بين مشكك في جدوى عمليات التفتيش ويرى أن مصيرها هو الفشل وبين من يقول إن هذه العمليات مجدية وتستحق منحها فرصة أكبر للعمل بصورة أكثر صرامة.
وقد جاء الاختبار الجاد لعمليات نزع السلاح العراقي سلميا عندما وافق العرق بالفعل على بدء تدمير صواريخ الصمود 2 على أساس أن مداها يتجاوز المدى الذي تسمح به الأمم المتحدة للصورايخ العراقية وسوف يعطى قبول العراق لهذه الخطوة دعما قويا لموقف المؤيدين لاستمرار عمليات التفتيش الدولي في حين أن رفض العراق لذلك كان سيعطي واشنطن حجة إضافية لشن الحرب وفي الوقت نفسه تتصاعد المعركة الدبلوماسية بشأن الأزمة العراقية فالولايات المتحدة وبريطانيا تستعدان لتقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن الدولي يمهد الطريق أمام ضرب العراق في حين تتشبث كل من فرنسا وألمانيا بالمقاومة لمثل هذا الاتجاه.
وقد صرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك بأن الأمور مازالت كما هي تؤكد إمكانية تحقيق هدف نزع السلاح العراقي بالطرق السلمية دون الحاجة إلى حرب في حين يقول الرئيس الأمريكي جورج بوش إن صدام حسين يريد كسب المزيد من الوقت لذلك سوف يتظاهر بأنه يقوم بنزع سلاحه مع أنه لا يعتزم التخلي عن هذا السلاح حقيقة
يقول جاري ميهلون مدير مشروع ويسكنسون لمنع انتشار الأسلحة النووية في واشنطن إن المشكلة هي أن عثور المفتشين الدوليين على أي أدلة على وجود أسلحة محظورة لدى العراق سوف تدعم موقف معسكر الرافضين للحرب على أساس أن عمليات التفتيش تحقق نتائج بالفعل.
وفي الوقت نفسه سوف تثبت الرؤية الأمريكية بأن صدام حسين مازال يخفي أسلحة محظورة تقترح فرنسا وألمانيا وروسيا دعم فرق التفتيش على الأسلحة من خلال زيادة عددهم وزيادة عمليات التفتيش الجوي وتكثيف عمليات التفتيش على المنافذ الجمركية لمنع دخول أي مكونات محظورة للعراق ثم إقامة قوة دولية لحراسة المواقع المشتبه فيها.
يقول فرانسوا هايزبورج رئيس مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس إن الأمر يستحق التجربة والمحاولة لأنه لا يوجد أي سبب ملح لشن الحرب دون تأخير فلم يرد أي شيء في خطاب وزير الخارجية الأمريكية كولن باول أمام الأمم المتحدة بخصوص الأسلحة العراقية ولا في تقارير رئيس فريق المفتشين الدوليين على الأسلحة هانز بيليكس ليس فيهما ما يشير إلى أنه ستقع كارثة كبرى إذا لم تشن أمريكا حربها ضد العراق في غضون أسبوعين أو ثلاثة كما يردد الأمريكيون بل إن المفتشين الدوليين يطالبون بمزيد من الوقت فمحمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس الفريق الدولي للتفتيش على الأسلحة النووية في العراق يقول إن المفتشين لم ينتهوا بعد من مهتهم وأنهم لم يحصلوا على التعاون الكامل من جانب العراقيين ولكنه يأمل في الحصول على هذا التعاون خلال الأسبوع الحالي وأنه مازال يعتقد أن الحرب ليست حتمية الآن أما هانز بليكس فقال مؤخرا إن المشكلة الأساسية ليست في عدد المفتشين الدوليين ولكن في التعاون الكامل من الجانب العراقي ودون هذا التعاون الكامل فإن عمليات التفتيش لن تحقق أي نجاح حتى لو تمت زيادة عدد المفتشين والوقت المتاح لهم، كما تقول أوليفيا بوسك المفتشة السابقة على الأسلحة في العراق والمحللة في المعهد الملكي للشئون الدولية في لندن وتضيف أنه لا معنى لمنح المفتشين الدوليين المزيد من الوقت إذا لم يتحقق مزيد من التقدم ويتفق المحللون على أن التهديد الأمريكي للغزو الفوري للعراق هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يقنع صدام حسين بالاعتراف بما لديه من أسلحة محظورة.. ويقول هؤلاء المحللون إن الحشد الحالي لأكثر من مائتي ألف جندي أمريكي وبريطاني حول العراق يمثل عنصراً حيوياً لضمان قيام العراق بفتح كل أبوابه أمام المفتشين الدوليين كما لم يحدث من قبل
تقول جيسكا ماتيوس رئيس معهد كارنيجي للسلام في واشنطن : يجب وجود تهديد فعلي مرتبط بعمليات التفتيش وعندما تقول انزع سلاحك وإلا فإنه يجب أن يكون من الواضح أن البديل عن نزع السلاح هو الحرب، أما جاري ساموري مساعد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ومدير الدراسات في معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن فيري أنه على الرغم من أن عمليات التفتيش القسري على الأسلحة لن يوفر للعالم سوى صورة غامضة عن القدرات العسكرية فإنها يمكن أن توفر قدرا من الثقة في أن العراق لا يستطيع استئناف برامجه النووية والصاروخية ولا يستطيع انتاج أسلحة كيماوية في السر ولكنها لا تجعل المجتمع الدولي على ثقة بالنسبة لتطوير العراق لأسلحة بيولوجية أو قيامه بإجراء أبحاث محظورة ويضيف ساموري أن العراق لا يمثل حاليا أي تهديد لجيرانه ولكن إذا فكرت في أن صدام حسين مستعد لتقديم مساعدات للإرهابيين فإنه يمكن اعتباره عنصر تهديد بالفعل للغرب وليس لجيرانه.. ويقول ساموري إن الخوف هو أن العراق يستطيع استعادة قدراته العسكرية بمرورالأيام ويمكن أن تتهاوى سياسة الاحتواء الحالية وبمجرد عودة القوات الأمريكية من منطقة الخليج إلى بلادها ما الذي يمنع بغداد من الاعتقاد أن الضغط عليها قد تلاشى ثم تبدأ التحرك تدريجيا بعيدا عن مراقبة المفتشين الدوليين.. ويقول ميهلون إنه في دولة باتساع العراق وحيث اعتاد مسئولوه ممارسة الخداع فإنه يمكن القول إن عمليات التفتيش محكومة بالفشل إذا لم يقرر العراقيون بأنفسهم التخلي عن سلاحهم وعن المفاضلة بين الحرب والاحتواء.. يقول ميهلون إن سياسة الاحتواء نجحت على مدى 12 عاما مع العراق ولكنه يشك في قدرتها على البقاء للأبد.
إذن فسياسة الاحتواء التي يمكن أن تنجح تحتاج ليس فقط إلى مفتشين يعملون باستمرار بدعم من مئات الآلاف من الجنود الذين يتمركزون حول العراق مهددين بغزو العراق ولكن أيضا بفرض حظر تجاري صارم يفوق الحظر القائم حاليا حتى تبقى كل المواد ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري بعيدا عن يد صدام حسين. بالإضافة إلى مراقبة مخابراتية كبيرة لشحنات الوارادت العراقية.
ويعترف مؤيدو استمرار التفتيش على الأسلحة بأنهم لا يستطيعون توفير ضمانات بنسبة مائة في المائة. يقول داريل كيمبال رئيس رابطة منع انتشار الأسلحة في واشنطن إنه قد لا يمكن الحصول على يقين بنسبة مائة في المائة بأن العراق تخلص من أسلحته البيولوجية والكميماوية ولكن اليقين الكامل قد لا يستحق الثمن الباهظ الذي ستسفر عنه أي حرب ويضيف أنه يرى أن نظام التفتيش الحالي يمكن أن يحتوى التهديد العراقي بصورةمرضية إذا ما أظهر العراق تعاونا أكبر وتم هذا التفتيش في ظل ضغط دبوماسي وعسكري دولي.
وقال إن عمليات التفتيش الحالية هي مجرد بداية وان العالم الآن في منتصف عملية لم تكتمل بعد.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب «الجزيرة »
|