ماذا يعني خروج الملايين في الجزائر للترحيب بالرئيس الفرنسي جاك شيراك أول رئيس فرنسي يزور الجزائر بعد انتهاء حرب التحرير الجزائرية ومن ثم استقلال الجزائر، فقد خرج أكثر من نصف مليون مواطن جزائري في العاصمة مرحبين بشيراك، وفي مدينة وهران غرب الجزائر اقترب عدد المرحبين بالرئيس الفرنسي من المليون جزائري، خرجوا منذ الصباح الباكر بانتظار قدوم الضابط الذي كان ضمن جيش الاحتلال الفرنسي إبان الثورة الجزائرية.
وحتماً فإن الرئيس شيراك وكل الفرنسيين قد فوجئوا بهذا الاستقبال الذي لم يحظ به أي رئيس فرنسي خلال زيارة له إلى خارج بلاده، فكيف إذا كان هذا الاستقبال من شعب كان من قبل مستعمرة من قِبل بلاد الزائر..؟!!
حتماً إنها لمفاجأة سارة للفرنسيين ولشيراك شخصياً، إلا أنها أكثر مدعاة للسرور للتيار الديغولي في فرنسا وللمستعمرين الفرنسيين الذين راهنوا على ما يسمى في فرنسا «السياحة الفرنسية/ العربية».. فالمعروف في بلاد الغال أن الرئيس الراحل شارل ديغول وبعد حصول الجزائر على استقلالها بمبادرة شجاعة من قِبل الجنرال الذي واجه المتطرفين من جنرالات الجيش الفرنسي الذين كانوا يعتبرون الجزائر جزءاً من التراب الفرنسي، وبعد حرب عام 1967م عندما عارض الجنرال ديغول العدوان الاسرائيلي على البلدان العربية، برز في فرنسا ما أُطلق عليه «السياسة الفرنسية/ العربية» ومنذ ذلك الحين أصبحت فرنسا تتعاطف مع القضايا العربية العادلة، ويبرز هذا التعاطف أكثر ما يبرز في عهد الرؤساء الديغوليين ورؤساء حكوماتهم، وهو ما يظهر الآن في الموقف الصلب للرئيس جاك شيراك في معارضته للحرب المحتملة على العراق، ولهذا فإن ملايين الجزائريين الذين خرجوا للترحيب بالرئيس جاك شيراك، إنما خرجوا لشكر ورثة ديغول الذين حافظوا على ميراث الجنرال وتراث السياسة الفرنسية/ العربية.
وهنا تتحقق مقولة «كم من الرؤساء يضيفون لمكانة بلادهم الدولية فيزيدونها قوة ونفوذاً..وكم من الرؤساء الذين يقلصون من مكانة وأهمية بلدانهم..
ومظاهر الترحيب بالرئيس شيراك في الجزائر، تجعله من صنف الرؤساء الذين يضيفون لمكانة بلادهم مساحات كبيرة في ضمير الشعوب.. حتى وإن كانت تلك الشعوب في يوم من الأيام مستعمرة من قِبَل بلد الرئيس.
|