عندما نتحدث عن الفترات المؤثرة في تكوين شخصية الطفل فإننا بدون أدنى شك نكون بصدد الحديث عن مرحلة الطفولة المبكرة، وعندما نتحدث عن أهم الفترات للنمو العاطفي والانفعالي والخبرات الأساسية للحواس فإننا نتحدث أيضاً عن نفس المرحلة، ومهما اختلف العلماء عن طول أو قصر هذه المرحلة فإنه لا يوجد خلاف أبداً حول اهميتها في البناء الصحيح، وإذا تحدثنا عن بعض الخلل في هذه المرحلة فإننا نؤكد أن استمرارية هذا الخلل ونتائجه إذا ما أهملت ولم تعالج فإنها قد تصاحب الطفل مراحل حياته كلها.
ولعل من الواجب ان نوضح أن التدخل المبكر في علاج المشاكل والأعراض والأمراض والقصور الملحوظ في أي حاسة من حواس الجسم يمكن أن يكون لها الأثر الأكبر والنتائج الأعظم مقارنة بما نحققه اذا ما تأخر ذلك التدخل، وليكن معلوماً لدينا أن بعض المشاكل لدى الطفل يمكن أن تكتشف من الشهور الأولى للحمل فعلى سبيل المثال يمكن الكشف عن بعض حالات الصمم في الشهر الخامس أو السادس من الحمل بالوسائل العلمية الحديثة يمكن التدخل في تلك المرحلة المبكرة جداً بأكثر من طريقة يمكن أن تكون جراحياً أو علاجياً أو على الأقل بتهيئة الأسرة للمناخ المناسب للمولود الجديد، ولا يقتصر هذا الأثر على حياة الجنين في بطن الأم فقط بل يمتد إلى حياته بعد الميلاد.
وتعتبر الخدمات المبكرة المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة مقياساً حضارياً يوضح مدى التقدم العلمي والاحتياجات الخاصة عند الأطفال مما قد يغير مسار المجتمع من شريحة ليست بالبسيطة، يمكن تحويلها من خلال برامج التدخل المبكر المقننة علمياً من شريحة عاطلة عن العمل، اعتمادية على الغير، قاصرة عن تحقيق آمالها وتطلعات أمتها، إلى فئة مستقلة منتجة تساهم في ركب التطور الحضاري.
وأخيراً وليس آخراً نسوق مثلاً حول أهمية هذا التدخل المبكر ففي بريطانيا نجد أن معدل عمر اكتشاف حالات الضعف السمعي هو الأشهر الستة الأول من حياة الطفل وبالمقابل فإن معدل التحاق مثل هذه الفئة بالوظائف العامة يزيد عن 75% حيث تقدم لهم برامج الرعاية في سن مناسبة جداً.. بينما نجد أن معظم الدول العربية يزيد متوسط عمر اكتشاف الحالة عن 3 سنوات مما يسبب التأخر في تنفيذ برامج التدخل المبكر ويقلل من فرصة الحاق الأطفال بركب الحياة العادية ويضطرهم الى البحث عن العمل بالوظائف المهنية المساعدة، والبحث عن العطف بدل الحق المكتسب.
|