مقالتنا هذه تأتي بعد نجاح حج هذا العام 1423هـ الخاص والاستثنائي، في ظل عدد من الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وفي ظل سير حياة المواطنين والمقيمين في المملكة بشكل معتاد. من هنا هل يمكن لنا أن نجادل بأن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رجل خارق (سوبرمان)؟ نود أن نجادل بأن نايف بن عبدالعزيز هو كذلك لأنه أشعر الجميع بالطمأنينة وجعل حياتهم تسير كالمعتاد في ظل ظروف أبعد ما تكون عن المعتاد. جلست أتابع الأخبار يوم الثلاثاء العاشر من ذي الحجة، أول أيام العيد، أشاهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني يتلقون التهاني ويلقونها أيضا، على كبار ضيوف الدولة من رؤساء الدول. هذا هو الأمير عبدالله وكبار الأمراء ينتقلون من مجلس خادم الحرمين إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، إلى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، إلى الرئيس السوداني إلى بقية كبار الضيوف. من بين الأمراء كنت أشاهد نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وهو يسير مع اخوته بكامل أدبه الجم والابتسامة الخفيفة التي تعلو محياه، وأخذت أتفكر في هذا الإنسان المسؤول وهمِّه المهول. كيف يستطيع هذا الإنسان أن يبقي ابتسامة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة والحرجة؟ كيف ينام؟ هل ينام؟ متى ينام؟ كيف يفكر؟ كيف يدير الوقت والأحداث والرجال؟ كيف ومتى وهل، أسئلة عديدة، تأمُّل واستحضار لواقع ملموس وأحداث جسام تدور على مرأى ومسمع من الجميع.
يأتي شهر الحج هذا العام 1423هـ متوافقاً مع شهر فبراير والذي يكاد يجمع الخبراء على أنه شهر الحرب بين الولايات المتحدة والعراق، يأتي حج هذا العام في ظروف محلية وإقليمية ودولية دقيقة وحرجة وحساسة في كثير من النواحي وأهمها على الإطلاق الناحية الأمنية. ازدياد التنظير في الفضائيات بشتى أنواعه الديني والسياسي والثقافي والعقائدي فيما بعد الحادي عشر من سبتمبر جعل كثيراً من الشعوب في شتى جهات الأرض تعيش حالة من الارتباك الفكري. تسارع وتيرة ذلك التنظير، من ناحية أخرى أربك كثيراً من الحكومات في وضع وسائل مناسبة للمواجهة. سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بصفة خاصة وما يلفها من غموض وازدواجية زاد من تعقيد الأمور واختلاط الأوراق. لم يقتصر ذلك الغموض على المناطق المستهدفة من قبل الولايات المتحدة بل يشمل ذلك المحايدين والأصدقاء وحتى أقرب الحلفاء لواشنطن. أصبح العراق قاب قوسين أو أدنى من حرب قد يخمن أولها ولكن بالتأكيد أنه لا يوجد، ولا يمكن لأحد أن يجزم بنهايتها. وفي ظل ذلك الارتباك والغموض والاستعداء والازدواجية أصبح هناك بيئة مناسبة للمرجفين وأصحاب الهوى والفتنة.
الخلاصة أن الانفتاح الإعلامي، والنظريات ممن هبَّ ودبَّ، وعدم وجود أسلوب مواجهة لتلك الحملات الإعلامية خلق بيئة محلية محتقنة في كل مكان تقريباً وخصوصاً في عالمنا العربي والإسلامي. إضافة إلى ذلك تأتي التصرفات السياسية، والمزدوجة المعايير للدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لكي تضيف عنصراً إضافياً إلى معادلة التشويش والارتباك والاحتقان السياسي والاجتماعي، لدى الحكومات والشعوب على حد سواء.
في ظل المقدمة أعلاه نقول: إذا كان الوزير، أي وزير، يتحمل كامل المسؤولية في السلب والإيجاب، فمن العدل والإنصاف والواجب علينا أن نؤدي التحية والاحترام لنايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي يضطلع بمسؤولية وزارة تكثر إداراتها وقطاعاتها، وتتكاثر مسؤولياتها وواجباتها وتتعاظم همومها. ففي مسؤوليته العادية اليومية، كل مولود يولد في هذه الأمة السعودية المتناسلة بتسارع يضفي أعباء وأحمالاً على كاهل هذه الوزارة ووزيرها بدءاً بتسجيله كمولود وانتهاء بوفاته وما بينهما. كل وافد يفد إلى هذه الديار سواء لأداء فريضة أو شعيرة دينية، أو لعمل يساعد فيه أبناء هذا الوطن في البناء والتنمية، أو حتى لسياحة وترفيه، يضيف عبئاً وحملاً ومسؤولية بدءا بتأشيرة دخوله وانتهاء بمغادرته بتأشيرة أو من دون تأشيرة. كل تغير أو تبدل في الخارج إقليمياً أو دولياً سواء في الأنظمة أو العادات أو حتى الأفكار تنعكس بشكل أو بآخر على الداخل مما يضيف أعباء وتبعات بشكل مباشر أو غير مباشر على هذه الوزارة ووزيرها.
لا أظن أن فرداً يستطيع أن يتخيل حجم الهم والمسؤولية اللذين يقعان على عاتق نايف بن عبدالعزيز، ليس كوزير داخلية فحسب بل يتعدى ذلك بكثير لتصل المسؤولية إلى عدد من المجالس واللجان في الإعلام وتوظيف الكوادر السعودية إلى آخر تلك المهمات. هم ومسؤولية في تصورنا، ينوء بحملها مجاميع من البشر. لكي نعطي أنفسنا فرصة الخيال والمعرفة، دعونا نتعرف على مهام ومسؤوليات نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ليس في الأوقات الاعتيادية فحسب بل خلال الساعات ال«100» من مساء الثامن وحتى مساء الثاني عشر من ذي الحجة فقط. هل يمكن تخيل حجم هم مسؤولية مليوني حاج يقفون على جبل عرفات أكثر من نصفهم يفدون من شتى بقاع الأرض بمختلف جنسياتهم وألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم؟ يصل أولئك الحجاج عبر منافذ مختلفة ومتباعدة براً وبحراً وجواً، يؤدون مناسكهم في مدة زمنية محدودة وفي مكان محدود جغرافيا وطبوغرافيا وعقائدياً وثقافياً. وبالرغم من محاولة العلماء تخفيف كثير من المعتقدات فيما يخص صعود جبل عرفة، أو رمي الجمار أو تقبيل الحجر الأسود أو التقديم والتأخير في المناسك، من ناحية، أو جهود الحكومة في توعية الحجيج بخصوص كيفية وأدوات الطبخ أو المنام أو التنقل بين المشاعر، من ناحية أخرى إلا أن كثيراً من الحجيج يأتي مجتهداً لتتبع السنَّة في أدق تفاصيلها رغبة في الثواب والأجر، أو مستهينا بكثير من تعليمات السلامة مما أدى ويؤدي إلى مشقة تؤدي إلى حوادث مؤسفة في الأرواح والممتلكات. ولهذا تتكاثر المسؤولية، أو همها على الأصح. ربَّ قائل يقول إن هذه المهمة أصبحت اعتيادية لكثرة تكرارها. ولكننا نجادل بأنه بالرغم من اعتياديتها وتكرارها ولكنها تتزامن مع أمور وظروف أخرى تجعل من المهمة استثنائية.
وجود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده هذا العام في المشاعر المقدسة لقيادة الحجيج مسؤولية أخرى وكبرى من الناحية الأمنية والتنظيمية، إذ يتطلب ذلك تنسيقاً عالياً وإشرافاً دقيقاً لكي يؤدي كل مهمته بدون تعارض يؤثر على انسيابية وتدفق الحجيج في نفرتهم من عرفات ومن مزدلفة وتأديتهم بقية أركان الحج في الطواف ورمي الجمار في منى. زد على ذلك، أن المسؤولية تتضاعف مرات ومرات عندما يكون هناك ضيوف للدولة من رؤساء دول وحكومات ورؤساء بعثات الحج. كما يكون الأمر أكثر إشغالاً وأعقد أمنياً زيادة تنقلات أولئك الرؤساء من مكان إلى آخر. فالرئيس اليمني علي عبدالله صالح، على سبيل المثال، قدم إلى الحج عن طريق البر، وبالتالي فإن مسؤولية توفير النواحي الأمنية منذ دخوله الأراضي السعودية حتى وصوله المشاعر تصبح مسؤولية أمنية معقدة تضاف إلى عشرات المسؤوليات الأخرى في ذات الزمان والمكان، وبعيداً عن الحج والحجيج ومكة والمشاعر هناك 22 مليون مواطن ومقيم يستمتعون باجازة عيد الأضحى المبارك، منهم من ضرب خيامه في الصحراء وآخرون طلبوا شواطئ البحر في الشرق والغرب، الحياة بمسارها المعتاد ورجال الأمن بمختلف تصنيفاتهم يؤدون مسؤولياتهم بحرص شديد ولكن بمظهر لا يزعج أحداً أو ينبىء عن أزمة أو طوارئ في الوقت نفسه، وحجاج بيت الله الحرام يؤدون شعيرتهم الدينية، يخرج مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لكي ينذرنا من هجمات مبيتة ضمن المسلسل الأمريكي في الحملة على العراق، غير بعيد من ذلك، تبث قناة الجزيرة الجدلية رسالة أسامة بن لادن المليئة بالنذر. كل هذا ومسؤول الأمن الأول نايف بن عبدالعزيز ثابت كالطود الأشم ورجاله يؤدون واجبهم وأمانتهم.
نتيجة لذلك يمكن لنا القول إن ال«100» ساعة، من مساء يوم الثامن من ذي الحجة وحتى مساء يوم الثاني عشر من نفس الشهر، تعتبر أصعب فترة في حياة نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ووزارته الموكل إليها مهمة حفظ الأمن والنظام، ولذا فإننا نقف تحية ونرفع أيدينا احتراماً وتقديراً إلى منسوبي وزارة الداخلية بمختلف مستوياتهم ورتبهم ومراتبهم على النجاح في ذلك العمل الشاق الدؤوب، والصامت أيضاً، وقفة تحية إلى الجنود وصف الضباط والضباط من رجال الشرطة والمرور والدوريات والجوازات والمباحث وسلاح الحدود وقوات الأمن الخاصة والدفاع المدني وقوات الحج والمواسم وكل فرع أو قسم من فروع وأقسام وزارة الداخلية التي لا نعرف مسمياتها أو توصيفها الرسمي، وقفة احترام إلى القادة في كل القطاعات المذكورة آنفاً على جودة العمل والتنظيم وحسن القيادة والإدارة، ووقفة تحية مشفوعة بكثير من الاحترام والتقدير إلى نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ومساعديه، ذلك الرجل الذي يحمل أمانته بصبر وصمت وحب.
الخلاصة، أن يؤدي الحجاج شعائر الحج، وأن يقود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الحج، وأن تسير مواكب قرابة درزينة من رؤساء الدول والحكومات، وأن يتمتع مواطنو المملكة والمقيمون فيها بعيد الأضحى المبارك، كل ذلك بيسر وسهولة وطمأنينة في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة وحرجة وتهديدات خطيرة للأمن في المملكة فهذا أمر بالغ الصعوبة ونادر التحقيق. ولهذا يمكن وصف نايف بن عبدالعزيز بالرجل الخارق (السوبرمان) لأنه جعل حياة كل منا تسير كالمعتاد، ولهذا نتساءل: هل يجوز لنا كمواطنين أن نرشح نايف بن عبدالعزيز لأعلى وسام على جهده وحرصه وحبه؟ هل يجوز لنا كأفراد نتمتع بحياتنا من غير تنغيص ومعنا ضيوف الرحمن الذين أدوا مناسكهم بيسر وسهولة أن نرشح نايف بن عبدالعزيز لجائزة خدمة الإسلام التي تقدمها جائزة الملك فيصل العالمية كل عام؟ إن جاز لنا ذلك فبها ونعمت، معها نقول ونؤكد بتساؤل، هل يمكن لنا كمواطنين ومقيمين في هذا البلد الطيب أن نحمل شيئاً من العبء والمسؤولية وأن نخفف من همومنا ومشاكلنا اليومية المعتادة لكي نسمح لرجال الأمن ووزيرهم «الخارق» أن يتفرغوا لما هو أعظم وأكبر؟ الجواب على السؤال الأخير هو دليل الوفاء والمسؤولية.
|