قد يرتاب الإنسان كثيراً فيما يدور من حوله، ويحتار في تفسير المضامين الخفية وراء العبارات والمفردات والتصرفات فنحن على سبيل المثال نرى ان كلاً من «إزنار» رئيس وزراء اسبانيا و«بيرلسكوني» رئيس وزراء ايطاليا، ينضمان الى «توني بلير» رئيس وزراء انجلترا وكلهم اعضاء في الاتحاد الاوروبي ويشايعون جماعة الصقور في الإدارة الامريكية في فرضية الصراع بين الحضارات والترويج لها، وضرورة فرض النظام الغربي على العالم كله تباعاً. وبعض هؤلاء يجاهر بهذا المعتنق في صورة هجوم على العرب والمسلمين، وقد يعود ويعتذر عما بدر منه متعللا بسقطة اللسان، أو سوء الفهم والتأويل، لكن أفعال هؤلاء البعض تبقى مؤكدة أنهم لم يتزحزحوا قيد انملة عما اعتذروا عنه. وها نحن نرى في المقابل جورج بانبدريو وزير خارجية اليونان، ممثل الاتحاد الأوروبي لدى مؤتمر القمة العربي الأخير، يؤكد على ضرورة ان تأخذ الحضارة العربية دورها في التطورات العالمية، كما يشدد على رفض الاتحاد الذي يمثله لكل صور التمييز وللصورة النمطية السلبية، ويدعو إلى إقامة حوار مخلص مع كل الحضارات حول القضايا الصعبة، ولعل تأكيد بانبدريو على هذا الدور العربي وحتميته يؤيد وجود الاتجاه المعاكس، كما يوضح أن هناك على مستوى العالم وفي تكتلاته صقوراً يدقون أسافين الحروب ويؤججون نيرانها، وحمائم تسعى إلى أن تتشارك الحضارات المتباينة وتتكاتف وتتكامل في خدمة الإنسانية.
وما دامت المسألة تتعلق بالحضارة فإننا نعترف بأن حظنا من الحضارة المادية اليوم قد يكون متواضعاً للغاية لأسباب لا مجال لذكرها هنا، ولن نتكىء على اننا منحنا الغرب المواد الاساسية للبناء الحضاري المادي الذي هو عليه اليوم، بل نستحث الخطى لتدارك الفجوة المادية الهائلة بيننا وبين الآخرين، ويجب أن يتبنى ذلك العرب أفراداً ومؤسسات.. حكومية وأهلية، في نسق يوفر الجهد والمال المبذول هنا وهناك في محاولات لا تعترف بالتنسيق، ولا تعتمد أسلوب التكامل.
على ان هذا الوهن الذي يعتري قوام صناعاتنا وتجاراتنا وزراعاتنا ومنتجاتنا التقنية إن وجدت اصلا لا يجب أن يبعث فينا الشعور بالدونية كما يفعل بالبعض حين ينبهرون بالنموذج الغربي وبريقه، ويتبعوه مغمضي العيون وأحياناً ناكصين عن تراثهم وثقافتهم الأصلية. بل يجب أن نثق بأن لدينا من الحضارة الإنسانية ما هو قادر على هداية العالم، وتحقيق أمن الإنسانية ورخائها. أقول هذا لأني أجد واجباً على كل منا أن يتصدى للغزو الفكري الذي تتعرض له الأمة ويزداد تأثيره في لحظات الضعف، ويكاد يزلزل قناعات البعض ويغري بالنكوص او الاتباع، هذا على النطاق المحلي، أما على النطاق العالمي فإذا كان ما يستهدف هو صالح البشرية فإن واجب الإنسانية أن تنظر في النماذج الحضارية المطروحة وتختار من بينها ما يحقق مصلحتها ويمكن أن تحذو كل أمة حذو السعودية في الأخذ من كل حضارة بما يلائمها، ورفض ما لا يتلاءم وثقافتها وقناعاتها، ويجب أن تكون النظرة فاحصة لجوهر كل حضارة ومنهجها، بصرف النظر عما يمثله الخارجون في كل بلد عن إطار حضارتهم، المغالون في الشطط يميناً أويساراً، فالوسط العدل الذي تمثله رسالة الإسلام الخالدة هو طوق النجاة للعالم إذا حسنت النوايا!
|