Tuesday 4th march,2003 11114العدد الثلاثاء 1 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

واشنطن وغياب الأدلة ضد العراق واشنطن وغياب الأدلة ضد العراق
هارون صديق (*)

ماذا يفسر لنا عزم أمريكا على غزو العراق أكثر من مواجهتها لأكبر المظاهرات المعادية للحرب في التاريخ الحديث؟ من مواجهتها للنصائح من كل حلفائها تقريبا،بما في ذلك جين كريتيان رئيس الوزراء الكندي؟ أكثر من تحديها لتقارير مفتشي الأمم المتحدة التي أثبتت أن صدام حسين لا توجد لديه أسلحة دمار شامل، وأنه لم يستأنف برامجه النووية، وأن هناك إمكانية لإجباره سلميا على الانصياع لكل التزاماته الدولية؟
وعندما رد كولن باول على كل من هانز بليكس والبرادعي في جلسة مجلس الأمن الحاسمة يوم 15 فبراير الماضي بدا وكأنه لم يستمع إلى ما يقولونه أو إلى ما قاله وزير الخارجية الفرنسي، وقام في المقابل بسرد بعض الافتراضات التي تراها واشنطن مهمة في إطار حملتها الدعائية الشرسة ضد العراق.
ولأن جميع الحروب تسبقها درجات متفاوتة من التلاعب على نطاق واسع، فإن حملة أمريكا الحالية لتهدئة الرأي العام في الداخل والإلحاح والإصرار على دفع حلفائها في الخارج للحرب قد تسارعت وتيرتها على طريقتها الخاصة، فقد قامت الولايات المتحدة بتزييف الحقائق والقفز إلى استنتاجات محل شكوك وغير منطقية في الكثير من الأحيان، كما تلجأ إلى تكتيكات مفزعة.
وفي خضم رفع حالة الخطر من الإرهاب، وفي اليوم الذي أعاد أسامة بن لادن فيه نفسه إلى صدارة عناوين الصحف، أعلنت المباحث الفيدرالية الأمريكية أن مئات من مسئولي القاعدة بالفعل الآن في الولايات المتحدة وينتظرون الأوامر لشن هجمات إرهابية.. فإذا كان الأمر كذلك لماذا لا تقوم المباحث الفيدرالية الأمريكية بمباغتتهم؟
كما تصر الولايات المتحدة على أن صدام حسين يرتبط بالقاعدة من خلال جماعة «أنصار الإسلام» التي تزعم الولايات المتحدة أنها جماعة إجرامية مسلحة تتكون مما يقرب من خمسمائة يديرون مصنعا للسموم في منطقة نائية في شمال شرق العراق،،فإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تقوم بالقبض عليهم بدلا من الاستشهاد بهم لتبرير سحق العراقيين الأبرياء؟!
الولايات المتحدة تقول ان طائرات لصدام حسين بدون طيار قادرة على الطيران أكثر من 800 كيلو متر، وتستطيع مهاجمة كل من الأردن وتركيا وإيران والكويت والسعودية وسوريا وعمان والبحرين والإمارات ومصر وإسرائيل وقبرص وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وأجزاء من جمهوريات آسيا الوسطى.. فلماذا لا يشعر إذن هؤلاء الضحايا المفترضون بالتهديد، وكلهم تقريبا يعارضون الحرب؟
ولم يصدق أحد ما قالته إدارة الرئيس بوش إلا القليل، كما أصبح العالم أكثر حكمة أمام نزعات أمريكا للمبالغة، ولا يزال الناس يتذكرون الحكايات والأقاصيص التي قيلت في أثناء حرب الخليج عام 1991 بشأن أن الجنود العراقيين كانوا يمزقون أشلاء الرضع الكويتيين داخل الحاضنات.
كما أصبح العالم أكثر وعيا بشأن «مصادر» المخابرات الأمريكية، والتي تنقل واشنطن عنها كل يوم من أجل تبرير الهجوم على العراق.
فهؤلاء المصادر الذين فشلوا في التنبؤ بأحداث 11 سبتمبر لم يكن لديهم أيضا أدنى معرفة بالثورة الإيرانية عام 1979 أوغزو العراق لإيران في نفس العام،أو بغزو الكويت عام 1990 أو الاختبارات النووية الهندية في عام 1998.
وفي عام 1998 قامت صواريخ كروز الأمريكية بدك مصنع للأدوية في العاصمة السودانية الخرطوم بناء على معلومات «استخباراتية» أيضا بأنها كانت تقوم بتصنيع أسلحة كيماوية، وفي اليوم ذاته قتلت صواريخ كروز عددا غير محدد من الأفغان في هجوم على ما وصفته المخابرات الأمريكية بأنه قواعد لأسامة بن لادن، والتي قيل انها كانت تأوي «آلاف من الإرهابيين من كافة الدول حول العالم» بحجة أن هناك «ما يقرب من 600 قيادي إرهابي».
وفي أفغانستان ما بعد طالبان فشلت الاستخبارات الأمريكية في تحديد مكان أسامة بن لادن أو الملا عمر وأوردت العديد من المعلومات الخاطئة بشأن مكانيهما، وفي عام 2001 أسقطت الطائرات الأمريكية منشورات على قندهار تعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار نظير القبض على الملا عمر ولكن مذيلة بصورة شخص آخر تماما كان يختبئ في مسكنه لعدة أشهر.
أما فيما يتعلق بالعراق فقد كانت أولى المزاعم الأمريكية بربط صدام حسين بالإرهابيين تعتمد على معلومات استخباراتية بأن أحد خاطفي طائرات 11 سبتمبر وهو محمد عطا كان قد قابل مسئولا عراقيا في براغ في أبريل 2001، وقد ثبت أن ذلك التقرير خاطئ كما صرح بذلك الرئيس التشيكي السابق فاسلاف هافل بنفسه، ولا ندري ماذا نفعل بشأن التأكيدات الاستخباراتية الأمريكية الأخرى بشأن علاقة الجماعات الإرهابية بالعراق، ولكن ما نعلمه هو أن بليكس والبرادعي قد فندا مزاعم الاستخبارات الأمريكية بشأن أسلحة الدمار الشامل.وحتى أكتوبر الماضي فقط كان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جورج تينت يقول ان احتمالات استخدام صدام لهذه الأسلحة المفترضة «ضئيل للغاية»، ولكن سرعان ما «تطور» موقفه منذ ذلك الحين بعدما ضغطت عليه إدارة الرئيس بوش، وببساطة ليس من المعقول أن تزعم الولايات المتحدة الآن أنه ربما نكتشف يوما ما أسلحة صدام حسين للدمار الشامل داخل مدننا، خاصة بعد الكشف عن أن كوريا الشمالية لديها صواريخ قادرة على الوصول إلى أمريكا الشمالية، بعكس العراق،إن موقف أمريكا ضد الحرب والمشكوك فيه بكل حال من الأحوال بسبب تضاربه ومعاييره المزدوجة وسياسات النفط يتلاشى بسبب حجج واشنطن السخيفة وغير الأمينة التي تقدمها لنا يوما بعد يوم.

(*) عن «تورنتو ستار» الكندية خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved