*القاهرة - مكتب الجزيرة - عمر شوقي:
على رغم الانتصار الكاسح لأحزاب اليمين الإسرائيلي في الانتخابات العامة وحصولها على غالبية مطلقة في الكنيست 67 عضوا من مجموع 120 اتفق المراقبون في إسرائيل على أن مهمة زعيم حزب الليكود ارئيل شارون، لتشكيل حكومة جديدة مستقرة تعيش سنواتها الأربع كاملة ليست سهلة بالمرة خاصة مع الشروط التي تضعها الأحزاب المرشحة للانضمام إلى الائتلاف الحكومي فضلا عن تضارب مواقفها السياسية من حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.وساد شبه إجماع على أن الصعود الكبير لحزب ليكود من خلال الانتخابات السابقة 19 الى 38 خلال الانتخابات الحالية يعود الى أن ارتفاع نسبة الخوف لدى الإسرائيليين بصورة غير مسبوقة بسبب استمرار الانتفاضة الفلسطينية والعمليات الاستشهادية والترويج للأخطار الإضافية التي قد تواجهها إسرائيل خاصة حالة اندلاع حرب أميركية على العراق.
وكان الليكود قد كرس دعايته الانتخابية للعزف على وتر هذا الخوف من دون أن يطرح مواقفه من القضايا الجوهرية ومقترحات حلوله للأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وهي التي غيبتها أيضا سائر الأحزاب.
ولأول مرة في إسرائيل تترجم الأجواء المعبأة والمجندة ضد الفلسطينيين والعرب عموما في صناديق الاقتراع أيضا. ما يعكس نجاح اليمين في تأجيج المخاوف والترويج لمقولة أن إسرائيل تفتقر الى شريك للسلام وهي المقولة التي سبق وأطلقها زعيم «العمل»، رئيس الحكومة السابق أيهود باراك، لتمهد لصعود شارون الى الحكم وهزيمة العمل نفسة وقتها وجاءت هزيمة حزب العمل خلال الانتخابات الأخيرة مدمرة للغاية حيث لم يعرف الحزب مثيلا لها في تاريخه منذ نشأتة عام 1968 وهوالحزب الذي ينسب إليه الإسرائيليون الفضل في بناء دولتهم. ودلل حصوله على 19 مقعدا فقط الى افتقاره الى هوية سياسية واضحة المعالم تم طمسها في العامين الأخيرين من خلال مشاركته فيما سمي بحكومة الوحدة الوطنية بزعامة شارون من دون أن يلعب أي دور في تحديد سياستها بل جعل من نفسه غطاء من اجل التغطية على جرائم شارون وسلوكه المتطرف وتحسين صورته في المحافل الدولية.
ولم يفلح زعيم الحزب الجديد عمرام متسناع في إصلاح ما أفسده سلفه بنيامين بن اليعيزر كما أنه لم يطرح بدائل واضحة ولم تخل تصريحاته من التذبذب فتارة تحدث عن استئناف مفاوضات مع الفلسطينيين أراد إنهاءها في غضون عام وأخرى تحدث فيها عن تدمير العرب والتفاخر بماضيه العسكري الحافل بقمع الانتفاضةالأولى.
ولم يشفع له التزامه عدم دخول حكومة وحدة جديدة بزعامة شارون في الحصول على ثقة الناخب الإسرائيلي الذي لمس ان هذا الموقف ليس مقبولا على عدد من أقطاب الحزب المتشرذم الذين يتوقون للعودة الى مقاعد الحكومة ونعم السلطة، كما تساءل الناخبون عن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحزب الذي طرح نفسه بديلا لليكود.
فالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المجتمع الإسرائيلي خلال العقدين الأخيرين أنجبت طبقة وسطى عمادها أصحاب المهن الحرة والصناع الذين لا يذكرون رباطا يجمعهم بحزب العمل وبالتالي لم يشعروا بالتزام تجاه حزب تاريخي لايقدم لهم شيئا، ولا حتى على صعيد فصل الدين عن الدولة وتخفيف العبء المفروض عليهم، فيما كانت الأحزاب الأخرى كميرتس وحتى حركة «شينوي» الجديدة تقدم لهم الحلول المطلوبة دون إلزامهم بأخذ موقف محدد من القضايا السياسية والأمنية لا سيما في غياب فروق جوهرية بين العمل والليكود كما سبق ذكرة.
وواصل المجتمع الإسرائيلي السير بخطوات ثابتة نحو اليمين الذي تمكن من استقطاب الكثير من الشباب وصغار السن في أحزابه المختلفة الأمر الذي تمثل بازدياد نسبة المصوتين الشباب لصالح الأحزاب اليمينية بينما كان الشباب في حزب العمل تكبر بل وتشيخ دون أن ينضم إليها أعضاء جدد ولم تعد كافية لتشكل احتياط أصوات العمل ولم يستطع حزب «العمل» أن يحظى بمخزون من أصوات الاحتياط ولا حتى بين صفوف أبناء الطبقة الوسطى من أبناء شريحة الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم ولوكانوا في الماضي من مؤيديه، فقد فقد هؤلاء ثقتهم بحزب العمل وكرهوا سياساته ومؤامراته الداخلية وأخذوا يتطلعون الى حزب يمثل مصالحهم دون أن يدخلهم دوامة المناحرة بين ما يسمونه أرض إسرائيل الكبرى والتسوية السياسية، وقد وجدوا ضالتهم في حركة شينوي التي استحقت لقب الحصان الأسود في الانتخابات.وبعد أن خسر برنامجه السياسي وبرنامجه الاجتماعي لم يعد حزب العمل قادرا على تقديم خيار جاد للناخب الإسرائيلي ومع خسارته للأجيال الشابة يوما بعد يوم وجد نفسه عاقرا وقد بلغ من العمر عتيا دون أن يفلح في ضمان خلف يكمل مسيرته.ولم يوجه الناخبون الإسرائيليون ضربتهم القاتلة الى حزب العمل فقط انما أيضا الى حزب ميرتس الذي هبط من عشرة مقاعد الى ستة وهو ما أرغم زعيمه يوسي ساريد على الاستقالة مقرا بانهيار ما عرف بمعسكر السلام الإسرائيلي وفي المقابل سجل حزب شينوي العلماني الاشكنازي إنجازا لامعا فضاعف تمثيله البرلماني من ستة مقاعد الى 15 ليصبح بمثابة حجر الزاوية في أي ائتلاف يريد شرون تشكيله في المستقبل.ولقد جاء صعود نجم حزب شينوي بهذه الصورة ليثير بدوره العديد من التساؤلات أبرزها عما اذا كان هذا الصعود لمرة واحدة فقط مشيرين الى حقيقة أن غالبية نوابه مغمورون وأنه تحقق بفضل شخصية زعيمه، تومي لبيد، الذي اقتحم الساحة الحزبية قبل ثلاثة أعوام بصفته صحافيا جريئا حمل لواء معاداة المتدينين المتزمتين ونصب نفسه في وسط الخريطة السياسية الإسرائيلية.
عموما سيكون هذا الحزب حسبما تشير كل التوقعات هو الشريك المنتظر في الحكومة ولكن ما زال شارون يعيش في حالة من القلق والترقب خاصة وأن زعيم الحزب تومي لبيد يطالب بأكثر من حقيبة وزارية هامة مثل الخارجية والأمن الداخلي وهي مناصب يصعب للغاية على شارون ان لم يكن مستحيلاً ان يعطيها الى شينوي او أي حزب آخر قد يشترك معه في الائتلاف الحكومي المقبل بالإضافة إلى فساد الأحزاب الدينية التي تعاني الآن من أزمات عدم ثقة بسبب اتهام اكثر من زعيم لها بالفساد وهوما ادى الى ابتعاد العديد من الإسرائيليين عنها وهوما ظهر خلال الانتخابات الأخيرة الأمر الذي سيجعل شارون يفكر مليا قبل ان يدخل مع هذه الأحزاب في ائتلاف مقبل خاصة وان الفضائح المالية التي تورط هو فيها شخصيا ما زالت تؤرقه بشدة وهو يريد ان يدخل إلى الائتلاف الحكومي المقبل طاهر اليدين أمام الإسرائيليين.
عموما ما زالت حالة الغليان مسيطرة الآن على الساحة الاسرائيلية وهو الغليان الذي سيكون العقبة الأبرز امام شارون والذي لن يستطيع اخماده بسهولة.
|