Tuesday 4th march,2003 11114العدد الثلاثاء 1 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أسد على العراق ونعامة في كوريا! أسد على العراق ونعامة في كوريا!
دافيد بوسكو (*)

لا يحتاج من يبحث عن مظاهر النفاق في السياسة الخارجية الأمريكية إلى بذل جهد كبير حتى يعثر على نموذج فاضح متمثل في طريقة التعامل الامريكية من الأزمتين الحاليتين على الساحة الدولية وهما الأزمة العراقية وأزمة كوريا الشمالية. فالإدارة الأمريكية اختارت الأسلوب الدبلوماسي في التعامل مع الخطرالنووي الكوري الشمالي المؤكد في حين يقرع جنرالات الإدارة طبول الحرب لوقف البرنامج النووي العراقي الأقل خطرا بصورة هائلة، وبالنسبة لهؤلاء الذين ينتقدون السياسة الأمريكية فإن الموقف الحالي يمثل دليلا واضحا على ازدواجية المعايير الأمريكية، ولكن يجب على هؤلاء إلقاء نظرة ثانية على الموقف، فهناك سؤال منطقي جدا يطرح نفسه وهو: لماذا يمكن أن يكون الاستخدام الكاسح للقوة في التعامل مع أحد أضلاع محور الشر مقبولا في حين يتم استخدام الدبلوماسية الناعمة في التعامل مع ضلع آخر في نفس المحور، فهذا السؤال يعكس فهما بسيطا ولكنه فهم مؤثر لهذه القضايا المتماسكة.
هناك مبدأ أساسي في أغلب الأنظمة القضائية يقول إن القضايا المتماثلة يجب معاملتها بطريقة متماثلة، ولكن الكثيرين سواء داخل أمريكا أو خارجها يرون أن تفسير هذه الازدواجية هو أن العراق لديه بترول في حين أن كوريا الشمالية ليس لديها هذا البترول أو أن أمريكا تتحرك في هذه الأزمة نيابة عن إسرائيل أو أن هناك ثأرا شخصيا للرئيس بوش مع النظام العراقي، ويمكنك اختيار أي من هذه النظريات لتفسير الازدواجية.وبالنسبة لهذا المعسكر فإن الحديث عن أسلحة الدمار الشامل لدى العراق مجرد ستار للتمويه على الأهداف الحقيقية للإدارة الأمريكية، وإذا كانت الولايات المتحدة مهتمة فعلا بضرورة البحث عن أسلحة الدمار الشامل والتخلص منها فإنه يجب عليها أن تتعامل مع كل من العراق وكوريا الشمالية بطريقة واحدة، ولكن هناك معسكر يضم روبرت بيرد عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديموقراطي وصل إلى نتيجة مختلفة، فقد طرح السيناتور بيرد سؤالا يقول: ما هي الرسالة التي نريد إقناع العالم بها إذا كنا متحمسين لتنفيذ مبدأ الضربات الوقائية على دول لديها قدرة محدودة سواء في الدفاع عن نفسها أو القيام بهجوم مضاد في حين أننا نتردد في استخدام نفس المبدأ مع أنظمة حكم خطيرة يمكنها الرد على الهجوم؟وهذه المعادلة تكشف عن نزعة الغطرسة الأمريكية التي تختار الأطراف الضعيفة وضربها في حين أنها تتردد في مواجهة الأقوياء، ولكن هناك تفسير آخر يعطي أسلوب الإدارة الأمريكية مسحة أخلاقية ولكن الكثيرين من منتقدي السياسة الأمريكية إما يرفضونه وإما يتجاهلونه، والحقيقة أن رجال الدين وعلماء الأخلاق هم الذين يقدمون غالبا تحليلا أخلاقيا للصراعات المحتملة من خلال نظرية مجرد حرب التي تعتبر أي حرب مسألة مرفوضة باعتبارها حربا.وكنقطة بداية فإن هذه النظرية تفترض أن أي صراع له سبب. من المعتقد أن أغلب الأمريكيين وليس كلهم سوف يوافقون على منع الأنظمة المستبدة والتي لا يمكن التنبؤ بسلوكها مثل العراق وكوريا الشمالية من الحصول على أسلحة دمار شامل يقدم سببا مقبولا لاستخدام القوة المحتمل، بل إن هذه النظرية لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها تقول إن مخاطر الحرب المتوقعة لا تمثل شيئا بالنسبة للخيرالذي سيترتب عليها، وهذه النسبية في القياس تمثل الأساس للتمييز الواضح بين كل من العراق وكوريا الشمالية.وقد رصد بيرد بدقة كبيرة الفرق بين الموقف العراقي والموقف الكوري الشمالي ويتمثل في الوزن العسكري لأعداء أمريكا المحتملين، فكوريا الشمالية قد يكون لديها بالفعل قنبلة نووية في حين أن العراق يقف على بعد شهور من الحصول على هذه القنبلة وذلك وفقا لأكثر تقديرات المخابرات الأمريكية مبالغة في القوة العراقية، كما أن كوريا الشمالية لديها جيش تقليدي قوي جدا في حين أن القوة التقليدية للعراق أصبحت أضعف كثيرا مما كانت عليه قبل عشر سنوات، ولكن التخلص من دولة مارقة لديها أسلحة دمار شامل قد يستحق التضحية بحياة ألف أو عشرة آلاف شخص وليس التضحية بحياة مائة ألف شخص.
وهذا المبدأ يتم تطبيقه بصورة دائمة، فقد تدخلت الولايات المتحدة بقوة لمنع المذابح الصربية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك لأن أمريكا كانت قادرة على هزيمة الصرب بأقل خسائر سواء في صفوف قواتها أو في صفوف المدنيين، ولكن اتخاذ مثل هذا لوقف انتهاكات الصينيين أو الروس لحقوق الإنسان يعد أمرا مستبعدا بالنسبة لامريكا بسبب الخسائر الهائلة المحتملة له.إذن فحساب الخسائر المحتملة يمثل أساسا أخلاقيا يعتمد عليه في الموقف المزدوج لأمريكا تجاه الأزمة الكورية والأزمة العراقية، وهذا المنهج يقول إن الهدف واحد للسياسة الخارجية الأمريكية وهو ضرورة منع الدول المارقة من الحصول على أسلحة دمار شامل ولكن العواقب العسكرية المحتملة هي التي تفرض تطبيق المبدأ بصورة مختلفة.
ولا يمكن لأحد أن يزعم أن الإدارة الأمريكية الحالية أو غيرها من الإدارات تقرر متى تستخدم القوة على أساس تطبيق مبدأ مجرد حرب، ولكن أيضا لا يمكن افتراض أن مبادئ هذه النظرية تغيب تماما عن صانعي القرار، ولكن هؤلاء الذين يشككون في المنهج الأمريكي الحالي يرون أنها سياسة غير مبدئية، ولكن هؤلاء المعارضين سرعان ما ينزلقون من الانتقاد الجاد للإدارة الأمريكية إلى منهج الهروب غير المعقول.

(*) محام في مدينة واشنطن الأمريكية.
خدمة كريستيان ساينس مونيتور- خاص ب«الجزيرة»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved