كانت تمعن النظر في قسمات وجهها الهادئ .. المائل إلى الشحوب وتطلق تنهيدة تكاد تشق صدرها .. ذي الضلوع البارزة .. وتشيح وجهها عن المرآة كلما رأت تعريجة خطها الزمان تحت عينيها الدقيقتين .. وفي لحظات تكره النظر إلى وجهها .. وتارة تعاودها الرغبة إلى ذلك .!
وما أن ترى تلك الخطوط الدقيقة حتى تصك وجهها بتلك اليدين النحيلتين، وتسند رأسها على إحدى الزوايا البارزة.
تتمنى لحظة أن تعيدها الأيام إلى نقطة البداية .. حيث لا خطوط دقيقة، ولا شحوب تغطي قسماتها .. حتى نفسها الذي تلتقطه، أخذ يخضع لعامل التقدم في العمر والمرض.!
كانت معاول التفكير تطرق في رأسها أسئلة هامة وكثيرة.. هل تعني هذه النتوءات التي رسمتها الأيام موعداً مع الرحيل .؟
وهل تنتهي الحياة القصيرة بعد مدة وجيزة ..؟
أهي شهور قلائل .. أم أيام معدودة .. وربما سنوات مديدة..!؟
كان يقلقها تقلص هيكلها .. والتغيرات التي أحدثته السنون فيه.!
تتوقف اللحظات والساعات، وتنسى الزمن الذي وجدت فيه..! كان حلمها أن يعيد إليها الماضي تلك السحنة المشرئبة بحمرة الزهور .. وبجدائلها الكثيفة المخضبة بالدهن العطري .. الفواح ..!
ذاك عشق الماضي الذي حفر في ذاكرتها، لا ينسى.! حتى يداها الماهرتان في نسج الصوف، تبدل مظهرهما وبرزت عليهم خطوط بالغة في الزرقة وحولتهما إلى شبه طرق متعرجة، وغالباً ما تلتقي الواحدة مع الأخرى ..!
كانت تحيك الملابس الصوفية للسيدات المسنات، لكنها الآن لم تعد تجيد صنعها.!
كل شيء تحول إلى السوء ..!
ماذا تبقى من الحاضر المؤلم .. لماذا لم يترك لي الماضي لمسة جميلة في مظهري حتى احتفظ بها..!؟
ففي كل مرة توقن، أن ما زال في العمر بقية.!
تفاجأ أن هناك تحولات تحدثها الأيام .. تثبت لذاتها أن عمرها يكاد يتوقف عند أول محطة في صراع لها مع المرض..!
وان العودة إلى نقطة البداية باتت مستحيلة ..!
أطرقت تفكر في تلك الرموز المتداخلة، التي تصدرها أوامر خارجة عن إرادتها .. علّ الأمل يجد لها مخرجاً ..!
فالعمر يمضي مثل سرعة البرق .. والأيام . تلهث هي الأخرى.! حتى الشجيرات الخضر الأخرى، في فصل ما تشيخ مثل أي شيء..!
فالعودة إلى البداية .. بات أمراً مستحيلاً ..!
ها أنا أجالس تاريخي مكلومة حائرة، خائفة، من التجارب القادمة .. وكل أوردتني ملئت بالتوجس من كل ما هو قادم.. فالماضي حمل لي الحنين الذي أتوق إليه .. أما الحاضر فهو يحمل إليّ في انبعاثه الخوف والترقب والمجابهة..!
خلف تلك المرآة .. اتخذت ملاذها .. ولكن إلى متى ستظل رهينة القادم ..!؟
لحظات وينجلي النور .. وتظهر الشمس كل قسمات وجهها من خلف النافذة ..!
قالت بصوت تعلوه الطمأنينة .. ثمانون عاماً، ليست بالسن المتقدمة ..!
|