تعقيباً وتعليقاً على ما نشر في صفحات «عزيزتي الجزيرة» عن أساليب التربية ومسؤولية الأب عن فساد الأبناء .. والتي كتبت تعقيباً عنها من منطلق مسؤوليتنا كمعلمين في عدد الجزيرة «11059» ليوم الأربعاء 5/11/1423هـ بعنوان «من يصنع هؤلاء!!» .
** حقيقة ثمَّة قضية أثارت قريحتي للتعقيب والاستدراك بما أظنها وأجزم انها تتصل بمسؤوليتنا كتربويين .. ومن منطلق مسؤولية الإحساس بأساليب التربية ومن منبر التعليم كان لزاماً علينا .. أن نبين عن جزء هام جدا .. علّه يكشف شيئاً من اعتلال واختلال بعض من الأساليب التربوية والمتبعة في مجتمعنا والذي يكشف لنا قصور بعض الآباء في فهم أساليب التربية الصحيحة .. تلك التربية والتي تعني الزيادة من باب ربا الشيء أي زاد وهي هنا الزيادة فكيف بالأب يزيد من علم الابن وكيف به يزيد من أخلاقه !! إنّ الأمر الذي دعاني إلى استدراك قضية تربية الأب للابن .. وأثره في فساد الابن . لعل من جوانبها .. انعدام صلة بعض أولياء الأمور «الآباء» بأبنائهم في المدرسة!!
** فكثيرا ما تتردّد على مسامعنا مقولة يطلقها بعض الآباء أولياء أمور الطلاب عندما يذهب الأب بابنه إلى المدرسة حيث يطلق بعضهم مقولته الشهيرة «لكم اللحم ولنا العظم» متخذين ذلك كأسلوب تربوي ناجع في نظرهم... أي الضرب فقط إن أخطؤوا .. مخلين بذلك مسؤوليتهم.. ومتابعتهم لأبنائهم .. والواقع والحال يشهدان على ذلك..وهذا الخطأ بعينه ..
** فإلى كل ولي أمر نطق بهذه العبارة .. واستشعرها أقول: «إنكم والله تضعون بمقولتكم هذه أولى لبنات الضياع لأبنائكم .. بإهمالكم وعدم تواصلكم ومتابعتكم لأبنائكم والسؤال عنهم وعن مستواهم الخُلقي والتعليمي!! نحن كمعلمين . نحس باندثار وصلكم .. وعدم متابعتكم.. واهتمامكم .. إلا من رحم الله!! نحن كمعلمين .. نريد زيارة تفقدية مستمرة على مستوى أبنائكم .. علمياً وأخلاقياً ليست وليدة أخطاء من أبنائكم دعتكم لهذه الزيارة .. نعم .. نريدها بلا سبب ..إلا للمتابعة والتواصل .. فوالله إنها لتبعث في نفوسنا الحماس .. وتشعل فينا فتيل العطاء .. وتحسُّسْ حرصكم على المتابعة بما يدفعنا الاهتمام بالابن لأن هناك من يسأل عنه ويتابعه !!
** وبذلك يحس الابن أيضا بمتابعة ولي أمره .. وحرصه على مستقبله واهتمامه به الأمر الذي يجعله كابن قبل أن يكون طالباً .. يتدارك نفسه ويحاسبها عن كل تصرف مشين يَهُمّ به .. وهنا تكون التربية «بالفعل والمتابعة .. لا بالقول والمعاتبة» عند وقوع الفأس بالرأس !! ثم لا تلتفت إليه إلا في هذه اللحظة !!
** إني أقول لكم وأكرر «الزيارة ليست عند الوقوع في الخطأ من قبل الابن» وهذا ما نلحظه من بعض الآباء وأولياء الأمور .. حيث لا يقوم بعضهم بالزيارة إلا عند وقوع أبنائهم في مشاكل وقضايا حساسة تستدعي حضورهم .. أما غير ذلك فلا يُرى الأب البتَّة في المدرسة على مدار عام كامل .. وهنا يكمن الخطأ .. والإخلال ببعض بنود التربية السليمة والتي تقضي بمتابعة الابن أولاً بأول وتنبيهه بأن كل عمل أو قول قام به . كان على مرأى وعلم من الأب!!
** الحقيقة المُرَّة والواقع المشاهد هذه الأيام .. أننا كثيرا ما نستدعي بعض أولياء الأمور .. ونجري اتصالا هاتفياً بهم لأمور تتعلق بمستويات أبنائهم .. وإطلاعهم على مواد الضعف عند أبنائهم .. لتتحقق المتابعة .. وهدفنا تحسين أداء الطالب .. إلا أننا نفاجأ ببعضهم يرد علينا بعبارة «والله أنا مشغول»!!
** والى كل ولي أمر أقول «يا عزيزي .. ألم تسمع وتقرأ عن بعض المواقف السيئة .. والتي آل إليها بعض الأبناء.. ورأينا آباءهم .. يضربون كفاً بكف .. ويبكون عليهم بكاءً مريراً؟! علام يبكون !!؟ إنهم يبكون على نهايات سيئة لأبنائهم.. والآباء هم من كتب نهاية أبنائهم وبهذه الطريقة.. ومن حيث لا يعلمون !!
وليعلموا في النهاية ان هذه النهاية ما هي إلا نهاية مفترضة لمسلسل عُنْوِنَ من قبل بعض أولياء الأمور تحت عنوان «أنا مشغول».
** وينظر كل أب .. إلى نفسه وابنه.. وما موقعه من هذه الخارطة التربوية !! وما هذه الكلمات والأسطر إلا من إحساسنا بواقع بعض أبنائنا الأليم .. وها هي الكلمات جاءت في الصميم .. ومن القلب إلى القلب .. «ولتكنْ صلتكم بالمدرسة وبأبنائكم قوية!! ومن منطلق حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه .. «كل راعٍ مسؤول عن رعيته».
** إذاً تابعوا أبناءكم .. ولا تهملوهم .. كي لا تندموا إذا ما وقعوا في شر أعمالهم !! وتحسسوا مواطن ضعفهم من خلال تواصلكم مع المدرسة فبجهود المعلمين .. ومناقشتهم والتواصل معهم تطّلعون على تطورات سلوك أبنائكم أولا بأول .. واعلموا أن أسلوب التربية طريق صعب وشائك.. فيه ورود وفيه أشواك وما هذه الأشواك .. إلا للابتلاء.
** ولندرك جميعاً مسألة تغير الزمن .. فللزمن دور كبير!! ولنستشعر موقعنا كآباء من هذا الزمن المليء بالملهيات والمؤثرات على الأبناء ..
فوسائل الفساد تغيّرت عما قبل .. إذ إنّ وسائل الفساد سابقاً ليست كما هي الآن .. وبالمثال يتضح المقال .. فمثلا قضية التدخين فبالأمس .
في الماضي كانت ضئيلة التواجد.. وقلّ أن تجد مدخناً .. وبصعوبة أن يدخن الشخص .. أو أن يسمع انه يدخّن انه لأمر يُعاب !!
أما الآن فبحق أصبحت قضية التدخين طرفة .. عند الصغار قبل الكبار .. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
** فالأحوال هذه الأيام تغيّرت ونحن في زمن .. فيه الفتن كقطع الليل المظلم فهذا عالم السرعة «عالم الكمبيوتر.. والإنترنت» والذي دخله الابن والبنت ومن أوسع أبوابه.. وبلا رقيب أو حسيب .. فأين نحن من ذلك!؟ أين المتابعة والاستخدام الأمثل لمثل هذه الموجودات!!؟
ماذا عن الفضائيات والتي غزت بعض بيوتنا .. وعجّت بها مجتمعاتنا .. فيما لو وجدت في منازلنا ولم يحسن استخدامها لا أعتقد أنها ستخرج لنا أبناء صالحين .. بل أبناء نضع أمام سلوكياتهم .. ألف علامة استفهام في ظل عدم المتابعة الدقيقة من الآباء !!
أ. سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي
معلم بمتوسطة صقلية محافظة المذنب
|