أعجبتني كلمة لأحد الآباء علق بها على تفوق ابنه حيث قال: أنا قلت لأبنائي: ليس هذا العصر عصر النجاح، ولكنه عصر التفوق.
إن العالم يسير سيراً حثيثاً في طرق العلم والمعرفة والاختراع والإبداع بعد أن «علّم الله الإنسان فيه ما لم يعلم» وفتح للبشر فيه أبواباً جديدة للمعرفة، وآفاقاً فسيحة للتطور العلمي المذهل في كل المجالات العملية والنظرية، ولا شك أن كلمة ذلك الأب من الأهمية بمكان لدفع أجيالنا المسلمة في هذا العصر الى العطاء المتفوق، والأداء المتميز، والمشاركة الفعّالة في المسيرة العلمية المعاصرة.
نعم «إنه عصر التفوق العلمي» ونحن المسلمين أولى الناس بالإبداع في مجالات العلم المختلفة لأن ديننا - أصلاً - يحثنا على العلم والمعرفة والقراءة والاطلاع، إن أمة من أهم شعاراتها «اقرأ بسم ربك الذي خلق»، لجديرة بأن ترتاد ميادين العلم والمعرفة بتفوق وامتياز.
ولا شك أن آفاق العلم والمعرفة لها مفاتيح يهدي الله إليها من شاء من عباده، ويسهل الله للمجتهدين من البشر الوصول إليها، والحصول على ما في تلك الآفاق من منافع للناس في هذه الحياة الدنيا وإن مما يؤسفنا ما نراه من تخلف أمتنا المسلمة عن مراكب العلم التي قطع بها العالم الغربي اشواطاً كبيرة في ارتياد تلك الآفاق الفسيحة وما نلمسه من وقوفنا مبهورين أمام هذه الحركة العلمية الهائلة التي تجري في أنحاء العالم، حتى ونحن نتحدث عن مظاهر «الإعجاز العلمي في القرآن الكريم» فإننا مازلنا نعتمد على ما يصل اليه الغرب من حقائق علمية مذهلة وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم.
الدراسات الطبية المتطورة، والدراسات الفضائية المذهلة، والدراسات الخاصة بطبقات الأرض، وعلم البحار، وحياة الكائنات والمخلوقات المتعددة في هذا الكون، والوصول الى نظريات متقدمة في مجالات القيادة البشرية، والإدارة، وعلم النفس، وعلوم الاجتماع، واللغات، كل ذلك ولا نزال -نحن المسلمين - فيه نعيش دور الانبهار، والتعجب من هذا التطور العلمي المذهل.
لماذا نظل متأخرين في مجالات التفوق العلمي؟
ولماذا نظل متأخرين في رعاية المواهب رعاية علمية صحيحة بعيدة عن الضجيج الإعلامي الذي يجنح الى المجاملات؟
ولماذا نظل نرى الشكوى من المؤسسات المعنية بالإبداع والاختراعات العلمية في عالمنا الإسلامي، ونسمع عن تقصيرها وعدم قدرتها على المتابعة والملاحقة بصورة تصيب أصحاب المواهب والاختراعات بالإحباط، وتدفعهم الى مؤسسات غربية في أوروبا وأمريكا تتميز بإنجازها السريع، ودقة أنظمتها التي ترفع من مستوى اطمئنان صاحب الموهبة والاختراع على فكرته واختراعه؟
لماذا نبقى في حالة المتلقي المنبهر، ولا نتحول منها الى حالة المبادر الذي يبدع في تعامله مع معطيات العلم الكبيرة.
بيننا وبين التفوق بمعناه الصحيح أسباب تحتاج منا الى معالجة جدية تنقلنا الى التطبيق الواقعي لما نتلقاه من معلومات وأفكار.
نحن بحاجة الى تدريب أبنائنا على استخدام المعلومة بعد حفظها واستظهارها، فليس العلم محصوراً في معلومات نشحن بها الأذهان ونملأ بها العقول، وإنما هو معرفة بالمعلومة، وتطبيق لها، وهذا يحتاج الى تدريب الأجيال على النزول بما يتقلون من العلوم والمعارف الى ارض الواقع، لأن التطبيق هو الذي يحقق لنا الإفادة من العلم، فلا خير في علم بلا عمل.
التفوق في متناول أيدينا -والحمد لله - فلدينا - نحن المسلمين- من مستويات الذكاء والقدرات العقلية، والعبقريات ما يؤهلنا للإسهام إسهاماً كبيراً في مسيرة التطور العلمي.
والشواهد على ذلك كثيرة داخل عالمنا الإسلامي وخارجه.
لا بد من الانتقال من مرحلة إهدار الطاقات والقدرات البشرية باهمالنا وتسويفنا، الى مرحلة استثمار هذه الطاقات عملياً.
كما ان علينا ان نرفع من مستوى همة وطموحات ابنائنا وبناتنا، لأن ذلك سيرقى بنفوسهم، ويدفعهم الى التفوق والإبداع، ويحقق لنا ولهم متعة رؤية آثار ما تعلموه في واقع الحياة.
الأولى بنا ان نُفيد من التجربة العلمية الغربية، وان نسعى الى أن يكون لنا دور فعّال في مجالات العلم والمعرفة في هذا العصر، وألا يبقى دورنا هو الانبهار بعلومهم، والتبعية للجوانب السلبية من أخلاقهم وأفكارهم.
إشارة:
لا يهطل الغيث من صحو السماء ولا
تستكمل الشمس معناها من السُّحُبِ
|
|