* كتب - يوسف بن محمد العتيق:
لو كانت الكلمات صدرت من غيره لكانت كبيرة؛ فكيف وقد صدرت من شخص يعرف التاريخ ويقرأ الأمور ويعرف تماما حجم الدور السعودي وتاريخ المملكة العربية السعودية مع كل حركة أجنبية فضلا عن الاستعمار؟ هل كانت كلمات مدروسة؟ أم هي مرتجلة تأتي كيفما اتفق؟
هل لهذه الكلمات لمحاولة تفريق كلمة العرب ومحاولة اتهام السعودية وبقية دول الخليج ومن ثم افشال التجمع العربي علاقة بتوجه سعادة العقيد نحو أفريقيا الموحدة!! والانسحاب من جامعة الدول العربية؛ وبالتالي محاولة ارغام الجميع وبالقوة على ان الاجتماعات العربية فاشلة ولن تخرج شيئا!!! ولذلك الحل هو في الولايات المتحدة الأفريقية؟. أسئلة تدور في الذهن عندما يتأمل أي مواطن عربي «سواء كان من الخليج العربي أو من المغرب العربي» الكلمة التي ألقاها الرئيس الليبي في القمة العربية التي عقدت بشرم الشيخ وتعمد الخروج عن الموضوع الأساسي الذي هو دفع الحرب المحتملة على العراق وتوجه الى كيل الاتهامات لدول الخليج.
وأما ما يدعو حقيقة للاستغراب؛ بل يدعو لطرح سؤال لا محيد عنه هو: هل علاقة ليبيا بأشقائها العرب قائمة على المصلحة والنفعية فقط؟!. وبعد ذلك ليكن ما يكون!!.
فترة محدودة مرت على موقف سعودي كبير وكبير جداً للأشقاء في ليبيا في قضية لوكربي الشهيرة التي أضرت كثيرا بليبيا وبمكانتها في العالم؛ وكان خصم ليبيا فيها أقوى دول العالم!.
لو كان هذا الاتهام موجها الى بلد عربي لكان كبيرا؛ فكيف وهو موجه للسعودية صاحبة المواقف الكبيرة مع ليبيا وغيرها!!.
اضافة الى ان الكلام في أصله ليس صحيحاً؛ بل كذب كما وصفه الأمير عبدالله وهنا لن يكون الرد على الرئيس الليبي سعوديا ولا خليجيا؛ وإن كان لهم الحق في ذلك فهم قد ظلموا؛ لكن سيكون الرد ليبياً من فم القذافي نفسه فقد كال المديح والثناء على السعودية حكومة وشعبا؛ وبخاصة اثنين ممن حضر القمة وهما: صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله والأمير سعود الفيصل وزيرالخارجية، بل قدم لهما الأوسمة والدروع الكبيرة عرفانا بدورهما في رفع المعاناة عن شعبه لكن كلها فترة ليست بالطويلة؛ فأصبح من وقف معه وقع تحت وطأة الاستعمار!!.
وسيكون عمدتنا في هذا الموضوع الكتاب النفيس الذي وثق هذه الحادثة من تأليف الأستاذ علي بن محمد العامر؛ تحت عنوان «أسرار وخفايا لوكربي ودور المملكة العربية السعودية» حيث وضح هذا الكتاب بالمعلومة وبالصور الموقف السعودي الكبير الذي نتج عنه ما يخدم ليبيا قيادة وشعبا.
أزمة لوكربي والدور السعودي
احتلت أزمة حادثة الطائرة «لوكربي» حيزاً من حديث الوفدين السعودي والجنوب أفريقي في المباحثات بين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وثامبو مبيكي نائب رئيس جنوب أفريقيا - آنذاك وقال مبيكي في حفل العشاء لضيفه الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عملنا بصدق من أجل انهاء مشكلة ليبيا كدولة عزيزة علينا ولقد نجحنا لأنه لم يكن لنا هدف آخر.
وفي آخر زيارة لسموه لجنوب أفريقيا اجتمع بنائب الرئيس «ثامبو مبيكي» الذي ترشح فيما بعد خلفا لمانديلا في رئاسة جنوب أفريقيا وتم التوقيع على اتفاقيات ثنائية بين البلدين وهي اتفاقيات اقتصادية واستثمارية كما تم التوقيع على اتفاقية التقارب العلمي والتقني وفي نهاية الاجتماع تم تبادل الأوسمة بين كل من سمو ولي العهد ومبيكي.
وفي تصريح لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في نهاية الزيارة قال سموه:«إن الآراء كانت متوافقة مع الامكانات بشكل واسع كما تم الاتفاق على تطوير الاتصالات على مستوى وزير الخارجية والمسؤولين في البلدين حتى يكون التنسيق له صفة استمرارية وان هناك توافقا في الرؤية السياسية بين البلدين لما فيه دفع مسيرة التعاون الثنائي لمصلحة الشعبين».
زيارة سمو ولي العهد إلى ليبيا:
لقيت زيارة سموه لليبيا صدى كبيراً لدى القيادة والشعب الليبي، حيث نالت زيارته والوفد المرافق له حفاوة وتكريما على كل الأصعدة وجاءت المواكبة الاعلامية على مستوى الحدث حيث أفردت وسائل الاعلام الليبية مساحات كبيرة لمظاهر الزيارة والاحتفالات الشعبية منذ وصل سموه لمطار سرت وحتى انتهاء الزيارة.
خطاب العقيد القذافي
في حفل الاستقبال والتكريم
وقد ألقى فخامة الرئيس العقيد معمر القذافي كلمة في بداية الحفل نوه فيها بالدور الكبير الذي قامت به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي أفضى الى تحقيق انجاز كبير في قضية لوكربي، وعبر عن العرفان بالجميل من الشعب الليبي لشقيقه في المملكة العربية السعودية وعلى رأسه خادم الحرمين الشريفين. وقال فخامته: لقد كان للدور المتميز للمملكة العربية السعودية الأثر الكبير في حل قضية كانت تشغل بال العالم. ووصف دور المملكة في هذا الخصوص بأنه حاسم وجاء تتويجاً لجهودها المتواصلة منذ بداية الأزمة.
وأضاف: ان بشارة العون جاءت من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عندما استدعى سموه سفير الجماهيرية الليبية لدى المملكة وأبلغه أن يبشر الشعب الليبي ان المملكة العربية السعودية قررت حسم المعركة لأنها ستدخل كشريك وليس كوسيط ووجه فخامته التحية لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولاخوانه وأشقائه في المملكة العربية السعودية على وقفتهم الأخوية الصادقة مع شعب ليبيا.
وحمد القائد العقيد معمر القذافي الله تعالى على ان الإخوة في المملكة العربية السعودية تدخلوا في الوقت المناسب مع جمهورية جنوب أفريقيا لحل قضية لوكربي وأثنى فخامته في كلمته على جهود صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة وجهود البروفيسور جاكس جرويل ممثل الرئيس نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا آنذاك وما قاموا به من دور فعال تنفيذاً لتوجيهات قياداتهم.
وفي ختام كلمته أعلن القائد العقيد معمر القذافي عن منح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسام «الفاتح العظيم» تقديراً للدور الذي بذله سموه في التوصل الى تحقيق الانجاز في قضية لوكربي وهو أعلى وسام ليبي، كما أعلن فخامته منح صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وسام الواجب ومنح صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن وسام العمل الصالح ومنح البروفيسور جاكس جرويل وسام العمل الصالح وكذلك منح المستشار بالسفارة السعودية في واشنطن رحاب مسعود نوط الفاتح العظيم من الدرجة الأولى وقد قام الأمين المساعد للمؤتمر الشعبي بتلاوة براءات الأوسمة، بعدها قام العقيد معمر القذافي بتقليد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كما قلد فخامته صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز ورحاب مسعود أوسمتهم.
ثم ألقى سمو ولي العهد الأمين كلمة ضافية ردَّ فيها على كلمة العقيد القذافي أشاد فيها بجهاد الشعب الليبي ومقاومته لنيل استقلاله وضمان حريته وكرامته وسيادته على أرضه وقال بأن لقاءنا يحمل معه الكثير من المؤشرات الطيبة في وسط ظروف بالغة الدقة في تاريخ أمتنا العربية والاسلامية وهي تجتاز الخطوات وتواجه الأزمات، وان انتصارات العرب بإذن الله كفيلة بأن تجعلنا نتغلب على الصعاب.
وتابع سموه بأننا جميعاً نتابع حلم الوحدة ونتطلع اليها ونسعى الى تحقيقها فإن كان على الآخرين ان يتحدوا فلماذا يرفض هذا الحق لنا؟. وإنني أدعو في مكاننا هذا باسم أخي خادم الحرمين الشريفين وشعب وحكومة المملكة العربية السعودية الى الدفع بقوة باتجاه تحقيق الوعد في أسرع وقت لاقامة منطقة تجارية حرة عربية كبرى كما دعت الجامعة العربية بذلك الحلم في حدود عشر سنوات قادمة. وفي نهاية الحفل قلد سموه القذافي قلادة بدر الكبرى قائلا: أخي العقيد معمر القذافي أرجو ان تقبل هدية خادم الحرمين الشريفين وهي قلادة بدر الكبرى ولا يستحقها إلا كل مجاهد أو اسلامي يستحق هذه القلادة ثم قلده إياها.
موقف مؤثر
ذكر سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أنه بعد الوعكة التي ألمت بخادم الحرمين الشريفين وسموه في ليبيا عزم على العودة الى المملكة للاطمئنان على صحته أيده الله. فإذا بخادم الحرمين الشريفين يهاتف سموه قائلا: من حقي عليك يا عبدالله ألا تعود قبل أن ترى إخوتك من أشقائنا العرب فإني بخير وعافية وتأكد بأنني سأكون سعيداً إذا ما نفذت طلبي وحملت شجون شعب المملكة ومحبته معبرا عنها بقولك وفعلك والحوار العربي المسلم يؤكد كل ما نصبو اليه مع أشقائنا العرب والمسلمين الحوار الهادىء والصامت الذي تنتهجه المملكة «بين الأشقاء في ليبيا وبين الأطراف الأخرى» سيسهم ولاشك في تسريع خطوات المواءمة الليبية على المستويين الداخلي والخارجي وذلك في حد ذاته يشكل انجازا ما كان يمكن ان يتحقق لولا وجود إرادة مشتركة ورغبة مخلصة لدى الطرفين في تصويب الأمور والقفز على كل الأسباب المؤدية الى تخلف التجربة العربية عن الاندماج وازالة العثرات وتمهيد الطريق نحو المستقبل.
أما المراقبون الذين سينظرون الى النهج السعودي على أنه قلب الكثير من المفاهيم وأوجد معادلات جديدة فإن ذلك لم يكن هدفا من أهدافنا بقدر ما كان تعبيراً عن صبر المملكة العربية السعودية وأمانتها وسلامة مواقفها واخلاصها لأمتها وتصميمها على ان يتحقق الخير للجميع مهما أسيء فهمنا في الماضي، فالتاريخ له كلمة وكلمته لا تكون إلا في صالح من يقيم مواقفه على أسس صحيحة وثابتة. وهذا ما كان. وهذا ما يحدث الآن وهذا ما سيتأكد غداً أيضا.
وما حدث في ليبيا ليس بالنسبة للحكومة فحسب، وإنما بالنسبة للاستقبال الشعبي غير المسبوق الذي احتشد له أبناء الشعب الليبي من كل أنحاء البلاد وعلى رأسهم القائد العقيد معمر القذافي وهذا يجسد مدى الحب المتبادل بين الشعبين والقيادتين. كما يجسد ثقة الشعب الليبي في المملكة العربية السعودية وسعادته بالدور النشط المخلص والفعال الذي تبذله ليس من أجل مساعدة ليبيا على حل بعض المشاكل فحسب وإنما من أجل بناء أمة عربية قوية يتمتع فيها المواطن بكامل حقوقه ويتقدم فيهاالرخاء على كل ما عداه، وبمقاييس العمل السياسي المنظم. فإن هذا التحول في السياسة العربية من الشعار الى الواقع إنما يشير الى مرحلة متزنة تبني أُسساً جديدة تحمل الكثير من الخير والنماء والازدهار.
سعود الفيصل
وتكريم القذافي له
سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وبحكم مسؤوليته عن العلاقات الخارجية السعودية يتابع بكل حرص أزمة لوكربي التي أولتها حكومة خادم الحرمين الشريفين كل اهتمامها. واستمراراً لجهود المملكة العربية السعودية المتميزة في حل الأزمة ودعوة المجتمع الدولي لرفع الحظر عن ليبيا، قام وزير الخارجية في بداية شهر أغسطس من عام 1999م بزيارة لليبيا لبحث الاجراءات التي أسهمت بها المملكة حول الأزمة.
وقد التقى سموه بالمسؤولين الليبيين وعلى رأسهم القائد العقيد معمر القذافي، وكانت زيارة سموه لاستكمال مساعي المملكة الحميدة. كما قلد القائد معمر القذافي سموه وسام الواجب تقديراً لدور سموه في أزمة لوكربي. ولحرص سموه على مواكبة الدبلوماسية السعودية عمل كل جديد ومفيد، ومن ذلك انشاء معهد الدراسات الدبلوماسية الذي تم اعتماده بالمرسوم الملكي الصادر في 8/9/1403هـ ويصدر عن هذا المعهد العديد من المطبوعات والدوريات مثل «دراسات سعودية» و«الدبلوماسي» و«دراسات دبلوماسية» وهو يتحدث برؤى متزنة ومنهجية علمية تعكس السياسة السعودية والعربية والاسلامية. وقد أكسبته السنوات الطويلة في عمله الحنكة والدبلوماسية ولا يزال سموه وزيراً للخارجية له رؤى سياسية سديدة في مقابلاته وتصريحاته وزياراته الخارجية.
هل علاقة ليبيا القذافي قائمة على المصلحة والنفعية فقط؟!!
|