Monday 3rd march,2003 11114العدد الأثنين 30 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منذ 34 عاماً والعقيد يحاول إفشال القمم بالانسحاب أو الإساءة إلى الزعماء منذ 34 عاماً والعقيد يحاول إفشال القمم بالانسحاب أو الإساءة إلى الزعماء
القذافي ومهمة إفساد القمم العربية!!
ماذا قال الملك فيصل لعبدالناصر عن تصرفات العقيد في مؤتمر مذبحة أيلول سنة 1970 ؟!

لم يكن عجباً ولا جديداً ان يحاول العقيد معمر القذافي ان يفسد مؤتمر القمة العربي الاخير في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا بل في واحد من أهم وأخطر مؤتمرات القمة العربية المصيرية حيث تواجه الدول العربية جميعاً خطراً يكاد يبتلعها جميعاً إذا ما اتفقت على وحدة الصف والكلمة.
ولكن الواضح ان العقيد لم يكن مدركاً لهذا كله، فقد جاء كعادته في كل مؤتمر قمة عربي لا يهمه إلا لفت الانظار إليه بالغريب من اللبس والتصرفات والشاذ من الرأي والكلام فمنذ سنة 1969م حتى الآن والرجل يحضر مؤمرات القمة العربية أي على مدى 34 عاما بإسلوب في التفكير والكلام والسلوك لم يتغير لم يزده التقدم في العمر حنكة ولم تكسبه التجارب رزانة وخبرة بل هناك من الشواهد ما تقول انه في أول سنوات حكمه ربما اعقل منه الآن. انه يتصرف ويتكلم ويفكر وكأن أحداً في العالم العربي لا يعرف كيف يتصرف ويفكر ويتكلم. أنفق ثروة وطنه بعيداً عن بلاد العرب والمسلمين في دعم أوهامه الثورية في افريقيا وأمريكا الجنوبية وأوربا ولم يقدم لفلسطين ولا للفلسطينيين شيئاً يذكر.
مشكلة التفكير والسلوك
أفقر شعبه باسم الاشتراكية في حين يفترض ان يكون الشعب الليبي قياساً بثروته من أغنى الشعوب العربية، تفلسف فأنكر آيات بينات في كتاب الله واعلن ان كتابه الاخضر يحل مشاكل البشرية.
ولم يجد القذافي فكرة شاذة أو غريبة الا وتبناها لعلها تلفت الانظار إليه، فغير اسم جمهوريته وحكومته ومنصبه بشكل يخالف كل ماهو متعارف عليه في جمهوريات العالم كله، ووصل به الأمر ان غير لبسه فهو كل يوم بزي يصر على لبس الزي الغريب عندما يكون مسافراً خارج بلاده.
وابتدع فكرة الحارسات الثوريات أو الراهبات الثوريات امعاناً في التغريب وكأن ليبيا أرض الرجال قد خلت من الرجال الذين يستطيعون حراسته!
في بداية حكمه ظهر بشخصية المتدين الذي يرفض الشيوعية وهاجم السوفيت لدرجة اغضبت استاذه الراحل جمال عبدالناصر الذي كان قدوته ثم انقلب مخالفاً للاسلام بعد وفاة قدوته بل خاض في معظم ابجديات الشيوعية باسم الاشتراكية في كتابه الاخضر بجرأة لم يقدر عليها دعاة الشيوعية في العالم العربي فأصبح الكتاب الاخضر بحق الكتاب الاحمر أو كاد حين حصر الملكية الفردية بشكل يخالف ما أحله الله.
وغالب الظن ان اقرب تفسير لشخصية العقيد انه بعد ان يئس من وراثة عبدالناصر في الزعامة والزعامة لا تورث وكان يظن إنه خليفته مستمداً مشروعية هذه «الخلافة» من قول عبدالناصر له في لحظة تشجيع «انت تذكرني بشبابي» والحقيقة ان عبدالناصر في فوران شبابه وذروة ثوريته قبل ان يصل سن الاربعين لم يفعل ما يفعله القذافي الآن بعد ان جاوز الخمسين!
ولعل هذا الشعور بالاحباط في رحلة البحث عن الزعامة تارة تحت شعار الدين وتارة تحت شعار الثورية ودائماً تحت شعار الوحدة العربية التي يئس من تحقيقها بعدما عرضها على الدول العربية - التي تعرفه جيداً لجأ لافريقيا يغريها بالمال ويقال ان عرضها حتى على دول لا صلة لها بالعروبة والإسلام.
المهم ان يكون القذافي زعيماً وليس مهماً ان يكون زعيماً على من !.وهذا يعكس ما قاله ذات مرة على السادات الذي عرف حقيقته وعامله بقسوة واطلق عليه لقب «مجنون ليبيا».
ما أكثر عجائبه الغريبة على مصر وما أكثر ما احتملته مصر إلى اليوم فقد ظن القذافي بعد وفاة عبدالناصر ان ليبيا ليست لائقة بزعامة زعيم مثله وانه يستحق ان يكون زعيماً على مصر فاطلق مقولة راجت وقتها «ان مصر شعب بلا زعيم وليبيا زعامة بلا شعب» والعقيد لا يدري انه بهذه المقولة قد أهان شعبه الليبي كله وازرى به. ولن ينسى شعب مصر زيارات القذافي الغريبة والمفاجئة التي ينزل فيها دون سابق اخطار ويحرج الحكومة المصرية فتحتمله ولا تزال.
احراجات أول قمة حضرها
أما عجائب العقيد وغرائبه في مؤتمرات القمة العربية فهي بلا حصر بدأت مع أول مؤتمر قمة عربي حضره في الرباط سنة 1969م وذلك في حياة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي تأذى من تصرفاته كما سنرى.
ولعل مراجعة كتب الاستاذ محمد حسنين هيكل الصديق الشخصي لجمال عبدالناصر ومؤرخ حياته وشاهد على عصره تروي الكثير من القصص والمواقف المحرجة التي تعرض لها عبدالناصر بسبب تلميذه القذافي وما يهمنا ما جاء فيها بخصوص مؤتمرات القمة التي حضرها وشهد بها هيكل. ولا نظن ان هيكلاً سيكذب على العقيد وهو عميد الناصرية ومرجع تلامذتها ومنهم القذافي نفسه.
ففي كتابه «الطريق إلى رمضان» يروي هيكل في الفصل الثاني الجزء السادس قصة حضور القذافي لاول مؤتمر قمة عربية وهو مؤتمر قمة الرباط الذي انعقد في ديسمبر سنة 1969م أي بعد أربعة أشهر من تولي القذافي الحكم في ليبيا. يقول هيكل ان التقارب بين السعودية ومصر كان حتمياً ونابعاً من ادراك وإيمان فيصل وعبدالناصر بضرورة اتفاقهما لخدمة الاهداف العليا للأمة العربية.
ودعا عبدالناصر الملك فيصل إلى ان يتوقف في القاهرة وهو في طريقه إلى الرباط، لانه كان يشعر بأن نجاح المؤتمر أو فشله يتوقفان إلى حد كبير على اتفاق مصر والمملكة العربية السعودية على أرض مشتركة تقفان عليها.
كانت المملكة العربية السعودية حساسة بالنسبة إلى العلاقات الوثيقة التي تربط مصر بالاتحاد السوفيتي، وكانت مصر بحاجة إلى الدعم المالي السعودي ولا سيما من حيث دوره في سرعة شراء السلاح.
وهكذا سافر عبدالناصر والملك فيصل إلى الرباط وقد اخذ هذا المؤتمر شكل اغرب مؤتمرات القمة التي عقدت من قبل كان مركز الاهتمام فيه بطبيعة الحال هو معمر القذافي لانها كانت المرة الاولى التي يظهر فيها على المسرح الدولي. وكانت رئاسة المؤتمر للملك الحسن.
ويروي هيكل اول موقف احراج للقذافي في جلسة الافتتاح عندما دخل رئيس الديوان وقبل يد الملك الحسن فكسا وجه القذافي الذعر على حد تعبير هيكل معترضاً بصوت عال على مرأى ومسمع من الملوك والرؤساء.
ويعلق هيكل: ونجم عن هذه الغضبة حرج شديد حاول عبدالناصر بعده ان يهدئ القذافي!
وفي الجلسة الأولى للمؤتمر استمع الملوك ورؤساء الدول مرة أخرى إلى تقرير من الفريق فوزي عن الاستعدادات للمعركة ومرة أخرى تدخل القذافي مقاطعا وتساءل: «أمن الحكمة في شيء أن تقال كل هذه الاسرار أمام كل الحاضرين هنا؟ ان من المؤكد ان من بينهم من سينقلها إلى الإسرائيليين». ومع مضي المؤتمر في اجراءاته ازداد عدد من ارتفعت حواجبهم دهشة بعدما رأوا القذافي يوجه الخطاب إلى رئيس المؤتمر باسم: «الاخ الحسن» وإلى الملك فيصل باسم «الاخ فيصل» وكان عبدالناصر يدعو الملك باسم «الاخ الملك فيصل» لكن القذافي تمسك باسم: الاخ فيصل، وقد وجه الملك فيصل إلى الرئيس عبدالناصر نظرة ذات مغزى كأنه يقول له ما الذي ستفعله بشأن ابنك؟!
شهادة هيكل عليه
ويروي هيكل ما حدث له شخصياً مع القذافي من ذات المؤتمر يقول: وفي أحد اجتماعات المؤتمر وكانت هناك شبه ازمة خرج القذافي إلي احد الممرات التي تؤدي إلى قاعة الاجتماعات وجلس بجانبي حيث كنت اجلس.
وفي تلك الاثناء مر امامنا شخص حياني فرددت تحيته وسألني القذافي: من هذا؟ فقلت انه الجنرال اوفقير.. الا تعرفه؟وانفجر القذافي: «اوفقير؟!.. انه الرجل الذي قتل بن بركة» ووافقت على ان اوفقير كان متهما بالاشتراك في عملية اغتياله . وقال: «كلا .. لقد قتله .. انه قاتل.. فكيف يسمح له بأن يكون هنا بيننا؟ لابد ان يصدر الامر إلى البوليس بالقبض عليه»، وقلت ان ذلك امر صعب لان اوفقير نفسه هو مدير البوليس ، وعندها مر امامنا شخص اعرفه القذافي: هل تعرفه؟ انه الرجل المسؤول عن تلك الصفقة الكبيرة الخاصة مع احدى شركات السلاح واحدى شركات البترول، والتي تقاضى فيها عمولة ضخمة. لعلك تذكر ولا شك تلك الفضيحة؟» ولم يكد القذافي يفيق من هذه الصدمة الجديدة حتى مر شخص ثالث من امامنا، وقلت للقذافي انه مساعد اوفقير، ولم اكد اتم كلامي حتى رأيته يتركني ويتجه مباشرة لمقابلة عبدالناصر حيث قال له: «اننا في هذا المؤتمر محاطون بلصوص ومتآمرين وجواسيس، ولا يمكن اجتماعا كهذا ان يسفر عن اي خير ومن الافضل لنا الا نكون هنا. وسأعود أنا إلى بلادي غداً».
وسمع الملك الحسن بتهديد القذافي بالانسحاب من بالمؤتمر، فكتب ورقة صغيرة مررها إلى عبدالناصر قال فيها: فخامة الاخ لقد اصدررئيس ليبيا اوامره بأن تكون طائرته مستعدة للسفر فوراً، وهو ينوي السفر بالفعل، ان سفره المفاجئ هكذا قبل ان ينتهي المؤتمر من اعماله سيفسر بما يعني ان المؤتمر يواجه أزمة، أرجوك ان تبذل كل ما تستطيع لاقناع الرئيس الليبي بالبقاء حتى نهاية المؤتمر. وقبل عبدالناصر الرجاء .. وبقي القذافي حتى انتهى المؤتمر».
والمؤسف الذي يحز في النفس ان العقيد ظل يمارس السلوك نفسه على مدى اربعة وثلاثين عاماً في معظم مؤتمرات القمة العربية فلا يكاد يمر مؤتمر الا ويهدد بالانسحاب او يحدث ازمة.
فقد تطورت حالة العقيد فيروي هيكل غرائب تصرفاته في مؤتمر القمة الطارئ الذي انعقد في القاهرة في الفترة من 22 - 27 سبتمبر 1970م لايقاف المذابح الدموية بين الجيش الاردني والمقاومة الفلسطينية وهو المؤتمر الذي مات الرئيس جمال عبدالناصر عشية الانتهاء منه في الثامن والعشرين من الشهر نفسه.
قصة الجنون
وكان هذا المؤتمر الثاني الذي يحضره العقيد القذافي ويفترض ان يكون قد استفاد من تجربة حضوره مؤتمر الرباط وما وقع فيه من اخطاء كادت تسبب فشل المؤتمر فالجدير ان يحتفظ باعتراضاته وآرائه في الاشخاص لغير هذا المكان لان الحضور لا يتفقون معه في الرأي ومكان المؤتمر لا يقال فيه إلا ما يساعد على نجاح اهدافه وجمع الشمل بالحديث عما يخدم مصلحة الامة كلها.
فما الذي حدث في هذا المؤتمر الطارئ الذي يفترض انه يهدف كل ما يقال فيه إلى تهدئة النفوس لا اثارتها؟!
يروي هيكل في كتابه «عبدالناصر والعالم» الصادر سنة 1972م كانت جميع متناقضات العالم العربي تتجلى في ذلك المؤتمر واستمرت في معظم المؤتمرات للاسف وقد لعب عبدالناصر وفيصل دور المصلح بين الطرفين طوال الايام الثمانية التي استغرقها المؤتمر.
كان رأي عبدالناصر ان الملك حسين يجب ان يحضر مادام هدف المؤتمر وضع حد للمذابح غير ان الرئيس القذافي انفجر معترضاً قائلاً: ما الفائدة من احضاره؟ انه معتوه انه مجنون!
واعترض الملك فيصل آل سعود على الفور قائلاً: «كيف تقول ذلك عن ملك عربي؟».
وأجابه القذافي قائلاً: «ولكن أين والده؟ أليس هو محتجزاً في مصح عقلي في أسطنبول»؟ إنه مجنون.. قطعاً مجنون.. إن الجنون وراثي في تلك العائلة.. إنهم جميعاً مجانين».
وناشد الملك فيصل الرئيس عبدالناصر ان يتدخل لدى القذافي: «كيف نقبل أن يصم أحد زملائنا ملكاً عربياً سيشترك معنا في مناقشاتنا غداً بالجنون؟».
وبدأ الرئيس عبدالناصر يبتسم، بينما مضى القذافي يقول: «أجل .. والله إنه مجنون.. وينبغي علينا أن نستدعي غداً بعض الاطباء لإرساله إلى مستشفى للأمراض العقلية حتى نتبين ما إذا كان مجنوناً أم لا».
وتدخل عبدالناصر ضاحكاً: «يبدو لي أننا جميعاً مجانين، واقترح أن نستدعي بعض الاطباء للكشف علينا جميعاً ليقرروا من منا مجنون ومن الراشد».
وعندئذ قال الملك فيصل: «طيب .. لا بأس يا حضرة الاخ عبدالناصر ولكنني أريد أن أكون أول من يكشف عليه الاطباء فربما وجدوني مجنوناً وساعتها أكون قد تجنبت عذاب الاشتراك في محادثات كهذه».
ذلك نص رواية هيكل لما فعله العقيد في ذلك المؤتمر الطارئ الذي يشبه في خطورته المؤتمر الاخير الذي عقد لتجنيب الشعب العراقي مذبحة كما حاول ذلك المؤتمر تجنيب المقاومة الفلسطينية مذبحة مع الفارق. كاد العقيد ان يفسد ذلك المؤتمر لولا ان الملك فيصل والرئيس عبدالناصر انقذا ذلك الموقف المتأزم بسخريتهما بحديثهما عن الحاجة إلى طبيب يكشف عن المجنون بين الحضور، وكانت تلك رسالة ذكية للبيب.
فهل من عجب بعد ذلك ان يستمر العقيد في تلك التصرفات التي لا تليق بسنه وخبرته وبالاحترام الذي يفترض ان يحمله لزملائه ملوك ورؤساء الدول الذي لا يفتأ يصفهم بالخيانة والعمالة منذ 34 عاماً دون ان يسأل نفسه: ماذا قدم للقضايا العربية ولقضية فلسطين ولكل الأزمات المزمنة والطارئة التي تتعرض لها الأمة العربية؟!.. لم يقدم العقيد سوى الشجب والشتم والاتهام ثم الانسحاب.
عجائب وغرائب
دخل مرة في أحد مؤتمرات القمة العربية لابساً القفازات في يديه حتى لا يلامس أيدي الملوك والرؤساء دون ان نعرف مبرر هذه الطهارة التي يعتقدها في نفسه!
ولا تكاد الأمة تصل إلى اتفاق في مؤتمر من مؤتمراتها إلا وللعقيد محاولة لإفشال المؤتمر، ولن ننسى انسحاب الوفد الليبي من مؤتمر صندوق القدس الذي انعقد لمناصرة انتفاضة الشعب الفلسطيني وفُسر ذلك الانسحاب الذي لم يكن مبرراً معقولاً بأنه تهرب من المشاركة في الدفع للصندوق ودفعت المملكة العربية السعودية نصيب الأسد في ذلك الصندوق ولم ينل الصندوق وفلسطين منه إلا الكلام، ومواقفه السلبية من القضية الفلسطينية مشهودة ومعروفة، فقد اتهمه قادتها بأنه عمل على شق وتفتيت صفوف الثورة الفلسطينية في محاولات عديدة، وذلك بتأليب ودعم فصائلها المختلفة وفي محاولات لاحتوائها، ولعل أشهر مواقفه عندما دعا الثوار الفلسطينيين في أثناء حصار بيروت عام 1982 إلى الانتحار الجماعي. لقد وصف القذافي الرئيس عرفات انه مجرد «عريف في الشرطة الإسرائيلية» وبأن كل دوره هو حماية إسرائيل، كما طلب منه «ان يأتي للعمل في ليبيا بدل عمله في الشرطة الإسرائيلية وانه لو حضر إلى ليبيا فإنه لن يستقبله ولن يوجه إليه أي نصح، ونقد عملية السلام بين بعض العرب وإسرائيل ما يراه المحللون البعد الرئيسي في «ظاهرة العقيد»، بكل تناقضاتها وازدواجيتها، فبعد حملاته وشعاراته المتوالية ضد عملية السلام، فاجأ القذافي العالم بإرسال وفد من الحجيج الليبي إلى القدس.
وعلى الرغم من تبرؤ القذافي إعلامياً من هؤلاء الحجاج، إلا انه اتضح ان وفد الحجيج كان يتكون من أفراد وأعضاء من رجال الأمن واللجان الثورية، ولقد فاجأ العقيد العالم مرة أخرى بترحيل الفلسطينيين ورميهم على الحدود الليبية المصرية، وبرر العقيد قراره بأنه يقدم خدمة للفلسطينيين لإعادتهم إلى بلدهم، كما صرح للمرحلين أمام معسكر لهم قرب الحدود الليبية المصرية بأنه: «لا يستطيع أحد ان يزايد على القذافي بالنسبة للفلسطينيين فأنا حبيبهم الأول وأنا المدافع الأول عن الشعب الفلسطيني، وأنا أحرص من أي أحد على الفلسطينيين في أي مكان من الكرة الأرضية» وأضاف «أنا على استعداد لإحضار خيمتي ونصبها إلى جوار خيامكم في الصحراء حتى نعود جميعاً إلى أرضنا المحتلة».
هذا أعظم ما يمكن ان يقدمه العقيد لفلسطين.. الكلام وليس هناك أكثر من الكلام.
الموقف الأخير
ثم نجده مؤخراً يقرر الانسحاب من الجامعة العربية التي لم تقدم شيئاً في رأيه، ويحق له ان يلغي الجامعة العربية ليصبح هو الجامعة العربية لو ذهب وحرر فلسطين وحده وأقام دولتها بعد ان انفق أموال ليبيا على انتفاضة شعبها ونصرة شعوب العرب والمسلمين!
إن من يعمل أكثر من الآخرين يجوز له ان يعترض وان يحتج وينسحب ليدفع غيره للعمل مثله، لكنه لا يقدم شيئاً ثم يعترض فالتفسير الوحيد لتصرفاته انه يتخذ من كل ذلك حيلا شعورية أو لا شعورية ليستر عيبه ويسدد نقصه ويهرب من أداء واجبه لأن أعمال الآخرين تحرجه.
وهذا عين موقفه من المملكة العربية السعودية التي تأخذ السبق والمبادرة دائماً في دعم القضايا العربية ونصرتها معنوياً ومادياً.
وفي مقدمة إنجازات المملكة الجهود التي بذلتها في انقاذه من ورطة لوكربي، وقد اعترف العقيد بذلك بنفسه عندما استضافته المملكة في آخر زيارة له واحتفت به رسميا وشعبيا بشكل ربما لم يحدث له في أثناء زيارته لدول أخرى، وعلى الرغم من تاريخه الطويل في الاساءة للمملكة إلا انها استقبلته بصدر نقي مفتوح، ولسان حالها يقول، وهو مبدؤها مع الجميع:


فإن اكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وان ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
لهم جل مالي ان تتابع لي غنى
وان قل مالي لم اكلفهم رفدا
وان قطعوا من الأواصر صلة
وصلت لهم من المحبة والودا

وعلى الرغم من ذلك كله يأبى القذافي إلا ان يحاول إفساد هذا المؤتمر الأخير الذي اجتمع فيه زعماء الأمة على صعيد واحد في محاولة لإبعاد شبح الخطر القادم لا على العراق وحدها بل على كل الدول القريبة والبعيدة، فالرئيس الأمريكي صرح في خطابه الأخير انه يريد ان يرسم في العراق للعرب نموذجاً للدول كيف تقام وما العراق إلا أول دولة!!
أليس هذا الكلام خطراً على الجميع بما فيهم ليبيا؟ أما كان أجدر بالزعيم ان يتجنب الوقوع في المزالق التي يكررها منذ 34 عاما؟ ثم يختار هذه المرة المملكة العربية السعودية التي كرمته وأحسنت وفادته شخصياً وكانت مواقفها في طليعة المواقف العربية المشرفة تجاه كل قضايا الأمة؟
وهو يعرف ان وجود وفد المملكة في هذا المؤتمر أحد ضرورات نجاحه، فهل فعل ما فعل لينصرف القوم عن القضية الأساسية لمشكلة فرعية تؤدي إلى فشل المؤتمر بإنسحاب الوفد السعودي من القمة؟
لكن سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كان أحكم وأعقل وأكبر من ان ينسحب بالوفد السعودي نهائياً من القمة ليفشل المؤتمر، فقدم مصلحة الأمة وهدف المؤتمر على كل الاعتبارات، فالخطر القادم أكبر من كل شيء، ووجود المملكة منوط به قيادة النجاح بالإيثار ونكران الذات الذي يصحبه دائماً نصر الله وعزته وتأييده.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved