* واشنطن بيتر جراير فاي بورز(*):
أصبح الخلاف داخل حلف الناتو بشأن التخطيط الأمريكي للقيام بعمل عسكري ضد العراق، حادا لدرجة اصبح يهدد معها بتغيير طبيعة الحلف، الذي يعد حجر أساس الامن الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، ومن المحتمل ان يؤدي الانشقاق السياسي بين اعضاء الحلف على الاقل إلى الاسراع بإجراء تغييرات هيكلية فيه، في الوقت الذي سينخفض فيه بعد خمس سنوات من الآن عدد القوات الامريكية المتواجدة في ألمانيا بشكل كبير.
ومن المتوقع توزيع بعض هذه الوحدات على قواعد جديدة في شرق اوروبا وجنوبها، بينما سيتم اعادة الوحدات الاخرى إلى امريكا الشمالية، وسوف تكون هذه العملية دليلا ماديا على أسلوب امريكي جديد في النظر إلى علاقاتها الاقليمية تبدو فيه رومانيا أو المجر أكثر اهمية.
يقول باري ماكجفري، الجنرال الأمريكي المتقاعد، الذي قاد الهجوم من اليسار عبر وادي نهر الفرات خلال حرب الخليج عام 1991، ونصب كمينا للحرس الجمهوري العراقي «ان الاسلوب الذي يشكل به حلفاؤنا وخصومنا انفسهم خلال الاشهر الاربعة والعشرين القادمة، سوف يصوغ الطريقة التي ننظر بها اليهم خلال العقدين القادمين».
اشتعلت شرارة الخلاف الداخلي الاخيرة بين اعضاء الناتو عندما حاولت الولايات المتحدة، وبعض اعضاء الحلف الآخرين، التخطيط لتقديم مساعدات عسكرية لتركيا في حالة اندلاع حرب مع العراق، غير ان المانيا وفرنسا عرقلتا هذه المحاولة، على اساس ان القبول بها يعادل قبولا بحتمية الحرب.
وعندئذ استندت تركيا الدولة المسلمة الوحيدة في حلف الناتو إلى فقرة في معاهدة الحلف، تقضي بقيام اعضائه بالتشاور في حالة شعور أي عضو به بتهديد لأمنه. كانت طبيعة الخلاف القاسية امرا مثيرا للدهشة، في ضوء انه خلاف رمزي جزئيا، حيث اكدت المانيا وفرنسا، انهما لا ترغبان في حرمان تركيا من المساعدات التي تحتاجها.
ويقول الخبراء ان مثل هذا الخلاف ربما يصبح امرا حتميا، في ضوء فقدان الناتو سبب وجوده الاساسي مع نهاية الحرب الباردة، ولولا الانضباط الذي فرضته الحاجة إلى مواجهة التهديد السوفييتي، لأصبحت عملية صنع القرار الامريكي الخاصة بالموضوعات الامنية أحادية الجانب على نحو متزايد.
وفي الوقت نفسه، بدأت المانيا وفرنسا في استخدام الحلف منبرا لمحاولة كبح جماح الطموحات الأمريكية، وإذا كانت مواجهة الولايات المتحدة في مجلس الامن الدولي وهو بمثابة منتدى للقوى الكبرى هي احد جوانب القضية، فإن القيام بذلك داخل حلف عسكري هدفه المعلن التماسك يعد جانبا آخر، في ضوء ان القوات الأمريكية تمثل غالبية قوة الحلف.
يقول الجنرال ماكجفري «ان محاولة تغيير هذا الوضع قد تؤدي إلى انهيارالتضامن داخل الحلف» في الوقت الذي تبدو فيه احتمالات زوال الحلف من الامور الطبيعية، خاصة مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ومع ذلك فإن الحلف لا يزال يؤدي دوره.
وكان حلف الناتو في السنوات الاخيرة، وسيلة مفيدة في ضم الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق إلى الغرب، مع رغبة جمهورية التشيك ودول اخرى في الانضمام إلى عضوية عالم طالما حرموا منه لفترة طويلة، فضلا عن حاجتهم إلى الشعور بالامن، وهم يعيدون بناء مجتمعاتهم المدنية.
وفي الحقيقة فقد بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى هذه الدول الجديدة على انها تمثل جزءا هاما للمستقبل العسكري للحلف.
لقد رسم الجنرال البحري، جيمس جونز، القائد العسكري الجديد الامريكي في اوروبا صورة تخطيطية في المؤتمر الاخير في المانيا لعملية اجراء خفض آخر في القوات الأمريكية (100 الف جندي) الباقية في المانيا في المستقبل، وتوزيع القواعد الجديدة المعروفة التي يمكن ان تستخدمها القوات الامريكية للقفز على الشرق الاوسط أو افريقيا على اعضاء الناتو الجدد.ان ظهور هذه الافكار من جانب الولايات المتحدة يكشف انها ربما تخطط لمواكبة التغييرات في الديناميات السياسية للحلف، مع التغييرات التي تجري في الثكنات وخطوط الطيران، وتعكس ايضا ان القدرة على تحريك القوات في عالم اليوم، تحمل نفس اهمية حشد قوة النيران، بالنسبة لأمن الولايات المتحدة.
يقول لورين طومسون، كبير ضباط العمليات، وخبير الاستراتيجية العسكرية في معهد ليكسنجتون في ارلينجتون بولاية فرجينيا «ان هذه القواعد آخذة في الزوال منذ جيل، ومن المحتمل ان تتسارع وتيرة زوالها، مع الجدل الحالي الخاص بالعراق».
ان الجيش الأمريكي يسير في اتجاه التشتت منذ سنوات، ولكن البنتاجون- في ضوء الاموال الباهظة التي يتم انفاقها على البنية العسكرية الاساسية في اوروبا لم يقم بتحويل قواعده تماما وبشكل سريع، حيث لا تزال هناك في المانيا فرقتان كبيرتان من بين ست فرق.
يقول مايكل اوهانلون، الخبير الاستراتيجي العسكري في معهد بروكينجز «ان هذه القوات تمثل قسما كبيرا في جيشنا، بالنسبة لمسرح لا يقدم أي عمليات لاستخدام هذه القوات» ويعتقد اوهانلون ان توزيع أو تشتيت القوات الامريكيةربما يكون له معنى.
ومع ذلك يشعر خبراء آخرون بالقلق من ان سحب القوات الأمريكية من «اوروبا القديمة» ربما يقلل من احتمالات سير الدول الاوروبية وراء الولايات المتحدة إلى ايران واماكن اخرى.
ويقول جون ريبيرت جنرال متقاعد بالجيش الامريكي، ويعمل حاليا خبيرا استراتيجيا عسكريا في جامعة هارفارد «إنني اشعر بقلق قليل من انه إذا خفضنا وجود قواتنا بشكل ملحوظ، عندئذ فإن الالمان والبريطانيين، وآخرين سوف يتساءلون «لماذا يقود أمريكي حلف الناتو؟ ولماذا لا يكون قائده من بيننا نحن»؟
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص بـ «الجزيرة»
|