* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان انور، طارق محيي:
بقوة دفع كبيرة تسير الولايات المتحدة الأمريكية في طريق الحرب لا تصدها المواقف الدولية المعارضة ولا الرأي العام العالمي أو حتى الرأي العام الأمريكي ذاته فرغم الاحتجاجات والتظاهرات شبه اليومية التي تجتاح العالم شرقا وغربا ضد حرب أمريكية محتملة ضد العراق نجد ان الإدارة الأمريكية تصم اذانها عمدا عن سماع الرأي العام العالمي الرافض لهذه الحرب حتى أصبح تجاهل الرأي العام سواء داخل أمريكا أو خارجها سمة رئيسية في سياسة الإدارة الأمريكية الخارجية وتأكد ذلك بشكل كبير في الأزمة العراقية ... فلماذا تتجاهل أمريكا الرأي العام العالمي؟ وهل أصبح بلا قيمة لديها حتى وان جاء هذا الرأي من داخل أمريكا؟
استطلعت الجزيرة آراء نخبة من خبراء الإعلام والباحثين والمحللين الاستراتيجيين وحول هذه التساؤلات يقول الدكتور مختار التهامي عميد كلية إعلام القاهرة الأسبق ورئيس هيئة خريجي الصحافة ان الحكومة الأمريكية الحالية التي يترأسها بوش لا تبالي بالرأي العام الداخلي ولا بالرأي العام العالمي لان لديها مخططاً استعمارياً مرسوماً من قبل 11 سبتمتبر وهذا ما اتضح بعد ذلك في سرعة اتهام المسلمين العرب وانهم المدبرون لهذه العملية كما تم من قبل 11 سبتمبر أيضا التخطيط لغزو العراق وتغيير خريطة شرق آسيا ومناطق البترول فالذي يحكم أمريكا الاحتكارات البترولية الكبرى وهذه الاحتكارات لا قلب لها ولا ضمير فبوش الأب ووزير الدفاع الامريكي من كبار الاحتكاريين في مجال البترول وهم من كبار المساهمين في الشركات الكبرى للبترول كما أن الديمقراطية صنعوا منها سجناً كبيراً فسنوا القوانين لاضطهاد الاقليات العربية ووضح تماما ان الديمقراطية لا تساوي عندهم شيئا اما تحقيق أهدافهم الاستعمارية فهي الهدف الرئيسي والاساسي وسواء بدون 11 سبتمبر أو به كانت أمريكا سوف تقوم بحرب ضد العراق وتهدد ايران والبقية تأتي .
ووضح ان الحرب لاتنتهي بالعراق وسوف تشمل إيران ومنطقة بحر قزوين وليبيا لأن بها بترولاً حتى السودان لما لديه من اكتشافات بترولية والحقيقة اننا في القرن الواحد والعشرين لكن الإدارة الأمريكية تعيش في القرن التاسع عشر الذي كان فيه احتلال الشعوب بالقوة وهو ما عفا عليه الزمن وتجاوزها الرأي العام العالمي وهذا هو التناقض الكبير بين الحكومة الأمريكية والرأي العام العالمي فهي تقول انها تحقق الديمقراطية في الدول الاخرى وهي في نفس الوقت لا تطبقها على نفسها وتروج لأضاليل وأكاذيب إعلامية تجعل شريحة كبيرة من الرأي العام الداخلي تصدقها.
تجاهل واضح
ويرى الدكتور جمال عبد الجواد خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان صانع القرار في امريكا معني اولا بالرأي العام الأمريكي فقط وليس معنياً بالرأي العام في أي بلد آخر في العالم بل في بعض الأحيان يتجاهل الرأي العام العالمي طالما انه يتمتع بقدر من التأييد داخل بلده التي يحكمها والتي انتخب من الرأي العام فيها.
وأضاف إن هذا التجاهل للرأي العام العالمي يأتي لان هذا الرأي لا يسبب أضرارا واضحة وكبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية وان كان هناك أضرار فيمكن احتواؤها وان الإدارة الامريكية تعتقد ان كل المعارضين لها والمتشككين في نواياها تجاه العراق سيكتشفون مدى صحة الحجة الأمريكية عندما تبدأ الحرب وعندما تنفذ أمريكا مخططها في العراق ولكن على الناس ان تنتظر لترى ماذا ستفعل امريكا في العراق.
ويشير الى ان الإدارة الأمريكية وكذلك البريطانية تقرآن التاريخ بصورة مغلوطة أدت الى عدم اكتراثهما بالرأي العام العالمي ومدى الرفض الواضح لتلك الحرب القادمة والتي باتت وشيكة مع الإصرار الأمريكي على خوضها رغم كثرة المعارضين، ويرى ان الإدارتين الأمريكية والبريطانية استندتا الى الحدث الشهير وهو توقيع اتفاقية سلام بين تشمبيرلن رئيس الوزراء البريطاني وهتلر الزعيم النازي الألماني عام 1938 حيث تسعى الاتفاقية لتجنب خوض الحروب بين البلدين وكان الرأي العام في البلدين مؤيدا لهذه الاتفاقية، لكن بعض السياسيين ومنهم تشر شل رفضوا هذه الاتفاقية وقالوا انها ليست اتفاقية سلام وانما ستجر البلدين الى الحرب ولم تمر سنوات طويلة حتى خاض البلدان الحرب العالمية الثانية والتي أقيل فيها تشمبيرلن وتولى مقاليد السلطة تشرشل، ومن هذا الحدث الشهير تتخذ الإدارتان الأمريكية والبريطانية مقولة (إن الرأي العام ليس دائما على صواب) ولكن على المسؤول اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة لانه اعلم ببواطن الأمور، ويرى د.عبد الجواد ان هذه القراءة خاطئة في الوقت الحاضر لان المعارضة للحرب تزداد يوما بعد يوم وتمتد الى جميع أنحاء العالم بما فيه أمريكا وبريطانيا.
وأوضح عبد الجواد ان الإدارة التي تحكم الولايات المتحدة حاليا إدارة يمينية متطرفة ترى ان مصير الولايات المتحدة مستقل عن مصير العالم وانها اقدر على تحقيق وحماية مصالحها بغض النظر عن حجم التأييد أو المعارضة الشعبية والعالمية. لذلك فهي ليست في حاجة الى تأييد ولاتضع أيضا اعتبارا للمعارضة ولا ترهن قراراتها بمعارضة الرأي العام العالمي أو حتى الرسمي في بعض الدول، ويشيرالى ان الإدارة الأمريكية ترى ان هذه المعارضة حول العالم خارج الموضوع ولاتضع لها وزنا بل وتتجاهلها في حين انها تسعى جاهدة لمخاطبة ود الرأي العام الامريكي وإقناعه بصحة موقفها لكسب تأييده.
وقال د.عبد الجواد لذلك أرى ان الإدارة الأمريكية ستستمر في طريقها نحوالحرب لاعتقادها بان موقفها صحيح وانها ترى ما وراء الشجرة وانها تعرف مدى خطورة نظام صدام على الأمن والسلام في العالم، وهو ما لا يراه ولا يعرفه الرأي العام العالمي، ويرى ان في هذا التصور مخاطرة كبيرة من الإدارة الامريكية تدل على قصور رؤيتها للاحداث وكذلك قراءتها الخاطئة للتاريخ، وان تجاهلها الدائم للرأي العام العالمي سيؤدي لانتشار مزيد من الكراهية لامريكا وإضرار كبير بمصالحها حول العالم ويبدو انها لم تستوعب الدرس جيدا من احداث سبتمبر.
الرأي العام الغربي أهم
ويرى الاستاذ هاني رسلان الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام انه بالنسبة لمسألة الرأي العام العالمي فان الإدارة الأمريكية ترى هذه المسألة من شقين أساسيين هما الرأي العام العربي والرأي العام الغربي الذي تمثله أوروبا وأمريكا، وبالنسبة للرأي العام العربي فان الإدارة الأمريكية لاتضع لهذا الرأي أي اعتبار لانها تعتقد ان الشعوب العربية غير مؤثرة حيث تقع تحت سيطرة نظم غير ديمقراطية وان الوضع في المنطقة العربية لا يعدو عن مظاهرات واحتجاجات اما ان يتصاعد الغضب الشعبي وتثور الشعوب العربية فهذا أمر غير وارد أو مستبعد عند الإدارة الأمريكية.
أما فيما يتعلق بالرأي العام الغربي فهو الذي يهم ويشغل حيزاً كبيراً عند صانع القرار الغربي خاصة وانه يريد إعادة انتخابة مرة ثانية، وبالنسبة لمسألة الحرب على العراق فان الرأي العام الغربي مهم حتى تتصف الحرب بالشرعية والتأييد الشعبي، وأوضح رسلان ان الإدارتين الأمريكية والبريطانية تراهنان على ان الرأي العام الغربي سوف يؤيدهما حينما تقع الحرب طبقا للتقديرات الأمريكية والبريطانية وان المعارضة المبدئية لا تمثل أي تهديد أو محاولة لوقف الاستعدادات الجدية للحرب أو خوضها.
وأكد رسلان ان الإدارة الأمريكية لها مصالح استراتيجية بالغة القوة في المنطقة ومن الواضح ان الإدارة الأمريكية الحاكمة والتي تتسم بانها يمينية متشددة هي المعنية بتحديد ماهية المصالح الأمريكية وما هي الوسائل التي تؤدي لتحقيقها ومن الواضح ايضا للعالم كله ان الإدارة الأمريكية الحالية وضعت احتلال العراق والسيطرة على الامور به وتولي حكومة موالية وتشكيل نظام سياسي بالعراق يرضخ لها هو الوسيلة الاولى لخدمة مصالحها في هذه المنطقة ومن ثم خدمة مصالح أوروبا في منطقة تمتد من أوروبا الحليف الأول الى بحر قزوين وهذه المنطقة بها غالبية احتياطي العالم من البترول، ويقول هاني رسلان بالتالي لن ترضخ الإدارة الامريكية بأي حال من الأحوال للرأي العام العالمي الرافض للحرب بل ستسير في طريقها وهي تعتقد ان الكل سيؤيدها ما ان بدأت الحرب وسيطرت هي على الأمور داخل العراق بسرعة لأنها ترى ان نظام صدام حسين متهالك وان أجهزة الأمن والقوات العراقية ستستسلم بسرعة وتنهار أمام القوة الأمريكية وبالتالي تسيطر القوات الامريكية على الموقف وهنا سيرى العالم كله مدى صحة موقف الإدارة الأمريكية من العراق وسيؤيدها الرأي العام الغربي لان مصالحه تتطلب إزالة النظام العراقي كما ترى الإدارة الأمريكية.
وحذر رسلان من ان قيام الحرب في المنطقة العربية يشكل خطرا كبيرا ويعطي فرصة كبيرة ومبرراً للارهاب لان العداء لامريكا يتنامى بصورة كبيرة خاصة في ظل المعايير الأمريكية المزدوجة والموقف الامريكي من القضية الفلسطينية وكذلك موقفها من كوريا وكل ذلك سيؤدي الى عداء وكراهية اكبر لامريكا و لان الشعور المتنامي بالكراهية يخلق إرهابا يطول المصالح الأمريكية بالداخل وفي جميع أنحاء العالم فعلى الإدارة الأمريكية إعادة النظر في الأمر وان تنظر بعين الاعتبار للرأي العام العالمي الرافض للعدوان على العراق.
أما الدكتور ماهر قابيل رئيس الجمعية المصرية للتحليل السياسي قال ان السياسة الأمريكية تستند الى مصالحها أولا وأخيرا بغض النظر عن الرأي العام العالمي فلا تعمل حساب شيء إلا ما يتوافق مع تحقيق مصالحها والرأي العام الداخلي في أمريكا له أهميته أيضا في تحديد هذه السياسة ولكن وجود بعض الآراء المعارضة لا يقلل من اتجاهاتها ومضيها في تطبيق سياستها.
وما يقال عن المظاهرات التي شهدتها بعض الولايات الأمريكية المعارضة للحرب هي في نظر الإدارة الأمريكية قلة ولا تعبر عن مجموع الرأي العام الامريكي ثم أن هناك الخداع والزيف الاعلامي الذي تفرضه أمريكا وإيصال الأخبار والمعلومات فيما يخص السياسة الخارجية بشكل مغلوط لأن هناك جهلاً واضحاً لدى الجمهور الامريكي بما يحدث خارج بلاده فالشعب الامريكي في عمومه لا يعرف أو يجهل منطقة الشرق الأوسط وهى مرتبطة لديه بانها مناطق الإرهاب والقلق والبداوة والصحراء وغيرها من الأمور التي لاتعبر عن الحقيقة.
من جهة أخرى نجد أن الإدارة الأمريكية لا تقيم وزنا للرأي العام العالمي فهي ترى ان هذا لا يضرها في شيء ويمكن احتواؤه لذا لا ترهن قراراتها حسب توجهات الرأي العام العالمي فالإدارة الأمريكية الحالية هي أسوأ الادارات الأمريكية التي تولت الحكم فهي تجمع متطرفين وصقوراً ولا تضع في حسابها أية معارضة ضدها وترى رؤيتها هي الصحيحة فالحرب على العراق مثلا من منظورها هي الخطوة اللازمة والصحيحة ولا يثنيها مجرد معارضات للرأي العالمي أو حتى الدول والحديث عن لماذا يكره العالم أمريكا لم يأت من فراغ فالشعور بظلم أمريكا الصارخ ومكيالها بمكيالين إزاء كافة القضايا التي تواجهها كما يحدث في أزمة العراق وأزمة كوريا الشمالية أدى لارتفاع الشعور بكراهية أمريكا وحتى هذه الكراهية لا تقيم لها الإدارة الأمريكية الحالية وزناً.
|