واخيرا سمحت الظروف.. فوجدت نفسي في صالة المطار وفي يدي حقيبة سفري.. وبعد انتظار طويل ابتلعتني الطائرة الضخمة.. لتبدأ رحلتي الطويلة الشيقة..
حيث زرت عددا من دول اوروبا.. وهناك عشت مع المفاجأة في روعتها.. والحياة السريعة في تعقيدها.. بل عشت في جحيم الحضارة الغربية التي يسيرها الالكترون والبهلوانيات التي تفرض على العملة ان تفر من جيبك..وفي كل بلد ازوره اجد شيئا يشدني اليه ويترك بصماته في اعماق ذاكرتي..
وبعد اربعين يوما من الحياة السندبادية المتجولة.. وجدت قدمي تسيران في احد شوارع مدينة اسطنبول.. ولكن هذه المرة لم اكن وحيدا كان معي صديقي..
عرفته هناك.. وربطت الغربة بيننا.. وقد كان بيننا حديث لا ينتهي.. وخطواتنا تسير فوق جسر من الانطلاق والانسجام.. وكان صاحبي يدخن. .فأخرج علبة سجائره... وتناول اللفافة الاخيرة الباقية بها.. والقى بالعلبة الفارغة على قارعة الرصيف.. كالمعتاد في شوارعنا.. ولكن رجل الشرطة كان قريبا منا يلاحظ كل تصرفاتنا.. لانه لم يكن نائما.. واقترب منا بخطوات ثابتة.. وحيانا بابتسامة لطف واحترام، وعرف اننا سائحان.. وانحنى ملتقطا علبة السجائر الملقاة فوق الرصيف.. ومازال محتفظا بابتسامته.. وقال بعربية مكسرة.. الرصيف ليس لمثل هذه الاوساخ يا صاحبي.. ولانك غريب وتجهل قواعد النظافة عندنا فإني اعذرك، وارجو ان تعدني بأن يكون القاء هذه العلبة الفارغة تجربتك الاخيرة في مدينة اسطنبول.. فتدخلت في الموضوع وشكرت لرجل الشرطة لطافته.. وتناولت العلبة من يده ووضعتها في جيبي بمنتهى الخجل واعطيته وعدا شريفا بالامتثال لقوانين النظافة.. وغادرناه مشيعين بوداع اخوي.. ثم غادرت اسطنبول وفي قلبي نداء يدعوني الى مدينة الحب والنظافة والتاريخ..
مجرد بطاقة صغيرة اضعها بين يدي كل مواطن.. يرى ان النظافة من الايمان ويجد في القذارة الوانا من المرض والبشاعة.. ولقد عرفت عن الانجليز الشيء الكثير واحببت فيهم الدقة والنظام والنظافة وكل انجليزي يردد المثل القائل: لو نظف كل انسان امام داره لاصبحت المدينة نظيفة.
فلو طبقنا هذا المبدأ في بلادنا لما تراكمت الاوساخ بشكل خطر في كثير من الاحياء والشوارع..لاسيما الشوارع العامة.. التي تمثل واجهة تعطي كل زائر فكرة عن بلادنا.. فلو تعاونا مع الجهات المسؤولة لاستطعنا ان نجعل من مدننا وقرانا اماكن نموذجية في نظافتها وتنظيمها.. انه مجرد نداء صادق.
|