لا تزال الشائعات داءً خطيراً يفتك بالمجتمعات، ويزعزع الأمن والاستقرار، ويسري في روح التآلف والتعاون والإخاء.
والشائعة هي ذلك الخبر الذي لا مصدر له، يطير بين الناس خفيفاً غير ظريف ولا لطيف، يبدأ بكلمة وينتهي بحكاية منسوجة مكذوبة - غالباً - لا علاقة لها بالحقيقة، ولا تربطها بالموضوعية والصدق روابط لغة ولا عرق ولا دم.
والشائعة بهذا المعنى مرض خطير، محرم شرعاً، ومنبوذ عرفاً وعقلاً، وهو دليل على نفوس مريضة تحتاج إلى دواء.
إن انتشار الشائعات في مجتمع من المجتمعات مؤشر خطير يدل على أن هنالك خلالاً تربوياً كبيراً في المجتمع، لأن التربية الإسلامية الصحيحة تؤهل النفوس، للرقي، والتنزه عن التلفيق والكذب، وتصنع إنساناً سوياً عاقلاً يدرك قيمة وخطورة كل كلمة يقولها، أو خبر ينقلة.
وهنا يجب علينا جميعاً أن ندرس الأسباب الحقيقية لانتشار مرض «الشائعات» في مجتمعاتنا، وأن نعيد النظر - عاجلاً - في الأساليب التربوية التي نبني بها نفوس وعقول أبنائنا وبناتنا داخل الأسرة وخارجها.
هل السبب في انتشار جرثومة «الشائعات» المنزل والأسرة، أم أنها المدرسة أم أنه المجتمع بكامله، وهل هنالك أسباب مادية أو معنوية لانتشار هذه الجرثومة.
أين الدراسات التربوية «الناضجة» الدقيقة التي تناقش هذه الأمراض الاجتماعية الخطيرة؟، سؤال أتوقع أن تكون إجابته أن لدينا دراسات وبحوثاً نال بها أصحابها شهادات في جامعاتنا، وإذا كان الأمر على ما توقعت، فإن هنالك سؤالاً مهماً يقول: أين تلك الدراسات والبحوث التربوية - إن وجدت - من أرض الواقع؟ هل تحولت إلى خطوات عملية معتمدة في الجهات المعنية بالتربية والتعليم والتوجيه؟ هل وصلت تلك الدراسات والبحوث إلى الآباء والأمهات موضحة لهم أسباب بعض الأمراض الاجتماعية التي نعاني منها؟
الشائعات واقع موجود في مجتمعاتنا، يتناقلها الناس في مجالسهم، ويزيدون عليها ما يجعلها قصة محبوكة تميل العقول إلى تصديقها في أحيان كثيرة، كما أن تلك الشائعات موجودة بصورة مؤسفة في عالم «الإنترنت» العجيب الغريب، بل هي موجودة في وسائل الإعلام الأخرى، وخاصة الصحافة التي نرى فيها أحياناً كثيرة شائعات مزعجة سرعان ما تنتشر، وحينما تنبه عليها الصحيفة تنشر اعتذاراً أو تكذيباً للخبر لا يكاد يقرؤه أحد.
السؤال المهم هنا: لماذا وجدت الشائعة مكانها من نفوسنا؟ ولماذا أصبحت رائجة في مجتماعتنا؟ وأين دورنا التربوي الشرعي الذي يحول دونها؟
وأين الضوابط الأخلاقية التي نتعلمها جميعاً لضبط شؤون حياتنا حتى نحقق الهدوء والاستقرار والتقدم لمجتمعاتنا.
إنها مرتبطة بالتربية الإسلامية للأجيال أولاً وآخراً، فالإنسان الذي ينشأ في أسرة مسلمة واعية تخاف الله، وتطبق شرعه، وتملأ أجواءها بكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وبكل نافع مفيد من وسائل التثقيف والترويح عن النفس، الإنسان الذي يعيش مع أبوين صالحين يحملان مسؤولية التربية، ويملآن بيتهما بالحب والمودة، والصفاء، والاطمئنان، ولا ينشغلان عن ابنائهما بمشاغل الحياة التي لا نهاية لها، ولن يجد الإنسان راحة منها إلا بالموت، الإنسان الذي يعيش في هذه الأجواء الأسرية الصافية هو الذي يأبى الانصياع للشائعات، ويأبى أن يكون مساهماً في شركتها الوهمية الخاسرة.
إن الشائعات مرض يحتاج إلى علاج، والداء في أيدينا جميعاً فهيّا نداوي به المرضى الذين يعانون من هذا المرض الاجتماعي الخطير.
إشارة:
لولا الجحود وسوء الظن ما احترقت
روح التآخي، ولا أهل النُّهَى اندحروا
|
الكويت 27/12/1423هـ
|