وفقاً للمعطيات التي تتجسد على الأرض، سواء في منطقة الخليج، أو في تركيا، فإن الاستراتيجيين يجزمون بأن الحرب ضد العراق أصبحت حتمية، سواء حصلت أمريكا وبريطانيا على تفويض لشن الحرب من مجلس الأمن الدولي، أو شن الحرب دون الحصول على قرار ثان من مجلس الأمن الدولي مستنداً على تفسيرات خاصة بهما. ونتيجة لهذا الجزم فإن الاستراتيجيين بدأوا يتجاوزون مسألة هل ستشن حرب على العراق إلى مرحلة ما بعد الحرب.. وكيف سيكون مسار الحرب وكم ستطول..؟ ونتيجة لهذه الأسئلة بدأت الإجابات المبنية على قياس قدرة القوى المشاركة في الحرب، وقراءة أهدافهم، ويرى من تصدى للإجابة على هذه الأسئلة، أن ميزان القوى في غير صالح العراق، باعتبار أن القوات الأمريكية والقوات البريطانية تمتلك معدات وأسلحة حديثة تعتمد على آخر ما توصلت إليه الآلة العسكرية الحديثة، كالأسلحة الموجهة عن بعد: كالصواريخ المتتبعة للأهداف المزودة بالليزر، والقنابل الذكية، وما سيدخلونه من أسلحة جديدة، حيث تلجأ القوى الكبرى إلى استثمار مثل هذه الحروب لتجربة أسلحتهم الجديدة في الحروب التي يخوضونها ضد البلدان التي هي أقل منهم تقدما مثلما شاهدنا في الحرب الأمريكية في أفغانستان.
إذن يمكن القول بأن هناك تفوقاً أمريكياً - بريطانياً في التسلح، مقابل تراجع في القوة التسلحية العراقية التي فقدت أغلب أسلحتها التدميرية. ولهذا فإن الكثير من المحللين يقولون بأن الحرب لن تطول كثيراً إلى درجة أن الأمريكيين يشيعون بأنهم لن يحتاجوا إلاإلى أيام قليلة قد لا تزيد عن ثلاثة أسابيع ليحكموا قبضتهم على كل العراق..!!
هذا الادعاء المبالغ فيه حتى وإن تحقق فإن المصاعب ستظهر بعد السيطرة العسكرية فالحرب لن تنتهي بمجرد السيطرة على بغداد والبصرة وباقي المدن العراقية الكبيرة بل الحرب ستنتهي عندما تتحقق أهداف الحرب، إذ إن اندحار القوات العراقية أمام القوات الغازية سيولد فراغاً سلطوياً رهيباً لن تستطيع ملئه القوات الغازية، وهذا ما سيدفع العراقيين إلى التحارب والتطاحن فيما بينهم كل منهم يريد الفوز بالنصيب الأكبر من السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من العراق.. وعلى ثرواته.
الأكراد يريدون كل الشمال.. والشيعة كل الجنوب من الفاو حتى بغداد.. والتركمان الموصل وكركوك وما بينهما.. والآشوريون يسعون للسيطرة على زاخو ودهوك والسنة بغداد وديالى وسامراء وتكريت وهذا مايدخل العراق في حرب أهلية تصبح معها ما شهدته لبنان نزهة.. فستسيل الدماء وتتورط دول الجوار وخاصة إيران وتركيا اللتين لايمكن أن تتركا أنصارهما دون أن تدعماهم والقوات الأمريكية والبريطانية من سيتحالف معهم فسيكون أهدافاً لكل هؤلاء مما يجعل من أعباء مابعد الحرب أكبر بكثير من أعباء شن الحرب نفسها.
|