* القاهرة مكتب الجزيرة محمد شومان:
وسط ظروف دولية وإقليمية بالغة الصعوبة تبدأ اليوم أعمال القمة العربية بشرم الشيخ في دورتها العادية ال 15 بحضور رؤساء وملوك 15 دولة عربية و 7 دول اخرى ممثلة بوفود رفيعة المستوى وذلك بعد سلسلة طويلة من الخلافات حول موعد ومكان انعقادها وجدول اعمالها وما يمكن ان تخرج به لمواجهة التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة العربية وعلى رأسها الحرب الامريكية ضد العراق. تنعقد القمة وسط سقف مرتفع للمطالب الشعبية العربية وضغوط دولية اقليمية تفرضها الاوضاع الدولية وتحكمها حساسية العلاقات العربية الامريكية .
شرم الشيخ : بعثة الجزيرة
ولعل هذه المعطيات هي ما دفعت المراقبين الى القول بان اجتماع القادة والزعماء العرب اليوم هو الاصعب في تاريخ اجتماعات القمة العربية ووصف القمة في دورتها الحالية بأنها القمة العادية الطارئة التي تحدد مستقبل العمل العربي المشترك في ظل النظام الدولى الجديد وما يفرضه من تحديات على المنطقة العربية. وفي ظل وجود خطر يهدد المنطقة بأكملها يتمثل في الحرب الامريكية التي باتت شبه مؤكدة على العراق يبرز تساؤل مهم ربما يحدد جدوى انعقاد القمة وما يمكن ان تسفر عنه من نتائج وهو هل تنعقد القمة اليوم لتؤثر فعلا في الموقف الامريكى ازاء الحرب ام لدراسة الخطوات العملية فيما اذا هوجم العراق بالفعل ؟
واذا كان المطلوب من القمة هو تحقيق الامرين معا الا ان الاكثر اهمية بالنسبة للشعوب العربية هو ان تؤدي القمة دورها في التأثير على الولايات المتحدة لمنع الحرب خاصة وان هناك قمما دولية سبقت العربية ذهبت في نفس الاتجاه ومنها القمة الاوروبية وقمة افريقيا فرنسا وقمة دول عدم الانحياز بالاضافة الى ان المناخ الدولي مهيأ لذلك بالفعل في ظل المظاهرات التي تجتاح العالم ضد الحرب والموقف الاوروبي الرافض لها ويبقى الموقف العربي هو الوحيد الذي لم يحسم بعد ولا يعقل ان يكون بأي شكل من الاشكال اقل من المواقف الدولية الاخرى .
وبالرغم من ذلك فليس هناك تفاؤل بأن تنجح القمة العربية في ان تكون على مستوى التحديات ولعل خبرة انعقاد القمم السابقة خاصة الطارئة او التي تعقد لمواجهة خطر يهدد المنطقة العربية تشير بوضوح كما يرى المحللون الى حدود الفعل العربي الذي يمكن ان يتمخض عن مثل هذه القمم . فقمة القاهرة التي عقدت عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990 لم تفعل شيئا يذكر في مواجهة الازمة واكتفت بشجب وادانة ما حدث وتأكيد قرارات مجلس الامن وربما كان الانجاز الوحيد لتلك القمة هو الاستجابة لطلب دول الخليج بإرسال قوات عربية لمساندتها في الدفاع عن اراضيها وتكليف الامين العام بمتابعة هذا القرار .
أما قمتا القاهرة الطارئتان اللتان عقدتا عامي 1996 و2000 بسبب القضية الفلسطينية عقب وصول كل من نتنياهو وشارون الى الحكم في اسرائيل فلم تخرجا بغير التأكيد على السلام كخيار استراتيجي للعرب والتنديد بالمواقف الإسرائيلية ولم تنجح القمتان في تلبية طموح الشارع العربي ولاسيما في ضوء تصاعد سقف التوقعات الذي رافق القمتين خاصة قمة القاهرة عام 2000 . وربما تواجه القمة الحالية في شرم الشيخ نفس المصير اذا لم تنجح في تجاوز الخلافات وتلبية طموح الشارع العربي خاصة وان تغيير مكان القمة وموعدها اكثر من مرة رفع من سقف المطالب العربية لما يوحيه ذلك من ان هناك رغبة عربية لاتخاذ موقف ما لتفادي الحرب الامريكية المتوقعة على العراق وهو الامر الذي يعني ان هذة القمة سيكون عليها ان تتعدى مرحلة الشجب والادانة وتأكيد الالتزام بجميع قرارات مجلس الامن الصادرة بحق العراق وتأكيد سيادة وسلامة جميع الدول العربية وهنا يأتي مأزق القمة الحالية فهي لا تحتمل مسألة البيانات الختامية التي ترضي كل الاطراف ولا تحتمل الصدام مع الولايات المتحدة كما لا تحتمل تكريس احباط الجماهير العربية وهذه التعقيدات كلها تلقي بتساؤلات حول مستقبل القمة ومدى نجاحها في تحقيق المعادلة الصعبة. نجاح ام فشل الخلافات التي سبقت القمة العربية طوال الفترة الماضية سواء حول موعد ومكان عقدها وكذلك جدول اعمالها، والمواقف المطلوب الخروج بها. من وجهة نظر الكثير من المحللين لا تبعث على التفاؤل فيما يتعلق بنجاح القمة او فشلها فقد اعطت انطباعا لدى الكثيرين عما ستؤول اليه القمة الحالية في ظل استمرار هذه الخلافات ولعل إلغاء القمة الطارئة كان بسبب عمق هذه الخلافات و هو ما عبر عنه تصريح وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الذي قال بأنه لا حاجة الى عقد قمة عربية استثنائية محذرا من انها ستزيد الامر سوءا اذا لم تخرج بقرار يتفق عليه كل العرب وهو ما ينطبق على القمة الحالية مع اضافة انها اذا لم ترض تطلعات الشعوب العربية وتكن على مستوى التحديات الراهنة فإنها ستكون وبالا على مستقبل مؤسسة القمة والجامعة العربية والعمل العربي المشترك ككل .
وكون القمة العربية الحالية نقطة فارقة في مسيرة العمل العربي المشترك يضع على عاتقها الكثير من المسئوليات ويلقي في طريقها الكثير من الصعوبات في ظل ارتفاع سقف مطالب الشعوب العربية ومأزق التعاطى مع الازمة العراقية بين بغداد وواشنطن واختلاف مواقف الدول العربية بشأن من عليه بذل المزيد منها لتجنب الحرب العراق ام الولايات المتحدة ؟
ولعل الصعوبة ليست في كثرة الخلافات الظاهرة والباطنة في الموقف العربي تجاه الازمة العراقية ولكن في طريقة التعاطي معها بتسجيل المواقف فقط دون بلورة موقف موحد وخطة تحرك عربي جادة لحل الازمة.
ويواجه القادة العرب اليوم مهمة صعبة في صياغة الموقف تجاه الولايات المتحدة الذي لابد ان تخرج به القمة وسط معسكرين يشدد احدهما على ضرورة صياغة موقف قوي ينطوي على تحذير مباشر لواشنطن من الاعتداء على العراق ويسجل اعتراضا صريحا على السياسة الامريكية في المنطقة والمنحازة تماما لإسرائيل. في حين يريد المعسكر الآخر من القمة ان ترسل رسالة الى الرئيس العراقي صدام حسين تطالبه فيها بالتعاون الكامل مع المفتشين الدوليين .
وفي ظل غياب الحوار الموضوعي الذي ساد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب للوصول الى حل وسط زادت الخلافات بشكل هدد الاجماع العربي على عقد القمة لولا جهود الوسطاء وهو ما جعل بيان وزراء الخارجية العرب لا يتجاوز مجرد تسجيل المواقف لرفض العدوان على العراق او على اي دولة عربية دون ذكر امريكا او ذكر الانتهاك الامريكي والبريطاني لاراضي وسماء العراق بشكل مستمر منذ عام 1991 واكتفى البيان باعتبار العدوان على العراق تهديدا للامن القومي العربي وتأكيد الحفاظ على امن وسلامة العراق ووحدة اراضيه وكان الخلاف الاكبر حول الشأن الداخلي والتسهيلات التي يمكن ان تقدمها دول عربية للولايات المتحدة في الحرب المحتملة ضد العراق وهو موضوع شائك له خلفياته وليس وليد اليوم فهناك قواعد امريكية منتشرة بالفعل في دول عربية تجري بها الاستعدادات للحرب وانتهى الامر بالنص عن الامتناع عن تقديم اي نوع من التسهيلات بالرغم من صعوبة التزام بعض الدول العربية به وهو ما جعل البيان مجرد تسجيل موقف للتاريخ وغير ملزم مما افرغه من مضمونه .
ولأن اجتماع وزراء الخارجية العرب هو قمة عربية مصغرة فقد برزت مخاوف من ان تنتهي القمة العربية الحالية بنفس المواقف الضعيفة والخلافات وهو ما دعا المحللين الى القول بأنه اذا جاز ان يحدث هذا في اجتماع لوزراء الخارجية فلا يصح ان يحدث في قمة تجمع زعماء وقادة الدول العربية خاصة هذه القمة الفارقة المطالبة بالحفاظ على كيان ومكانة مؤسسة القمة والقيام بعمل عربي مشترك يتجاوز مجرد اتخاذ المواقف واصدار البيانات والقرارات دون تحرك فعلي والتزام جماعي به .
ولذلك فالامر يحتاج من القمة العربية ما هو اعمق وافضل من مجرد بيان يعارض الحرب ويبرئ الذمة للعرب امام التاريخ حتى لا يتهموا بانهم فرطوا في العراق بل هو يحتاج الى خطوات عملية اقلها تفعيل وتنفيذ قرارات القمة العربية السابقة في بيروت والتي نصت على عدم التعاون مع اي قوة معتدية على العراق او على اي دولة عربية وتفعيل ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك حفاظا على الامن القومي العربي .
مطالب القمة
كثير من المحللين يطالبون القمة بموقف حكيم وواقعي يذهب في اتجاهين الاول صوب بغداد والثاني صوب واشنطن حيث يمكن ايفاد مبعوثين لابلاغ بغداد اننا امام خيار الفرصة الاخيرة التي ربما لا تتاح مرة اخرى وان المطلوب من العراق هو تعاون مطلق وشفافية كاملة مع اجهزة التفتيش الدولي وقبول لكل ما يطلبه المجتمع الدولي حفاظا على الشعب العراقي . أما بالنسبة لواشنطن فيجب أن يقال لها نحن شركاء وأصدقاء في المنطقة وان الخلافات بيننا تنحصر فقط في سياستها تجاه المسألة العراقية والقضية الفلسطينية واننا كعرب نؤكد ان اي عمل عسكري ضد العراق ستكون نتائجه سيئة جدا على المنطقة دولا وشعوبا وعلى المواقف من السياسة الأمريكية عموما و لا نطلب سوى الوصول الى تسوية سلمية للأزمتين تؤدي الى نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق اذا وجدت بشكل دولي وتحت غطاء الامم المتحدة وهو ما يتطلب اعطاء المفتشين فسحة من الوقت وابعاد الخيار العسكري وان تغيير النظام الحاكم في العراق يحدده الشعب العراقي الذي يمكن مساعدته للوصول الى الديمقراطية دون تدخل خارجي لما لذلك من تأثير على شكل المنطقة عموما.
ويطالب هؤلاء بضرورة ان توحد القمة موقفها وتعمل على تسوية الخلافات الداخلية بين الدول العربية حتى يمكن الخروج برؤية عربية موحدة ومحددة تصل الى الولايات المتحدة عن طريق القمة ، فمشكلة العالم العربي هي وجود اجندات ومواقف متعدده فهناك دول قبلت ضرب العراق من قواعد موجودة بالفعل فيها واخرى لها مشكلات مع النظام العراقي ومواقف متشددة واخرى متوازنة تجاه الازمة وهذه الخلافات تتطلب توحيد الرؤية العربية والنظر الى القضية على انها لا تتعلق بالنظام العراقي وانما بالشعب العراقي كله وانها قضية امتهان دولة عربية هي جزء من النظام الاقليمي العربي الذي تهدده اخطار الحرب كما تهدد العراق.
كما يركز اصحاب هذا الاتجاه على ضرورة ان تشكل القمة العربية الجسر الواصل بين الولايات المتحدة والعراق بهدف التوصل الى تسوية وسط تتوافق مع المطالب الامريكية والعراقية وهذا يتطلب دراسة متعمقة من القادة العرب لاجندة واشنطن تجاه الازمة المعلن منها والسري ، فالمعلن انها تريد التخلص من اسلحة الدمار الشامل وهو ما يجب ان تؤكد فيه القمة للولايات المتحدة ان هناك طريقا اخر لتحقيقه غير الحل العسكري خاصة وان العراق قد ابدى تجاوبا مع ذلك وان المفتشين الدوليين يمارسون عملهم في مناخ ايجابي وكل المطلوب هو منحهم المزيد من الوقت ويتوافق ذلك مع التأكيد على بغداد بفتح كل الابواب امام المفتشين والاستجابة لكل الطلبات وتنفيذ قرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
وعلى جانب اخر يجب ان تنظر القمة بعمق للاجندة السرية الامريكية وتتعامل معها بجدية وهذه الاجندة تتضمن ثلاثة أهداف رئيسية اولها التحكم في النفط وان السيطرة على الشرق الاوسط بتغيير خريطته لصالحها يمهد للسيطرة على العالم وبالتالي اعادة ترتيب النظام الدولي ليصبح تحت تصرفها وحدها وهو ما يلقي على القادة العرب عبء البحث عن حل وسط لحماية المنطقة من الاوضاع الامريكية وفي نفس الوقت تجنب الصدام مع الولايات المتحدة وهو امر غير مطلوب وغير واقعي في ظل الظروف الدولية الحالية.
المبادرة العربية
رغم الاختلاف الواسع بين المراقبين والمحللين السياسيين حول جدوى انعقاد القمة وما يمكن ان تخرج به لمنع الحرب على العراق الا ان هناك اجماعا على ان القمة لا بد وان تخرج بمبادرة عربية لحل الازمة وتفادي الحرب وتأتي المبادرة السعودية لاصلاح الاوضاع في الوطن العربي على رأس هذه المبادرات بما تحمله من نظرة مستقبلية واعية للمنطقة وما يمكن ان تتعرض له من اخطار في ظل ضعف الحالة العربية والخلافات بين دول المنطقة والمعوقات التي تواجه مسيرة العمل العربي المشترك وتهدف المبادرة الى بناء مجتمع عربي جديد يملك القدرة على مواجهة هذه التحديات من خلال الدعوة لميثاق عربي جديد يضمن حماية المصالح المشروعة ويبني العمل العربي المشترك على اساس قوي وينظم العلاقات فيما بين الدول العربية ويوجه العلاقات مع دول العالم وذلك كله عبر وضع آليات محددة وبرامج واضحة تكفل التنفيذ الصادق لمقررات القمم العربية .وكذلك بذل المزيد من الجهود من اجل ضمان سيادة الدول العربية وسلامتها ووحدة اراضيها وبناء القدرات الدفاعية العربية والاستعدادات لتحمل الواجبات في مؤازرة السلطة الفلسطينية ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي والاصرار على تنفيذ المبادرة العربية للسلام باعتبارها السبيل الواضح لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة.
وتقرر المبادرة ان الاصلاح الذاتي داخل الدول العربية هو المنطلق الاساسي لبناء القدرات العربية وتوفير شروط النهضة العربية الشاملة وتحقيق التنمية المستدامة ومواكبة التطورات العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد والمعلومات والاتصالات وتؤكد على الرفض القاطع لأي عدوان خارجي ضد اي دولة عربية والتزام الدول العربية بحل جميع الخلافات العربية بالطرق السلمية وتحريم استخدام القوة بين الدول العربية والوحدة ضد اي دولة عربية تعتدي على دولة عربية اخرى تحت اي ذريعة واي ظروف .
|