المنطقة ابتداءً من إيران ثم الكويت، وباقي دول الخليج ارادت ان تتعايش مع نظام الرئيس صدام حسين منذ ان تولى السلطة وانقلب على «خاله» الرئيس احمد حسن البكر عام 1979م، ولكنه ارتأى ان يزيح الانظمة التي حوله، ويقلب موازين القوة في المنطقة لصالحه، ويستثمر في بناء قوة ليس للدفاع عن قضايا الامة العربية والاسلامية ولكن لتوسيع نفوذه وفرض سيطرته على دول الجوار.. وما حاوله الرئيس صدام حسين من دغدغة مشاعر وعواطف العرب بإطلاق صواريخ على إسرائيل في حرب 1991م ليس بهدف مهاجمة إسرائيل، ولكن لكسب تعاطف شخصي له وبعثرة اوراق المنطقة.. واليوم لو تطلب امريكا من الرئيس صدام حسين ان يفتح سفارة له في القدس - وليس تل ابيب لفتحها افتداءً لانقاذ نفسه ونظامه ومصالحه الشخصية.. فاسرائيل بالنسبة للنظام العراقي هي قضية كانت تحتل مرتبة رابعة وخامسة في سلم اهتمامات الاجندة العراقية منذ اكثر من عقدين من الزمن.. بينما تحتل هذه القضية لكثير من دول العالم العربي المرتبة الاولى وعلى الرغم من ذلك ينجح نظام صدام حسين ان يستميل بعض المغرر بهم في الشوارع العربية ليظهر وكأنه قائد قومي جند نفسه لخدمة القضايا العربية.
ولو نشبت حرب جديدة في المنطقة سيجد صدام حسين الكثير من المغرر بهم يتظاهرون تأييدا له، ودعما لدوره البطولي ..«!» ولهؤلاء اود التأكيد على ان العبرة ليست بالشعارات التي نرفعها ولا بالخطابات السياسية التي نبثها عبر وسائل الإعلام، ولكن المحك الاساسي هو جوهر الاشياء ومضمون القرارات التي تخرج دفاعا عن قضايا الامة الحقيقية، وربما الفارق الاساسي بين نظام صدام والانظمة العربية الاخرى، ان نظام صدام يضحي بالقضايا العربية في سبيل مصلحة نظامه، بينما الانظمة السياسية العربية والمملكة العربية السعودية في مقدمتها تضطر الى التضحية - احيانا - بمصالح وطنية راجحة في سبيل الدفاع عن القضايا العربية والاسلامية.. وخير دليل على ذلك ان فاتورة الدين العام التي تجاوزت ستمائة مليار ريال على المملكة هي اساسا فاتورة حرب تحرير الكويت التي اقحم فيها صدام كل الدول العربية دفعناها في سبيل تصحيح خطأ فخامة الرئيس صدام حسين.. وهو الآن يريد ان يبدو كالحمل الوديع الذي يسعى الى احلال السلام ونشر الوئام بين صفوف الامة العربية.. ولن ننسى ان صدام عام 1990م هو اول من رفض كل الحلول والوساطات العربية والاسلامية التي كانت مخلصة تسعى الى تجنيب المنطقة العربية كوارث سياسية وعسكرية واقتصادية.. ولكن اخذته العزة بالإثم، وتمرد على الاجماع العربي والاسلامي والعالمي.. واعتقد مخطئا ان الانظمة العربية من اقصاها الى اقصاها ستأتي لتقف في بلاط صدام تنظم له القصائد وتدفع له الجزية..
الالتباس الذي نقع فيه اليوم، هو كون هذه المصلحة العربية الراجحة - رحيل صدام حسين عن المنطقة نهائيا - تتوافق مع مصلحة امريكية تبدو لهذه الدولة كذلك مصلحة استراتيجية جوهرية في المنطقة..والتقاء المصلحتين قد يراه البعض وقوفنا نحن في منطقة الخليج والمنطقة العربية الى جانب الولايات المتحدة الامريكية في حربها على العراق.. والحقيقة ان مصلحتنا الاستراتيجية هو ان نسعى لإزاحة نظام صدام حسين بدون أسف او اعتذار.. وهذا - اذا وافق مصلحة امريكية او غربية - فلن يضرنا البتة.. لان مصلحتنا ينبغي ان تكون فوق كل اعتبار.. وقد توافقت مصالحنا مع مصالح الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت، ولم يضرنا ذلك شيئا.. ومن المهم كذلك ان نتأكد من خلال علاقاتنا السياسية الدولية ومصالحنا الاستراتيجية ان تكون هذه الخطوة التي تخطو اليها المنطقة لا تتجاوز مصالح المنطقة وثوابتها وقيمها وخصوصيتها.. وعدا ذلك فإن اي تحرك لنفي او اقصاء فخامة الرئيس لن يجد احدا يبكي عليه.. وستتنفس المنطقة الصعداء.. وسيكون امام العالم العربي والاسلامي قضية عربية واحدة هي فلسطين، ومصالح وطنية واحدة هي مصلحة المواطن.
* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|