* تحقيق : يوسف بن ناصر البواردي
قد يتساءل البعض منا في حياته اليومية عن تلك الكوارث والمصائب التي تحدث في أقطار كثيرة من العالم وعن سببها، فهذه كارثة بحرية، وأخرى جوية، وثالثة برية من زلازل وهناك الأعاصير المدمرة والأوبئة والموت الجماعي إلى غير ذلك من الكوارث!
والغريب في الأمر أننا نعيش اليوم ويعيش أغلب العالم احتياطات السلامة في أوجها وتوهجها، بل ألزمت الدول شعوبها ورعاياها بتطبيق تعاليم السلامة والحذر من التفريط بها، ومع هذا كله لم تفعل هذه الاحتياطات إلا ما تستطيعه وما في مقدورها لأنها من صنع المخلوق!
إذن يبرز السؤال هنا، هل هذه الكوارث لها ارتباط بما يفعله المخلوقون من ذنوب ومعاصي ومنكرات وكفر بالله العلي العظيم أم لا؟! هذا ما سنتعرف عليه وما سيدلي به علماؤنا الأفاضل حول هذه الكوارث والمصائب وسبيل النجاة منها وما هي الحكم والفوائد التي ينبغي أن يجنيها المسلم من هذه الحوادث والكوارث.
العلامة الفوزان:لو نظرنا في أحوالنا وما يجري لأدركنا أننا في حالة خطر شديد
الشيخ آل حسين:أهمية إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها صمام أمان
في بداية هذا الموضوع تحدث فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء حول الكوارث والمصائب التي تحدث في كثير من بلدان العالم مشيرا فضيلته بقوله: لو نظرنا في أحوالنا وما يجري حولنا لأدركنا أننا في حالة خطر شديد إن لم نستدرك أمرنا ونصلح ما فسد من أحوالنا. فإننا لا نزال نسمع ما يجري حولنا فيما يجاورنا من البلاد من العقوبات المتتابعة. زلازل تجتاح المدن العامرة فتهدم المباني، وتهلك آلاف الناس، وتشرد ألوفاً آخرين فيبقون بلا مأوى ولا أقوات، ولا يزال يحل بالعالم أعاصير مدمرة وفيضانات غامرة تتلف الأموال الوفيرة وتقضي على المحاصيل الزراعية الكثيرة، وحروب طاحنة تلتهم الأخضر واليابس ويعيش الناس فيها تحت أمطار القذائف وأزيز المدافع تحصد النفوس حصداً، وتقض المضاجع، وترمل النساء وتيتم الأطفال، ويسلط الله الظلمة بعضهم على بعض فلا يقر لهم قرار. وهناك أحزاب متناحرة وفتنة مشتعلة وقودها جثث. وكل هذا بسبب الابتعاد عن الإسلام والتنكر لدين الله بعد معرفته والإعراض عن شريعة الله واستبدالها بأنظمة الكفر.
وأورد فضيلته مقالة لابن القيم رحمه الله حول هذه النقطة قال فيها: «لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي عليها الصغير، وهرم عليها الكبير فلم يروها منكراً فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والهوى مقام الرشد والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم. والرياء مقام الإخلاص. والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل، فصارت الغلبة لهذه الأمور. فإذا رأيت هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت فباطن الأرض والله خير من ظاهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس، اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح.وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فأعزلوا عن طريق هذا السيل بتوبة نصوح، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح. وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالبرهان وقد غلق، وبالجناح وقد علق ) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء:227)
} وعلق فضيلته بقوله: إن الأمر قد زاد في وقتنا هذا عما وصف الإمام ابن القيم فأصبح الإسلام غريبا حيث ثمة من اكتفى من المتسمين به بمجرد التسمي به، والانتساب إليه من غير عمل بأحكامه. فعقائدهم قد داخلها الشرك ومحاكمهم تحكم بالقوانين بدل الشريعة وأموالهم تجمع بالتعامل المحرم من ربا وغيره.
وما رفع إلا بتوبة
واستدل فضيلة الشيخ الفوزان كذلك بقوله تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)
} مشيرا إلى أن ظهور الفساد،و وانتشار الإلحاد، ومجاهرة الناس بالذنوب، مدعاة لأن يخسف الله بهم الأرض، أو يرسل عليهم حاصباً أو يهلكهم بالأمراض والحروب، مبيناً أنه لا نجاح للمسلمين مما وقعوا فيه اليوم إلا بالرجوع إلى دين الإسلام من جديد، الرجوع الصحيح الذي تطبق به تعاليمه وتنفذ به أحكام. قال تعالى: {إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروما با نفسهم}وما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة. ودعا فضيلته المسلمين الرجوع إلى الله بإصلاح الأوضاع وفق شرائع الإسلام فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
حكم وأحكام
بعد ذلك يدلف الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان المدرس بكلية التقنية بالرياض موضحاً أن تلك الكوارث والمصائب العظيمة، وما يحصل فيها من هلاك الحرث والنسل فإن لله تعالى في ذلك حكماً وأحكاماً، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، مؤكداً فضيلته أنه ينبغي على للمسلم أن تكون نظرته لذلك نظرة بصيرة وإمعان، لا نظرة بصر فحسب، وشتان ما بين النظرتين، فنظرة البصيرة تزيد صاحبها إيماناً وإخباتاً وتعظيماً لله تعالى، وأما نظرة البصر المجردة من ثمرتها القلبية، فقد تكون حجة على صاحبها. مشيراً إلى أن من أهم الحكم هو توحيد الله، وانه المستحق للعبادة وحده، لا معبود بحق سواه، وأن الأمر كله لله، كذلك من الحكم يبين فضيلته أن قدرة البشر، بل قدرة جميع الخلائق، لو اجتمعوا أو كان بعضهم لبعض ظهيراً، فلن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، بل لله الأمر جميعاً، يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً، ومن الحكم أيضا يشير السدحان إلى أن يتأمل المسلم فيما يحدث حوله مما يسمع ويقرأ، وأن يعتبر من ذلك، وأن يحذر أن يفاجئه الموت وهو في غفلة من أمره، وعليه أن ينظر في حال أولئك، فإن كان الموتى كفاراً، حمد الله على نعمة الإسلام، وسأل الله الثبات عليه، وإن كان الموتى مسلمين، وهم على خير عند موتهم، زاد حرصاً على لزوم الخير، حمد الله تعالى على العافية والسلامة، وحذر وحاذر من الشماتة والتألي على الله، وسأل الله حسن الختام..
انتهاك المحرمات
ومن جهته تناول فضيلة مدير عام القضايا والتحقيق بالرئاسة العامة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل حسين أهمية إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنها صمام أمان بإذن الله من العقوبات والمصائب مؤكداً فضيلته أن في إقامة هذه الشعيرة وإشاعة جانب المعروف بين الناس وإزالة ما علق بالأمة من منكرات الأقوال والأفعال وتخليصها من درن الفساد الخلقي والاختلال الفكري وربطها بعقيدتها ودينها وسطية في العناية بهذه الأمة لتكون أمة خير وبركة على سائر الأمم وأن في ترك هذه الشعيرة المباركة إخلالاً في ميزان التوازن للأمة واهتزازاً في أواصر المجتمع وتخلخلاً في قوى الأسرة المسلمة وضياعاً للفرد وارتباكاً في الاتجاه التعبدي لله وتحللاً في عرى الأخلاق السلوكية.
وبين فضيلته آثار تفشي المعاصي بين الناس وظهور الفساد في الأرض وكثرة الخبث وإشاعة الرذيلة في المجتمع واستمتاع الأسر بأسباب المحرمات وضعف الغيرة على الدين وعلى الأخلاق وعلى البلاد وعلى الأمة والمجتمع في القلوب وعدم وقوف الصالحين وعدم غيرة المخلصين في وجه الدهماء بالإنكار والإرشاد في وجه الفساد وإزاء كل هذا فإن الله يغار وغيرته أن تنتهك محارمه فيصيبهم بعذابه وعقوبته ومن هذه العقوبات يشير الحسين:
قسوة القلوب واسودادها وموتها شيئاً فشيئاً حتى لا تنكر منكراً ولا تعرف معروفاً، وتألف المعاصي وتهون عليها خطورتها.
النفور من قول الحق وبغض صاحبه وكراهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناصبته العداء فيخور العزم وتتعطل الشعيرة.
ابتلاء الأمم بفساقها فيكون لهم الصولة والجولة.
توالي الفتن والمحن على الأمة فيضعف فيها جانب الأمن وتسودها القلاقل وتضعف الأمانة في النفوس شيئاً فشيئاً وتبتلى بنقص في الأموال والأنفس والثمرات وتنزع البركة منها وتكثر فيها الأمراض والعلل.
عدم إجابة دعاء الصالحين كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
يسلط الله شرار الأمة على خيارها ويجعل بأسهم بينهم شديد فيكثر الخلاف وينتشر الشقاق بين الناس حتى بين الأقارب والأرحام وتسود البغضاء بينم وفساد ذات البين منهم فيحصل القتل فيهم وسفك دماء بعضهم بعضاً ظلماً وعدواناً فينتج من ذلك عدم صيانة حرمة النفس والعرض والمال.
إصابتها بالذلة والمهانة وذهاب هيبتها في نفوس أعدائها.
استحقاق اللعنة من الله وحلول سخطه حيث يتخاذلون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد روى أبو داود في سننه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حديثاً ينبغي أن تعلمه هذه الأمة حق العلم وتتعظ به لئلا يصيبها ما أصاب غيرها من الأمم حين تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساهلت به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني اسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثم قال: «لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون» وقوله صلى الله عليه وسلم: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم».
حلول العذاب العام والهلال الشامل، فإذا تكاثر المنكر وقل المعروف، ولم يقف الصالحون أمام أهل الفساد ولم يمنع الظالم عن ظلمه، فإن الله يعمهم بعقاب من عنده ويحل بالمفسدين والصالحين على حد سواء لا رأفة فيه بالصالحين بل يبدأ بهم يقول تعالى: )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25)
} روى مسلم في صحيحه من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث» مشيراً فضيلته إلى أن الخبث هو هو الفسق والفساد والفجور بأصنافه.وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» فهذه العقوبات وغيرها أشد خطراً على الأمة وأقسى ألماً على العامة، فعلى الأمة أن تلتزم التمسك بأسباب هذه الخيرية بملازمة هذه الشعيرة والحرص عليها فتسعد في دنياها وآخرتها..وفي الختام هي دعوة للتأمل تحملها هذه الأسطر للتفكر فيما يجري حولنا في العالم ودورنا تجاه إقامة هذه الشعيرة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنفسنا مع قرب دخول العام الهجري الجديد.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
|