تقرير: فهد الغريري
في أثناء اجازة عيد الأضحى المبارك قامت «شواطىء» بجولة لاستكشاف المناطق الربيعية التي كان من أشهرها هذا العام منطقة «الزعبية» برياضها الغناءة وغدرانها وجوّها الجميل.
تقع منطقة «الزعبية» قريباً من الحدود الشمالية للمملكة وتحديداً في منتصف الطريق بين مدينتي حفرالباطن ورفحاء، وقد كان اختيار هذه المنطقة البعيدة عن الرياض بسبب كثرة الأخبار عن الطبيعة الخلابة التي تميزت بها هذه السنة، فبعد ان جرت العادة على الذهاب الى منطقة «شعبة نصاب» التي تسبقها على طريق الشمال بالنسبة للقادمين عن طريق حفرالباطن، هانحن نتجاوز «الشعبة» حتى نصل الى «روضة الهباس» وهي قرية صغيرة على الطريق ومن ثم ننعطف يساراً ونمشي في طريق صحراوي مسافة 30كم حتى نصل الى منطقة «الزعبية». كان وصولي ليلاً ومع ذلك استطعت على نور السيارة تمييز المساحات الخضراء المتقطعة طوال الطريق الى المنطقة المنشودة، وكما يقال فإن «الليل أعمى» ولذلك عرفت عندما استيقظت صباح اليوم التالي أني لم أر شيئا ذا قيمة بالنسبة لما رأيته تحت أشعة شمس أشاعت الدفء اللذيذ على الرغم من برودة الجو. تضم «الزعبية» عددا كبيراً من الرياض أو كما يسميها أهل نجد «الفياض»، بين كل روضة وروضة مسافة تقارب الخمس كيلومترات أحيانا وقد تقل الى كيلومتر واحد، وتتميز كلها بالكلأ الذي يغطي الأرض كبساط أخضر ممتد بامتداد النظر بالاضافة الى أشجار «السدر» أو «الطلح» التي وجدت في الرياض الكبيرة فقط، وفي آخر «الزعبية» جنوبا باتجاه «لينة» توجد روضة كبيرة وقعت بين تلال فتشكلت بشكل الوادي، وتجمع فيها ماء كثير حتى ان صهاريج المياه كانت تتزود منها بالاضافة الى المواطنين الذين توافدوا الى هذا الغدير بين مستكشف ومشاهد أو حتى مستفيد من الماء بسبب بعد مصادر المياه الصحية عن تلك المناطق.
المتجول في تلك المناطق سيلاحظ بلاشك ان كل روضة أو «فيضة» وخاصة الكبيرة منها قد تميزت بوجود «بيت شعر» كبير في التل أو «الحزم» المطل عليها وبجانبه صهريج ماء وربما حظيرة للغنم، وهي عادة متبعة عند أهل البادية منذ القدم حيث يقوم المواطن بامتلاك هذه الروضة أو «حمايتها» وهو التعبير المستخدم في هذه المناطق حيث تتوارث الأجيال هذه الرياض أبا عن جد ويعتبر بيت الشعر والصهريج والغنم رموزاً لهذه «الحماية» المفروضة على «الفيضة». كان أكبر هذه الرموز وأغربها هو بيت مشيد وسط الصحراء وبجانبه مسجد يجعلك تعتقد أنهما نواة لقرية صغيرة!! الجميل في الموضوع ان المواطن «جبر الشمري» الذي يقوم «بحماية» أكبر روضة من رياض الزعبية بهذا البيت والمسجد قام ببناء غرفتين مستقلتين عن البيت ووضع مفاتيحهما عليهما، وعندما سألنا عن سر هذا التصرف ذكر لنا أبناء المنطقة أنه وضعها حتى يلجأ اليها المارون بالجوار في حال هطل مطر شديد أو قيام عاصفة كبيرة وهذا تصرف يدعو للفخر بما فيه من كرم وشهامة ليست غريبة على أبناء هذا البلد المعطاء.
أعداد هائلة من «الكشّاتة»!
توافد على «الزعبية» أعداد هائلة من الناس في عطلة عيد الأضحى، وحضر قسم كبير منهم قبل العيد حيث ازدحمت جميع «فياض الزعبية»، حتى انك كنت تسمع ما يدور من أحاديث بين المجموعات المجاورة لك هذا عدا صوت «السامري» الذي كان يشدو به الشباب في جو بهيج زاده بهجة الاحساس بهذا الربيع الذي انتظره الناس كثيراً. وفي اليوم التاسع من ذي الحجة بدأت رحلة جماعية وخلت المنطقة من مرتاديها تقريباً فلم يتبق إلا عدد من الخيام المتناثرة هنا وهناك التي رأى أصحابها قضاء العيد في الطبيعة الجميلة عكس الذين رحلوا مفضلين الاحتفال بالعيد وذبح الأضاحي في مناطقهم.
هذا الهدوء النسبي لم يدم طويلا فما ان مر نهار أول يوم من العيد حتى بدأت مجموعات أخرى من الناس تتوافد الى المنطقة ومع قدوم اليوم الثالث صعب على الوافدين أخيراً ايجاد مكان مناسب بسبب ازدحام المنطقة من جديد بعشاق «البر»!. وهكذا ظلت «الزعبية» في حركة دؤوب ما بين استقبال وتوديع حتى أيام العطلة الأخيرة التي بدأ فيها الجميع بشد الرحال ولم يبق إلا أبناء البادية وأهل المنطقة الأصليين.
«رجم الاتصالات»!!
تميزت المنطقة بوجود «رجوم» كثيرة تناثرت على رؤوس التلال أو «الحزوم»، كان أشهرها على الاطلاق «رجم» وجد فوق أعلى تل في أكبر «فيضة» بالزعبية، كان سبب شهرة هذا «الرجم» هو ارتفاعه النسبي الذي مكن أجهزة الهاتف الجوال من التقاط بعض الأبراج التي كانت تأتي على استحياء وتنقطع أحيانا كثيرة، جدير بالذكر ان هذا «الرجم» كان مقصد الجميع وخاصة أيام العيد لاجراء المكالمات الهاتفية من أجل الاطمئنان على الأهل والمعايدات، وصرت تشاهد عددا كبيرا ما بين متصل وما بين منتظر في «السرا»! باختصار صار هذا «الرجم» مثل «كباين التلفونات» في مكة أيام رمضان والحج!!.
أنشطة ثقافية!
لا تستغربوا فقد تكفلت أجهزة المراسلات اللاسلكية المنتشرة بين «الكشاتة» في توفير مناخ ملائم لاقامة نشاط ثقافي جميل، حيث قررت مجموعة تطلق على نفسها اسم «الزعبية fm»تحديد موجة معينة لتبادل الألغاز والشعر والنكت وكل كلام جميل ومفيد بعيداً عن الإسفاف والابتذال وذلك بعد ان أزعجتهم بعض التصرفات السلبية والألفاظ البذيئة المنتشرة لدى بعض ضعاف النفوس، وقد لاقت هذه الفكرة تشجيعاً كبيراً من أكثر مرتادي شبكة المراسلات اللاسلكية في تلك المنطقة.
مهرجان واحتفالات
وعبر شبكة المراسلات أيضا قام أحد الأشخاص الذي استخدم اسما مستعاراً طريفا وهو «برطم النملة»!! بالاعلان عن وجود احتفالات خاصة ليلة العيد ورفض الافصاح عن مضمونها، وما أن غابت شمس اليوم التاسع من ذي الحجة حتى قام بتوجيه النداء عبر الشبكة لجميع الموجودين في «الزعبية» من أجل الانتباه ومشاهدة السماء! ولم تمر ثوان قليلة حتى اشتعلت سماء المنطقة بالألعاب النارية وبشكل متواصل مذكرة الموجودين باحتفالات المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، خاصة أن «برطم النملة» كان ينادي عبر الجهاز رافعا شعار:«الزعبية غير»!! بالاضافة الى حفلات «السامري» التي أقامتها بعض المجموعات وخاصة من شباب منطقتي الجوف وحائل حتى انهم قاموا بالاعلان عنها من خلال أجهزة المراسلات موجهين الدعوة للجميع من أجل الحضور والمشاركة.
قامت الحرب؟!
: امتلأت سماء «الزعبية» طول أيام العطلة بالعيارات النارية المضيئة التي تناوب الشباب على اطلاقها بشكل أخذ طابع التحدي بينهم! وقد أبدى الكثير من الحاضرين في المنطقة وخاصة من كبار السن استياءهم من هذه الظاهرة لخطورتها منبهين الى أنه حتى لو كان الاطلاق باتجاه السماء فإن نزول الطلقة فارغة من هذه المسافة الكبيرة وبفعل الجاذبية فإنها تكون قاتلة وخاصة إذا سقطت على الرأس مباشرة! وقد قام بعض الشباب بتوجيه هذ النصيحة عن طريق جهاز المراسلات اللاسلكي.
زبايل x زبايل!!
هذه الطبيعة الخلابة التي انتظرناها طويلا تأذت كثيرا منا نحن الذين نعشقها! يعتصر القلب الألم وأنت ترى الأرض الخضراء وقد تشوهت بالأكياس والمعلبات الفارغة والقاذروات من مخلفات البشر بطريقة أبعد ما تكون عن التحضر والرقي! هذا الشخص الذي رمى الزبالة بهذاالشكل لماذا لم يفكر بتخصيص «كيس» أو «كرتون» كبير منذ قدومه للمكان يضع فيه زبالته بدلا من تدمير الطبيعة بهذا الشكل؟! بالمقابل نقدم تحية اعجاب وتقدير لكل من حافظ على نظافة المكان وخاصة إحدى المجموعات الكبيرة جئتهم فوجدت مكانهم نظيفاً على الرغم من أنهم حضروا منذ 14 يوما!! وإذا عرف السبب بطل العجب فهذه المجموعة قام أفرادها بابتكار سلال مهملات صنعوها باستخدام عبوات المياه الصحية الكبيرة حيث قطعوها من الأعلى ووضعوا واحدة عند كل خيمة في مخيمهم الكبير «الله عليكم الله، ياليت كل الناس مثلكم»!.
حتى هنا تفحيط!
لم تخل المجموعات الوافدة للزعبية من أجل الاستمتاع بالربيع والطبيعة من بعض المراهقين ذوي العقول القاصرة الذين كانوا «يفحطون» بسياراتهم مثيرين الغبار ومفسدين لتناغم الطبيعة حتى انه وقع حادثا انقلاب في يومين متتاليين! وقد استاء من هذه الظاهرة أبناء البادية وأهل المنطقة بل حتى أهل العقل والرأي السديد من «الكشّاتة» الذين اشتكوا جميعهم من خطر هذه الممارسات على الأرض نفسها منبهين الى ان هذه الأرض التي تم التفحيط عليها لن تعشب بعد ذلك أبداً مثبتين ذلك بمناظر خطوط كفرات لمفحطين منذ العام الماضي، حيث توسطت هذه الخطوط الصفراء الأرض الخضراء دون ان يغطيها العشب جراء ما أصابها من ضرر! وأيضا لم يسكت الكثير من الشباب الذين نعتز بهم حيث قاموا بتوجيه النداءات والنصائح عبر الشبكة اللاسلكية بل وحتى عبر المواجهة الشخصية مع «المفحطين» الذين استجاب الكثير منهم وتركوا هذه العادة السيئة.
وأخيراً..
ليس هناك مجال للإكثار من الكلام في وصف جمال الطبيعة في منطقة «الزعبية»، فعدسة «شوطىء» تكفلت بالتقاط الصور التي بين يديكم وهي معبرة أبلغ تعبير وكافية كأجمل وصف، وندعو الله أن يمنَّ على البلاد والعباد بكل الخير.
|