جعلت الصراحة الزائدة التي يتعامل ويتحدث بها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد جعلت منه نجما في الإدارة الأمريكية ولكن البعض الآن يحمل تصريحاته الحادة ضد أوروبا مسؤولية تعقيد محاولات الإدارة تكوين تحالف واسع لمواجهة العراق.
وفيما يمثل مفاجأة لخبراء الشؤون الخارجية وربما بعض مسؤولي البيت الأبيض أنفسهم أصبح رامسفيلد الصوت الرئيس للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالقضايا الدبلوماسية وأصبح ينظر إليه في خارج أمريكا باعتباره أكثر مسؤول يعبر عن أفكار الرئيس الأمريكي جورج بوش، لذلك فعندما هاجم رامسفيلد فرنسا وألمانيا
وقال انهما يمثلان«أوروبا القديمة» ثم عاد واستفز الألمان عندما ضم ألمانيا إلى ليبيا وكوبا في مجموعة واحدة باعتبارها«ثلاث أو أربع دول تقول انها لاتريد أن تفعل أي شيء» للمساعدة في إعادة بناء العراق بعد الحرب، عندما فعل ذلك قدم للأوروبيين دليلا يثبت قولهم بأن بوش غير مهتم بالعمل مع مسؤولين لا يوافقونه باستمرار.
قال وزير الدفاع الألماني بيتر ستروك أمام برلمان بلاده أنه وجد أن ربط رامسفيلد بين بلاده وبين ليبيا وكوبا سلوكا غير مقبول بل وغير أمريكي، وعندما قال أحد محاوري التلفزيون الألماني لرامسفيلد ان كثيراً من الألمان يشعرون بالغضب من الإهانة التي وجهها لهم رد عليه رامسفيلد«كل ما افعله يعبر بصورة صحيحة تماما عما يفعلونه علانية، وأنا لا استطيع أن أتصور لماذا يكون البعض حساسا لدرجة أن يقلق بهذا الخصوص»، ثم انتقل إلى فرنسا وقال انها«مترددة باستمرار تجاه الكثير من الأمور»، يقول لورين تومبسون الخبير في معهد ليكسنجتون لأبحاث العلاقات العامة انه على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكية كولن باول يتحدث نيابة عن الولايات المتحدة في العديد من المنتديات مثل اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير بخصوص العراق فإن نمط رامسفيلد يفرض نفسه على باول في القضايا الأمنية العالمية.
ويضيف تومبسون«أن كلمات باول المنمقة لا يمكن أن تنافس كلمات رامسفيلد الحادة»، وقد كان رامسفيلد هو الغائب الحاضر في اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير عندما أشار المتحدثون من فرنسا والصين وروسيا وبريطانيا وبلغاريا بدرجات مختلفة من الوضوح إلى تصريح رامسفيلد عن أوروبا القديمة، وقال باول ردا على تعليقات هؤلاء المتحدثين بقوله« انه جاء بالفعل من دولة حديثة نسبيا ولكنها أقدم ديموقراطية في العالم المعاصر».
ويؤكد منتقدو رامسفيلد أنه جعل من الصعب على فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول تقديم أي تنازلات سرية لأمريكا فيما يتعلق بالأزمة العراقية حاليا، يقول جيمس روبن أحد مساعدي وزير الخارجية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أن في القضايا الدبلوماسية الكبرى يجب محاولة اكتشاف طريقة ماكرة لإعادة الدول المعارضة لك إلى صفك.
ولكن عندما يتحدث السيد رامسفيلد فإن أغلب الدول الأوروبية وبقية دول العالم أصبحت ترفض ما يقوله حتى قبل أن يفتح فمه، وهذه الانتقادات لا تقتصر فقط على خصوم رامسفيلد بل تأتي أيضا من جانب بعض مؤيدي مواقفه ومواقف إدارته في أوروبا تجاه العراق، فقد نشرت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية في افتتاحيتها تقول«رامسفيلد نكتة صادمة في الدبلوماسية وهو بمثابة هيوارد سترن في الدبلوماسية الأمريكية» وهيوراد سترن إعلامي أمريكي مثير للجدل، وتضيف«أنه من المؤسف جدا بالنسبة لإدارة الرئيس بوش أن يصبح هذا الرجل أفضل متحدث معبر عن السياسة الخارجية الأمريكية».
يقول عيزرا سوليمان رئيس لجنة الدراسات الأوروبية في جامعة برنستون الأمريكية أن هناك الكثير من الخلافات بين أمريكا وأوروبا في أي قضية ولكن رامسفيلد يضع الملح على الجرح، وقد ساعد رامسفيلد على تبديد التعاطف الأوروبي مع الولايات المتحدة الذي بلغ ذروته في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، يقول خبراء السياسة الخارجية ان الإدارة الأمريكية ستشعر بحجم الأضرار التي تسبب فيها رامسفيلد في العلاقات الأمريكية مع العالم بعد انتهاء الحرب الأمريكية المحتملة ضد العراق عندما تبدأ الولايات المتحدة تحديد الدول الأخرى التي يمكنها المساعدة في تمويل احتلال امريكا للعراق أو عندما تبدأ حكومات الدول الحليفة تخفيف الضغط على أجهزتها الأمنية والمخابراتية للتعاون مع نظيرتها الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب.
يقول مايكل أوهلون الباحث المرموق في معهد بروكنجز الأمريكي للدراسات السياسية انه قد يكون من الأفضل للولايات المتحدة في هذه اللحظة أن يعتذر رامسفيلد أو يستقيل من منصبه لأن الخسائر التي تسبب فيها هائلة وضد المصالح الأمريكية على طول الخط«ويضيف الباحث أنه ليس من مصلحة أمريكا أن تكون بمفردها في مواجهة الغضب الإسلامي في أعقاب أي حرب ضد العراق». والحقيقة أن تعليقات رامسفيلد غير المنضبطة تسبب صداعا لزملائه داخل الإدارة الأمريكية أنفسهم، فقد تجاهل الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط عندما قال في أغسطس الماضي ان«ما تسمى أراض محتلة» هي من حق إسرائيل لأنها حصلت عليها في حروب ضد العرب، كما أثار العديد من جمعيات المحاربين الأمريكيين بشدة عندما تحدث عن حرب فيتنام فقال انها لم يكن لها أي قيمة ولا ميزة بالنسبة للقوات المسلحة الأمريكية في أي وقت، وقد اضطر بعد ذلك لإصدار اعتذار مكتوب عن هذا التصريح لكنه أصر على أن هذا التصريح قد تم فصله عن سياقه العام من جانب بعض وسائل الإعلام.
وقد اعترف مسؤولو البيت الأبيض أنهم يشعرون أحيانا بالغضب من توقيت واختيار رامسفيلد لكلماته التي يدلي بها، وأنه يقود حصانه أحيانا إلى ما هو أبعد من خط المواجهة المطلوب، ويرى هؤلاء المسؤولين أن الرئيس بوش يكاد يكون موافقا على أسلوب رامسفيلد بدليل أن يسمح له باستمرار هذا الأسلوب بحرية كاملة، ويقول بعض المسؤولين ان رامسفيلد يفترض أن دوره رغم أنه قد لا يكون مبهجا إلا أنه مفيد.
يقول مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية ان تصريحات رامسفيلد قد تجعل هؤلاء الذين يفضلون عدم التعامل مع الأمور الخطيرة غير مرتاحين لكن يجب على مثل هؤلاء أن ينضجوا.
(*) عن«سياتل تايمز» الأمريكية
خدمة الجزيرة الصحفية
|