واشنطن سكوت تايسون ( * )
قامت الولايات المتحدة بنشر طائراتها القاذفة طويلة المدى للرد على قرار كوريا الشمالية باستئناف نشاطها النووي كما حذرت الإدارة الأمريكية من أن جميع الخيارات مفتوحة أمامها للتعامل مع الأزمة الكورية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، في المقابل هددت بيونج يانج بشن الحرب من جانبها ضد أمريكا وحلفائها، ولكن هذه الحرب الكلامية تتواصل دون وجود أي مؤشرات على وجود حرب وشيكة مما أثار سؤالا مهما، هل تمتلك واشنطن نوايا عسكرية فعلية تجاه كوريا الشمالية؟.
الإجابة أنه من الناحية العسكرية فإن القادة الأمريكيين على ثقة من أن القوات الأمريكية والكورية الجنوبية الحليفة سوف تنتصر في أي حرب قادمة ضد الجيش الكوري الشمالي الضخم الذي يصل إلى مليون جندي لكنه متخلف.
ولكن من الناحية السياسية فإن الخسائر البشرية في صفوف المدنيين والعسكريون ستكون باهظة، حيث يؤكد الخبراء العسكريون أن الخيار العسكري في جميع الظروف خيار غير آمن.
يقول باتس جيل خبير شؤون الأمن في منطقة شمال شرق آسيا بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إن المشكلة في شبه الجزيرة الكورية لا تتعلق بما إذا كان لدى أمريكا الأسلحة والتكنولوجيا المناسبة لمواجهة الجيش الكوري الشمالي ولكن المشكلة تكمن في كم الخسائر التي ستتعرض لها كوريا الجنوبية في حالة اشتعال الحرب.
ويضيف أن القضية بالتأكيد قضية سياسية بالنسبة لكوريا الجنوبية وأمريكا ولهذا تسمع باستمرار من يقول إننا سوف نحل هذه الأزمة بالطرق الدبوماسية.
تدمير سول
يقول خبراء ومسؤولون عسكريون أمريكيون ان لدى كوريا الشمالية خمسمائة قطعة مدفعية بعيدة المدى قادرة على إطلاق أكثر من خمسة آلاف قذيفة في الساعة الواحدة على وسط العاصمة الكورية الجنوبية سول، وهذه القوة التقليدية بمفردها قادرة على تدمير المدينة التي يعيش فيها حوالي عشرة ملايين نسمة كما أنها عصب الاقتصاد الكوري الجنوبي.
يقول بيتر بروكس المحلل في مؤسسة «هيرتاج» الأمريكية ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الآسيوية سابقا إن كوريا الشمالية تستطيع أخذ سول رهينة.
وفي الواقع هددت بيونج يانج أثناء أزمة البرنامج النووي عام 1994 بتحويل مدينة سول إلى بحر من اللهب، وفي الوقت نفسه فإن هناك اعتقاداً أن كوريا الشمالية لديها بالفعل قنبلة نووية أو قنبلتان وصواريخ بعيدة المدى قادرة على تهديد الدول الآسيوية مثل اليابان وربما أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وفقا لتقديرات المسؤولين الأمريكيين.
ويقول مايكل أوهلون الخبير العسكري في معهد بروكنجز بواشنطن أنه من غير المحتمل أن تقدر صواريخ كوريا الشمالية تاي بودونج طويلة المدى على حمل رؤوس نووية إلى الأراضي الأمريكية في الوقت الراهن ولكنها تستطيع حمل رؤوس بيولوجية أو كيماوية.
وحتى بافتراض قدرة الولايات المتحدة على شن هجمات جوية ضد المفاعلات النووية لكورية الشمالية فإن المخاطر ستظل عالية جدا، وربما تفشل مثل هذه الهجمات في القضاء على البرنامج النووي.
يقول بروكس إن قصف مفاعل «يونجبون» النووي الكوري بصواريخ كروز الأمريكية لن يؤدي إلى توقف البرنامج النووي لبيونج يانج لأن البنية النووية الكورية الشمالية تختلف عن مفاعل تموز النووي العراقي الذي دمرته إسرائيل بهجوم جوي عام 1981، فكوريا الشمالية لديها بالفعل قنبلتان نوويتان بالإضافة إلى كمية من اليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه في إنتاج المزيد من القنابل النووية.
لذلك فإن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تجاه كوريا الشمالية حاليا تعتمد على دعم القوات التقليدية في المنطقة لردع أي عدوان من جانب بيونج يانج وبخاصة في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب ضد العراق.
يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» جيف دافيز إن الوزارة حددت بالفعل القوات التي يمكن نشرها في منطقة آسيا بحيث تتمكن من تنفيذ مهمتها في ردع كوريا الشمالية.
ويمكن أن تلجأ الولايات المتحدة إلى القوة الجوية لردع كوريا الشمالية إذا ما اضطرت أمريكا إلى سحب جزء من القوات البرية المتمركزة حول شبه الجزيرة الكورية، يقول ديفيز انك تستطيع أن تحقق نفس الردع بدون وجود نفس القوة التي كانت موجودة.
يقول الأمريكيون إن القوات الأمريكية من حيث العدد والعدة قادرة على مواجهة تهديدين في وقت واحد مثل كوريا الشمالية والعراق.
ومع ذلك فإن الإدارة الأمريكية تعطي الأولوية لتسوية الأزمة الكورية الشمالية دبلوماسيا في ضوء السيناريوهات العسكرية المخيفة لها، وهناك عدة مبادرات يجري بحثها في هذا الإطار، فالدول الخمس والثلاثين الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتمعت في العاصمة النمساوية فيينا لبحث إصدار قرار يبلغ مجلس الأمن الدولي بأن كوريا الشمالية تنتهك اتفاقات التأمين النووية مع الوكالة، كما تضغط إدارة الرئيس بوش من أجل عقد محادثات متعددة الأطراف مع بيونج يانج بهدف تسوية الأزمة وتحث روسيا والصين بصورة خاصة على لعب دور نشيط في الأزمة، وقد دعت بكين إلى إجراء حوار مباشر بين بيونج يانج وواشنطن وهو المطلب الذي تصر عليه كوريا الشمالية بدلا من المحادثات المتعددة الأطراف التي تسعى إليها إدارة الرئيس بوش.
ولكن السؤال هو هل تنجح الدبلوماسية في علاج هذه الأزمة؟ من الواضح أن المفاوضات مع بيونج يانج لن توقف محاولات كوريا الشمالية للابتزاز وانتهاك المعاهدات كما يقول الخبراء العسكريون، يقول باتيس جيل ان المفاوضات خيار سيئ لكنه أقل الخيارات المتاحة سوءا، وستعود بيونج يانج إلى ممارسة لعبة الابتزاز مرة أخرى.
في الوقت نفسه فإن بعض المسؤولين الأمريكيين وبخاصة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يحذرون من الخطورة الكبيرة للفشل، حيث يمكن لبيونج يانج أن تنتج يوارنيوم وبلوتنيوم لإنتاج ست أو ثماني قنابل نووية بحلول الصيف القادم.
( * ) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة»
|