النصارى هم الأقرب مودّة للمؤمنين، بعد معرفتهم بالحقّ ، فإذا وضح أمامهم الطريق السليم، اتجهوا إليه، نموذج ذلك القسّ الأمريكي الذي أجرت معه مجلة «العالمية» التي تصدر بالكويت مقابلة، أبان فيها عن كيفية اتجاهه للإسلام عن رغبة وبقناعة، وتبعه في هذا الطريق مجموعة من علماء الدين في أمريكا، علاوة على أسرته ومَن حوله.. كان ذلك في عدد المجلة منذ شهرين..
ذلك أن من عرف الحق، وعاند أمر الله فهو يهوديّ، أو متأسٍ باليهود، لأن اليهود عصوا الله عن علم وبصيرة، وكفروا بالله عن معرفة، وأفسدوا في دينهم، وغيّروا في كتبهم التي جاءتهم من عند الله مع سابق الإصرار، ولهذا لا يستغرب منهم حملاتهم الشعواء على الإسلام، وعلى المملكة خاصة ومصر، لأن المملكة ثقل الإسلام، وملتقى قلوب المسلمين وأفئدتهم، ومصر بعلمائها ورجالها، قلب الإسلام النابض..
*. هذه هي أخلاق اليهود وطبائعهم من ذلك اليوم وحتى اليوم: حقد وعداوة، وكذب ومعاندة، فقد كانوا يضمرون الشر، ويبيِّتون العداوة للإسلام وأهله، ويتعمّدون بثَّ العداوة والتفريق بين الناس، والإضرار برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلقاء الشُّبهات، ومبعث ذلك الحسد الدَّفين في قلوبهم، والحسد هو أول ذنب عصي الله به على وجه الأرض، وبه أبعد الله إبليس من رحمته سبحانه، وكتب عليه وعلى من اتَّبعه وأغواه الشقاوة الأبدية، وهو أيضاً السبب في أول دم سفك على وجه الأرض، عندما قتل ابن آدم أخاه..
بل إن زعماء اليهود وعلماءهم قد جاؤوا لرسول الله يستطلعون خبره أول ما وصل المدينة فلمّا قاموا من عنده، قال ابن أبي الحقيق وهو من زعمائهم: أهو هو؟ أي الموصوف في التوراة. قالوا له: نعم، قال: والله ما ازددت له إلا بغضاً، وسوف أنابزه العداء ما حييت.. كما جاء خبر ذلك في السيرة النبوية لابن هشام.
فإذا كانت هذه بعض أفعال اليهود قديماً مع أنبياء الله، وصالحي أمتهم بالعداء وبثّ النفرة بين الطبقات، فقد كذبوا على الله سبحانه، وقالوا عليه جل وعلا: افتراء وتطاولاً: بأنه جل وعلا فقير وهم أغنياء، وان يده جل وعلا غير مبسوطة للخلق، وأطلقوا على الله - تنزّه عما يقول الظالمون علواً كبيراً - صفات عديدة ينفر منها الناس فيما بينهم، فكيف بها على ربّ العزة والجلال، وقالوا عن أنفسهم انهم أبناء الله وأحباؤه، وانه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى..
وقتلوا أنبياء الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بأن اشقى الناس، من قتل نبياً أو قتله نبيّ.
وهكذا نراهم يتخلقون من القدم بصفات ذميمة، مقتهم الله بها ولعنهم بكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً، وبغير ذلك من الصفات، التي تنبئ عما يظهر من أعمالهم، وما تخفي صدورهم أكبر.
ومصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل يا رسول الله من هي؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». متفق عليه.
فإن من بثهم العداوات، وتحريك البغضاء بين الأفراد في المجتمعات أياً كانت، فإن اليهود هم وراء هذه الفرق وتعددها، فكراً ومذهباً، وعبادة وعقيدة، ما أنزل الله بها من سلطان، فالنصارى في صراعهم الطويل مع اليهود، يرجعون ابتكار المذهب، وتعدد الطوائف في ديانتهم، من عمل اليهود، مستغلين فيه جهل النصارى، ليحركوا بينهم النزعات، حتى تعددت الطوائف ودبّ الخلاف بين بعضهم البعض.
المتابعون للفرق والنحل عند المسلمين يرون ان انتشار الباطنية، وتعدد النحل وطرائقهم، وراءه يهود يريدون بذلك تفريق الكلمة، وان يكفّر بعض المنتسبين للإسلام بعضهم بعضاً، حتى ينشغلوا بالخلافات والردود فيما بينهم، كما عرف عن ابن السوداء، عبدالله بن سبأ اليهودي، أول من فتح باب الفتنة في المجتمع الإسلامي، ونتج عنه مقتل الخليفة الراشد الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم تلاه ابن الحلاج الذي قال عنه ابن عذارى المراكشي في تاريخه: إنه من يهود اليمن الذين انتحلوا النسب الشريف خداعاً، وكان من مدرسته الفاطميون، الذين أقاموا دولتهم في الغرب ثم في مصر، والقرامطة الذين قتلوا الحجاج في الحرم والمشاعر، وحاولوا هدم الكعبة وأخذوا الحجر معهم لديارهم في البحرين.. وغيرهم كثير الذين تحفل بهم كتب الملل والنحل.
والتاريخ يعيد نفسه في حملات اليهود على الإسلام اليوم وأهله، والتأليب ضد المسلمين بإعلامهم الكاذب، وسمومهم المعهودة التي تذاع إعلامياً، لهدف النيل والتفرقة.. وان العلاج مع هؤلاء القوم لا يكون إلا بما قال الإمام مالك: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.. وهذا لا يكون إلا بعودة المسلمين الى دينهم حقيقة وعملاً، والاعتصام بحبل الله المتين.
عن بناء الكعبة:
أورد السيوطي في تفسيره: الدرّ المنثور: ان البيهقي أخرج عن وهب بن منبه قال: لما تاب الله على آدم، وأمره ان يسير الى مكة فطوى له الأرض، حتى انتهى الى مكة، فلقيته الملائكة بالأبطح، فرحبت به وقالت له: يا آدم إنما لننظرك برّحجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، وأمر الله جبريل فعلّمه المناسك والمشاعر كلها.
وانطلق به حتى أوقفه على عرفات والمزدلفة، وبمنى وعلى الجمار، وأنزل الله عليه: الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال، من الجنابة قال: وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء، يلتهب نوراً من ياقوت الجنة، لها بابان شرقي وغربي، من ذهب من تبر الجنة، وكان فيها ثلاث قناديل، من تبر الجنة، فيها نور يلتهب بابها بنجوم من ياقوت أبيض والركن يومئذ نجم من نجومها، ياقوته بيضاء، فلم يزل على ذلك حتى كان زمن الطوفان في زمان نوح، وكان الفرق، فرفع من الفرق، فوضع تحت العرش، ومكثت الأرض خراباً الفي سنة.
فلم يزل على ذلك حتى كان ابراهيم، فأمره الله ان يبني البيت، فجاءت السكينة كأنها سحابة، فيها رأس يتكلم لها وجه كوجه إنسان، فقالت يا إبراهيم خذ قدر ظلي، فابن عليه، لاتزد عليه ولا تنقص. فأخذ إبراهيم قدر ظلّها، ثم بنى هو واسماعيل البيت.
ولم يجعل له إبراهيم سقفاً، فكان الناس يلقون فيه الحليّ والمتاع، حتى إذا كاد ان يمتلئ انفذ له خمس نفر ليسرقوه وما فيه، فقام كل واحد على زاوية، واقتحم الخامس، فسقط على رأسه فهلك، وبث الله عند ذلك حية بيضاء، سوداء الرأس والذنب، فحرست البيت خمسمائة عام، لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم يزل كذلك حتى بنته قريش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة «ص318».
|