أثناء الكلمة التوجيهية الضافية التي ارتجلها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام ووجهها لأبنائه وإخوانه منسوبي القوات المسلحة في المنطقة الجنوبية يوم السبت 14/12/1423ه أكد حفظه الله على أهمية الصيانة والتدريب بالنسبة للعسكريين فقال: أوصيكم بالصيانة والتدريب.. صيانة المعدات التي أنتم أهل لها، والتدريب المستمر الذي أنتم تسيرون عليه.
وهي في الحقيقة كلمات مختصرة معبرة، بل هي مخ الجاهزية العسكرية وإستراتيجية إعداد القوة.
قال تعالى: {وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا وسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ } فمن أهم عناصر الإعداد؛ عنصرا التدريب والصيانة؛ سعيا إلى الجاهزية الدائمة، وتحقيقا لمبدأ الردع.
وفي كلمته أيضا، تطرق سموه للأحداث العالمية الرهيبة والتقلبات السياسية التي تعصف بالعالم.. فقال: إننا نعيش اليوم في عالم مضطرب.. عالم ينقصه الأمان.. ينقصه الاستقرار.
وبالفعل ففي عالمنا المعاصر تتلاطم أمواج التهديد وعواصف الزعزعة وعدم الاستقرار بجميع الدول، على مختلف تقسيماتها، من متقدمة ونامية وغيرها، حيث غدت المصالح المشتركة هي العنصر الأساس في كل العلاقات الدولية، وهذا ما افرز مفهوم (التكتلات) بمختلف أشكالها، سياسية كانت أو اقتصادية أو غيرها، فلم يعد لوشائج العلاقات التاريخية وحسن الجوار أي وجود، فحليفك اليوم لوجود مصلحة مشتركة قد يكون عدوك غداً بعد انتهاء هذه المصلحة، أو تعارض المصالح.
لذا فإنه في الوقت الراهن أصبح من المتعين على كل دولة الاعتماد الذاتي على مقوماتها الوطنية بعد الله في حماية شعبها وأراضيها، وكل ما يتعلق بسيادتها الوطنية.
اما نحن المسلمين ففي شرعنا المطهر بمصدريه (الكتاب والسنة) ما يغني عن كل ما سواه من اجتهادات المحللين السياسيين وخبراء الإستراتيجيات العسكرية، من حيث عدم التعويل الكامل عليها أو الإغفال الكامل لها، بل (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها).
ولما كان الوجود الإنساني قائما على الصراع، فإن نظريات التعايش السلمي ما هي إلا كلام دبلوماسي للاستهلاك الإعلامي، أما الأمر في حقيقته هو (صراع) ليس من أجل البقاء فحسب، وإنما من أجل التوسع والمطامع، وقبل ذلك كله المعتقدات.
وهذا الصراع بين بني الإنسان هو في الحقيقة امتداد لما ذكره المفسرون من الصراع بين عالم الجن الذي كان في الأرض من قبل خلق آدم عليه السلام ، يدلنا على ذلك قول الحق تبارك وتعالى مخاطبا الملائكة: {إنٌَي جّاعٌلِ فٌي الأّّرًضٌ خّلٌيفّةْ}، فاستفهم الملائكة:{أّّتّجًعّلٍ فٌيهّا مّن يٍفًسٌدٍ فٌيهّا وّيّسًفٌكٍ الدٌَمّاءّ}، وقد استنبط ابن كثير رحمه الله من هذه الآية استنباطاً عجيبا، وهو أنه: على أي أساس بنى الملائكة استفهامهم من الله سبحانه: {أّّتّجًعّلٍ فٌيهّا مّن يٍفًسٌدٍ فٌيهّا وّيّسًفٌكٍ الدٌَمّاءّ}.. حيث قال ما معناه ان ذلك مبني على ان الجن كانوا في الأرض قبل خلق الإنس وكان من ضمنهم إبليس، إلا أنه كان عابداً فرفعه الله إلى منزلة الملائكة، ولكن الجن من بني جنسه فسقوا في الأرض وسفكوا الدماء فأهلكهم الله، فخاف الملائكة ذلك، ولكن لحكمة ربانية قال تعالى سبحانه:{ إنٌَي أّّعًلّمٍ مّا لا تّعًلّمٍونّ}، وأصبح آدم عليه السلام خليفة في الأرض؛ فبدأ الصراع أول ما بدأ وبدافع الطمع بين ابني آدم (هابيل وقابيل) لأسباب اجتهد المفسرون في إيضاحها.
وامتد الصراع بدوائر مختلفة الاتساع، فمنها دائرة الصراع الشخصي، وأوسع منها الصراع القبلي، وأوسع منها الصراع الدولي فيما بين الدول، وربما أكبرها التكتلات. بل وفي أصغر الأشياء وبين أصغر المخلوقات فلو أمعنت النظر في حقل زراعي فقد تجد (حشرتين) من نوعين مختلفين، أو قد تكونان من نوع واحد وهما في حالة اشتباك عنيف تتصارعان، وتدور بينهما رحى حرب ضروس، قد تنتهي بإصابات أو وفاة، ولأسباب لا ندركها، فسبحان من يدركها ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
ولما كان هذا الرب الخالق العالم بشئون خلقه قد وجهنا في كتابه العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى لسان رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، ومن ذلك ما أشير إليه في الآية السابقة من قوله جل وعلا: {وأعدوا} تأكيدا لمبدأ أهمية القوة، ودحضا لدعاية السلام المنفية بقوله سبحانك {وّلّن تّرًضّى" عّنكّ اليهٍودٍ وّلا النّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً}، وبذلك يحصل الردع استلهاما من قوله تعالى {تٍرًهٌبٍونّ بٌهٌ عّدٍوَّ اللهٌ وّعّدٍوَّكٍمً }، فلا تسول لأحد منهم نفسه الاعتداء عليكم؛ فمن أهم أهداف إعداد القوة صد العدوان وحصول الهيبة التي يكون بها الردع.
وانطلاقا من هذه المبادىء الإسلامية الراسخة، كان حديث سمو سيدي الأمير سلطان بنهجه القيادي وأسلوبه الريادي الرفيع الذي يبعث في النفوس العزة والإباء ويرفع الروح المعنوية، وسموه وإن كان بجسمه في المنطقة الجنوبية فهو بقلبه معنا نحن جنوده في كل صقع من اصقاع هذا الوطن، ونحن وإن كنا في مناطق المملكة المترامية الأطراف إلا أن قلوبنا مع وزيرنا المحبوب اينما حل أو ارتحل نستلهم من خطواته العبر، ونستخلص من توجيهاته الدروس، نبراساً يضيء مسيرتنا وخطواتنا في سلك الخدمة العسكرية المشرف بوزارة الدفاع، التي كان لسموه الفضل بعد الله في إعادة بنائها البناء الصحيح منذ أكثر من أربعين عاماً.
|