لربما ستدخل الفضائيات عموما كتاب«جينيس» للارقام الخارقة، وستدخله من باب كونها أكبر شماعة في التاريخ، فالفضائيات في مجتمعنا هي الشماعة التي تحمل اسباب نكساتنا، وانحدارنا، وتخلفنا، وبروقراطية الادارات، وبطالة الشباب، وحوادث المعلمات، وغلاء الاتصالات، وفراغ الشباب، ومشاكل الازواج.. ولن أستمر فهناك الكثير من المشاكل التي يعلقها البعض على الفضائيات وكأننا كنا المجتمع الملائكي الذي لا يأتيه الباطل أبدا، ومن ثم أتت الفضائيات فدمرت كل شيء.
وعموما موضوع مقالي ليس الفضائيات بالتحديد، ولكن اريد الحديث عن شكل جديد يتبلور في العلاقة بين الرجل والمرأة خلال العشر سنوات الماضية في ظل وجود الفضائيات.
فقد تحولت الفضائيات إلى جارية «خليلة» جديدة للرجل تحضر كل ليلة وتتجول في انحاء المنزل أو في انحاء دماغ الرجل بكل حرية وجسارة، وقابلت المرأة هذا التهديد المرعب لها في عقر دارها بتدابير مضادة، فتغير لون الشعر والاعين وازدهرت سوق مراكز التجميل بشكل كبير، وصغر حجم الثياب وكثرت شقوقها.
والغريب ان هذا العداء السافر الذي تكنه بعض النسوة للفضائيات يتجاوز الجلاد ويقفز إلى الضحية، ويتخذ طابع المنافسة التقليدي نفسه بين الجواري فالمرأة بدلا من ان تلوم الرجل على نزواته وشهواته تقفز إلى الضحية، وتصب غضبها عليها وتجعلها مصدراً للشرور كلها.
اما الامر بالنسبة للرجل فهو يختلف نوعاً ما، فهو قد دخل لحياته الزوجية بضمان وتوصية من هيئة المواصفات والمقايسس التي تمثلها امه أو اخواته، او لربما الخطّابة، تلك المقاييس التي تنحصر في اتساع العين ودقة الخصر وما هنالك من تفاصيل التشيؤ التي تنقل المرأة من خانتها الانسانية الى خانة الشيء الذي يقبل الاستبدال او الاحلال، هذه العلاقة الغريبة التي تتنازل عن المخبر والجوهر في سبيل المظهر، لابد ان تتعرض للتهديد والاختلال عند مواجهتها مع العالم المغري والجذاب الذي يمثل صناعة عالمية خبيرة ومهيمنة في تقديم الانثى كمادة مروجة ومروجة«بفتح العين».
لذا فالتهديد الذي تمثله الفضائيات لقطاع كبير من النسوة، يتدخل به العديد من الاشياء من اهمها علاقتها هي نفسها مع ذاتها وشريكها من ناحية، وعلاقة هذا الشريك من ناحية اخرى مع المرأة كسلعة استهلاكية قابلة للإحلال في ظل وجود سلعة جديدة اجمل او لربما ارخص.
هذا التحييد للجانب الانساني في العلاقة، يغيب الكثير من جوانب روعتها وسموها، ويغفل النواحي الروحية العميقة من الفة ومودة وانسجام نفسي متجدد ومتورد دوما.
ويجعل نسوة الفضائيات اللاتي يشبهن قطع الهمبرغر المنتفخة والمغرية والمسيلة للعاب سيف رعب مسلط دوما فوق الرؤوس.
|