إن يكن للمدن هويات فلها بكل تأكيد «هوايات»، والمدينة الفقيرة في الهوايات ضائعة الهويات. إن المدن «سكن» لا يَسْكن.. ولا يستكين، فهي حركة دائبة.. صاخبة.. منتجة.. مقلقة.. مرحبة.. مقبلة.. مدبرة.. إنها «حياة» صغرى من الحياة الكبرى، وفي هذا الصدد فالمدن التي تخلو من الحياة تفتقر إلى الهوايات، وبما أن السياحة «هواية» لا غواية فيها فالفنادق في المدن ضرورة لا غنى عنها، والمدينة الخالية من الفنادق أقم على اقتصادها للعزاء سرادق.. فعدد الفنادق في المدن من أهم مؤشرات ودلائل ضيافتها بل وعلى انفتاحها على ذاتها، وعكس ذلك صحيح فالشح في الفنادق مؤشر شح.. ودليل عزلة وعلامة وهن وانعزال.. فالمدن بَشَرٌ محياها إما يعلوه التجهم أو يكسوه البِشرْ..
***
الموت مصير الجمع والحزن على فقد نصيب الجميع.. ورغم وحدة هذا المصير المحتوم ورغم أن مذاق الفقد وطعم الحزن لا يختلف في فم عنه في آخر.. فثمة ظاهرة عجيبة كنهها اضطلاع الرجال حصرياً بالتعازي الصحفية، فما السر وراء هذه «الذكورية؟».. التي يكاد بسببها لسان حال الاستفهام ينطق بالقول: «حتى من الموت لم أخل من الذكر..؟!». هل مرد ذلك اعتقادنا بأن حزن الرجال على موتاهم يفوق حزن النساء؟.. رغم أن الحقيقة تقول إن الحقيقة هي عكس ذلك؟ إن أفئدة النساء تضج بالحزن أكثر مما يعتمل منه في قلوب الرجال، غير أنها البايلوجيا.. تؤثر في الإنسان قبل أن يكون انسانا وتصاحبه طوال تكونه انسانيا ولا تغادر جسده حتى تغادر روحه جسده. وبالطبع فالتعازي الصحفية ظاهرة جديدة وكل شيء «جديد» في المجتمع النامي يكون أول ما يكون حقا اتوماتيكيا للرجل، وهذا هو السر في أن كل ظاهرة جديدة في المجتمع الذكوري تهبط أول ما تهبط في المطار الذكوري وبعد أن «يمل» من ذلك الذكر «يتذكر» فيتكرم بمنح المرأة من بقاياه ما بقي من بقايا..
|