لا أدري لماذا اختارت شعوب الأرض يوم الخامس عشر من الشهر الميلادي الثاني يوما لاعلان الحب ضد الحرب الأمريكية في الخليج وللتضامن مع محنة الشعب العراقي في قيادته وفي حصاره وفي سيف الحرب الأمريكية المشرع على رقاب جميع أفراده بالخروج في تلك المظاهرات الرافضة للحرب ولكن من يطلع على صفحات الأوعية «الالكترونية» يجد ان هناك حملة انسانية جادة تحاول ان تقاوم بالحب فيروسات الحرب التي تلوث بها الجيوش الأمريكية سماء المنطقة وهذه الحملة تحاول عولمة الحب أو هكذا يبدو ضد عولمة الكراهية التي تقودها الإدارة الأمريكية وهذه الحملة كما قالت إحدى النساء الأمريكيات من الذين ذهبوا إلى بغداد ليقفوا كدروع بشرية في وجه قتل أطفال العراق لا يشارك فيها «ناشطون سياسيون» بالضرورة بل يشارك فيها أناس يملكون من الخيال الاجتماعي ومن قراءة التاريخ ما يجعلهم يقدرون فداحة الحرب وتخريبها البيئي ودمارها الإنساني. كما يشارك فيها آباء وأمهات وشبان وشابات بل وجدّات ممن يريدون حماية حقوق الأسرة في عدم التشتت وعدم التعرض للوعة فقد أحد أفرادها تحت أنقاض العداوات السياسية. ومن هؤلاء أسر بعض الذين فقدوا أفرادا من أسرهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعولمة الحب لا تتخذ شكلاً عاطفياً وحسب بل انها تستعين بالمعلومات والأرقام التي تقول عن بشاعة الحرب ما قد لا تقوله القصائد.
ولقد رأيت ان أشرك القراء في بعض ما يتبادله عشاق السلام من أسرار الرعب التي تجعلهم يصرون على رفع راية الحب ضد الحرب خاصة بعد متابعتي لعدد من كتاباتنا العربية والتصريحات السياسية الرسمية التي تقلل فداحة المخاطر التي قد تجرها الحرب على هذه الأرض. ولنتكاشف ببعض تلك المخاطر:
* بسرية لا تقل عن سرية البنتاجون في انشغاله بتحضيراته للحرب انشغلت الأمم المتحدة بعدّ الخسائر الناجمة البشرية عن الحرب. التقديرات الأولية لهذه الخسائر تراجيدية بكل معنى الأرقام. إلا أنه بسبب الموقف الدبلوماسي والضغوط الأمريكية الرسمية فإن الأمم المتحدة غير مستعدة لإعلان الأرقام المخيفة لحجم الخسائر المتوقعة على الملأ.
غير أن هذا التحفظ لم يمنع تسرب عينة من هذه الأرقام إلى وسائل الإعلام وخاصة على صفحات الأوعية الإلكترونية. ومن بعض ما سرب المعلومات التالية: 000 ،500 إنسان بالعراق سيكونون بحاجة إلى مساعدات طبية عاجلة نتيجة القصف الأمريكي وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن 000 ،100 من المدنيين العراقيين سيكونون من الجرحى وما يبلغ عدده 000 ،400 سيكونون ضحايا الأمراض التي ستنتج جراء قصف مصادر المياه ومجاري الصرف الصحي وتعذُّر وصول المد الغذائي الأساسي.
* بحسب صندوق تمويل الأطفال التابع للأمم المتحدة فإن الوضع الغذائي لما يزيد على 03 ،3 مليون من أطفال العراق ومواطنيه سيكون حرجا ولا يسمح لهم بتناول الغذاء بشكل طبيعي لو توفر مما يتطلب التغذية بالطرق الصناعية التي سيتعذر توفيرها. أربعة أخماس من هؤلاء الضحايا سيكونون من الأطفال ما دون الخمس سنوات والبقية سيكونون من النساء الحوامل والمرضعات.
* على الرغم من ان عدد مكان العراق 26 مليون نسمة وهو عدد يتماثل مع عدد الشعب الأفغاني إلا ان تقديرات وكالة الأمم المتحدة للغوث تفيد بأن وضع سكان العراق نتيجة الحرب الأمريكية المزمعة سيكون أشد سوءاً من وضع الأفغان وعدد ضحاياه سيفوق عدد الضحايا الأفغان للحرب الأمريكية الأولى بعد سبتمبر 2000م وذلك لأن المجتمع الأفغاني بعموميته مجتمع ريفي زراعي ويملك تقليدا طويلا من آلية العيش الاكتفائي بينما العراق بالمقارنة يعتبر مجتمعا حضريا نسبيا حيث كانت مؤسسة الدولة تلعب دوراً في توفير الحاجات الأساسية للسكان فهناك ما يقارب عدد 16 مليون نسمة ممن كانوا يعتمدون على الدعم الغذائي سيجدون أنفسهم بدون أي مصدر كفائي للمعيشة.
* إن ضرب البنية الأساسية للعراق من قبل الجيش الأمريكي سيجعل من المتعذر ان لم يكن من المستحيل نجاح وكالات الغوث للأمم المتحدة في إيصال الغذاء لمحتاجيه من العراقيين في المدن ناهيك عن المناطق النائية.
إن مجلس الأمم المتحدة الأعلى للاجئين يقدر عدد العراقيين الذين سيتحولون إلى لاجئين بما لا يقل عن 000 ،900 لاجئ يفرون إلى إيران وحدها هذا دون ذكر لأرقام أولئك الذين سيتشتتون باتجاه الكويت، سوريا، الأردن، وتركيا ولكن بتقدير رقم لايقل عن مليوني عراقي سيتشتتون من بيوتهم داخل العراق نفسها.
* الأمم المتحدة لم تعلن عن أرقام عدد الموتى المتوقع من الحرب الأمريكية على العراق على أنه بحسب تحريات جريدة الجارديان التي نشرت التحقيق في هذا الأمر وبالقياس على حرب أمريكا على أفغانستان فقد كان هناك 000 ،5 من المدنيين الذين قضوا نحبهم نتيجة تعرضهم المباشر لأسلحة الدمار الأمريكي هذا بالإضافة إلى مايزيد رقمه عن عشرين ألف مدني ممن ماتوا بأسباب متعددة متعلقة بالخراب الذي ألحقته الحرب الأمريكية بشتى مناطق البلاد وليس من المتوقع ان يكون رقم الموتى من العراقيين أقل من ذلك الرقم.
* من تقديرات الأمم المتحدة أيضا لخسائر العراق البشرية نتيجة الحرب الأمريكية عليه ان نحو 6 ،3 مليون عراقي سيصبحون في العراء بدون مأوى وسيكون هناك حاجة ماسة لتوفير مأوى طارئ.
* تقارير الأمم المتحدة لهذه الخسائر الإنسانية الفادحة التي ستلحقها القوات الأمريكية بأرض العراق وحدها ناهيك عن أي احتمالات غير بعيدة باندلاعاتها باتجاهات أخرى في المنطقة لاتفرق بالطبع ما إذا كانت الحرب الأمريكية ستشن بموافقة من الأمم المتحدة نفسها أم ما إذا كانت الحرب ستقوم على عاتق أمريكا وحدها بمساندة بعض حلفائها المتعطشين مثلها للدماء كبريطانيا واستراليا واسبانيا وايطاليا والدولة الصهيونية بما ان القصف المميت سيكون هو القصف المميت بغض النظر عمّن يأذن به أو من يملك زمام المبادرة في توجيهه ولكن المؤكد والمؤلم معا ان أمريكا ستكون وحدها المسؤولة عن حصد الأرواح ولن يكون للأمم المتحدة أي تأثير على إيقاف مجرى الموت في دجلة والفرات كما فعل التتار فيما عدا محاولات تقديم خدمات طبية وإنسانية بائسة لترميم الخراب بعد وقوعه.
* هناك منظمات أهلية أخرى NGOS
بحثت الخسائر البشرية المتوقعة على أرض العراق وقدمت هي الأخرى توقعات فاجعة لمخلفات جريمة الحرب الأمريكية القادمة. ومن تلك المنظمات (اوكسفام) التي قامت بإرسال متخصصين مائيين إلى المنطقة وأفادت بأن المجاري والمعالجة المائية في العراق تعاني من العطل بسبب النقص في قطع الغيار المطلوبة لهذا الأمر كأحد نتائج الأضرار المتعددة التي لحقت بالبنية الأساسية للعراق جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على الشعب العراقي وتقول في ذلك باربرا ستوكينج: نحن معنيون بالتحذير من الكارثة الإنسانية والبيئية التي ستلحق بالعراق فيما لو شنت أمريكا حربا جديدة عليه بسبب موضوع الوضع المائي والنقص في مجال التعقيم الصحي والنقص الغذائي.
* المنظمة البريطانية لمنع الحرب النووية كما جاء في موقعها الالكتروني تحذر أيضا من واقع تقديراتها للخسائر الإنسانية المتوقعة من حرب أمريكا الجديدة على الشعب العراقي بالقول بأن هذه الخسائر قد تصل على الأقل إلى خمسة أضعاف ما نتج عن حرب الخليج لعام 90/91م فهذه الحرب ستعمد إلى مزيد من تجريب الأسلحة الفتاكة بالإنسان والبيئة مما تم انتاجه خلال عشر السنوات الماضية ولم يجر تجريبه بعد وحسب تقرير هذه المنظمة فإن ما يقدر بنحو 000 ،15 من المدنيين قد قتلوا بالإضافة إلى مقتل ما يصل عدده إلى 000 ،120 من الجنود في حرب 90 ،91م بينما عدد القتلى الجدد فيما لو جددت أمريكا حربها على العراق قد يرتفع ليبلغ تقديره الأول بالأرقام التالية: من 000 ،2 إلى 000 ،50 في بغداد 000 ،30 على الجبهة الجنوبية والشمالية للبصرة وكركوك والموصل أما لو تفاقم الأمر واستخدمت في الحرب المحتملة أسلحة بيولوجية وكيميائية فإن الاحتمال كبير بتضاعف أعداد ضحايا الحرب الأمريكية الجديدة. ان تقديرات هذه المنظمة كما قالت هي رهن أيضاً بمدى المقاومة العراقية وطبيعة التكتيك الذي ستتبعه أمريكا في حالة مواجهتها لمقاومة ربما لا تتوقعها قواتها.
* أما فيما لو عرجنا على تقديرات فاتورة الحرب فسنجد أنه بينما دفعت دول الخليج 85% من تكلفة حرب الخليج 90/91م فإن تكاليف حرب أمريكا الجديدة تقدر بـ200 بليون دولار وتعمل أمريكا على زج بعض الدول الخليجية في تحمل بعض أعبائها هذا بينما لا تزيد تكاليف ما تريد أمريكا إعادة إعمار العراق به بعد تخريبه على مبلغ 15 مليون دولار.
وهذا مما سيلقي مرة أخرى بالجزء الباهظ من تكلفة إعادة الإعمار على دول الخليج.
في ظني والله أعلم ان ليس بعد هذه العينة من المعلومات والأرقام التي تتداولها الصفحات الالكترونية كرسائل تحذيرية حادة من رعب الحرب القادمة ما يدع مجالا للاطمئنان إلى نتائج هذه الحرب الوخيمة مهما سبقتها من تطمينات أمريكية بنواياها الطيبة في نقل المنطقة إلى يتوبيا الديموقراطية أما المطلوب فهو لا أقل من التضامن مع حملات الحب ضد طوفان الحرب قبل فوات الأوان.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|