تحدث الأستاذ صياد في زاوية من الشبكة يوم 13-11- 89 عن مدى الترابط بين ما يكتبه أدباء الشباب وبين الأدباء أنفسهم..
قال الأستاذ صياد «وأدباؤنا يستقطبهم التحدث عن الحب والمأساة والضياع والطبيعة».. ثم يقول في موضع ثان «وأدباؤنا الذين يتحدثون عن المأساة والضياع لم يمارس واحد منهم المأساة والضياع، وإذا كان ومارس فإنه ينتهي كأديب وحتى كأنسان».
وسندع الحب والطبيعة في هذا النقاش ونكتفي بمناقشته «المأساة والضياع ونربط بين الأستاذ صياد، والكاتبة غادة السمان، علنا نصل الى نتيجة.. تقول غادة السمان:«منذ يوم رحلتي الأول قررت: لن تقع عيناي إلا على الجميل والمنهج.. سأتحدث عن شروق الشمس وأترك لسواي مشاهد الغروب.. سأرسم نصف الكأس الملآن بالماء.. واتجنب الحديث عن النصف الباقي الفارغ.. ففي وطني العربي، يعتب الجميع على كتاب جيلنا:«لماذا هذا التشاؤم؟ ضياعكم مستورد! حزنكم غير أصيل! بلادنا لم تتعرض لويلات الحروب العالمية!! نحن بخير.. نريد أدباً أصيلاً.. نريد كلمات «بيضاء» فعلا، لا من باب التسمية بأسماء الأضداد».. ويوم رحلت، قررت في شبه مباسطة نفسية مع ذاتي، ربما كانوا على حق.. سأرى الأمور من جديد..».
ورحلت غادة السمان الى أوروبا وهناك وعلى ملعب مغطى بالجليد في قرية بريطانية.. تعرفت غادة على فتاة انجليزية.. قالت الفتاة لغادة السمان:
- وأنت من أين أتيت؟
- من بلاد دافئة دائما.. مشمسة وجميلة..
- ما اسمها؟
- سورية!..
وقلبت شفتها بجهل وسألت أين؟
- لبنان.. سورية.. ألم تسمعي بهما؟؟
قالت: لا!..
- على شاطىء البحر المتوسط.. شواطىء دافئة، مراعيها قلما تعرف الثلج.. أجابت وقد أضاءت عيناها.. تعنين اسرائيل!!
واستطردت الفتاة الانجليزية: الدفء هناك لا يصدق «لابد من أنك تتجمدين هنا. هل أنت من حيفا.. أم من يافا؟؟- هكذا سألتني!!-.
«اسرائيل بلاد رائعة.. لابد من أنك سعيدة فقد حققتم التطابق بين الواقع والأسطورة!».
وتستمر غادة في حديثها فتقول أنها في الليلة أياها جلست ترقب التلفزيون وكانت صدمة جديدة عندما شاهدت مسلسلا انجليزيا يعرض مجموعة من العرب يمثلون «عصابة تسترت خلف مظهر للمساج والرياضة.. مجموعة من الاخوة وأبناء العم الذين يتنازعون على الجريمة والايذاء..» وكان أهم طبق في مأكلهم «عيون الغنم وبيوض الأفاعي وهي تحمي من الضعف الجنسي!!- من المفروض أنهم أقوام تعيش لاغتصاب أكبر عدد ممكن من العذارى!!» وينتهي المسلسل بقهر هؤلاء العرب أعداء الحضارة وأكلة اللحوم البشرية!!
وكان أن أغلقت غادة التلفزيون بحنق فقال أحد الأصدقاء الانجليز معتذراً:«إننا لا نقصد الاساءة لكم.. مسلسلاتنا تحمل دوما فريقا من الأعداء «الغرباء» وهم أحيانا من اليابان أو من الصين أو العرب..» «ولكنه لم يقل لي لم توقف اخراج مسرحية «تاجر البندقية» مع أنها من أجمل مسرحيات شكسبير».وقد عرضت غادة السمان عشرات من الأحداث التي واجهتها في أوروبا ولعل أهم هذه الأحداث عندما قررت ذات أمسية مع شلة من الأصدقاء المختلفي الألوان والأوطان أن «يذكر كل واحد منهم أوصاف البلد الذي جاء منه، ويتولى الباقون تخمين اسمها.. وللفائز جائزة..
وقال الفرنسي: ايفل.. أورليان وصرخنا فرنسا..
وقالت اليابانية: كيمونو.. جيشنا.. وصرخنا اليابان..
وقلت لهم: شمس.. سيف.. أرض التاريخ والأديان والأنبياء.. صمتوا. فقلت: البحر المتوسط.. وظل أكثرهم صامتا ثم تطوع السويسري فقال: اسرائيل طبعا «.. وانضم اليه بعضهم ببراءة: اسرائيل، وعلى مائدة العشاء سألني أحد الطلاب شبه معتذر: لم تقولي من أين أنت؟؟ قلت - سورية، لبنان..
قاطعتني: تعنين قرب اسرائيل!!
فعند هؤلاء ان «الشمس تشرق من اسرائيل.. وان اسرائيل بلد الشواطىء الدافئة، وانها أرض التاريخ والأديان والأنبياء والسيف والشمس..!! بل أسمع ما قاله أحد الطلاب: تعنين قرب اسرائيل!! تصوروا!! قرب اسرائيل!!..
والأنكى من ذلك ان الفتاة الانجليزية والتي حاورت غادة السمان في الملعب اللندني لم تقرأ لأديب عربي واحد بل لا تعرف العرب أنفسهم، في حين قرأت كتب «أجممنون» الاسرائيلي - الفائز طبعا بجائزة نوبل - والتي أهديت اليه هناك في اسرائيل، بلاد الشمس، السيف، وأرض التاريخ والأديان والأنبياء، ومعها حق فهي تقول:«ذهبت في رحلة سياحية عادية، ولكن بأجور شبه رمزية - وطبعا حكومة العصابات هناك تشرف على المظهر المدني العادي للرحلة وتموله».
وفي آخر الحديث تقول غادة - وهي على حق في ذلك-:
ضياعنا حقيقي.. عن أحفاد صلاح الدين وخالد بن الوليد وحمورابي وعمر بن الخطاب.. مؤامرة ضياعنا عن جذورنا الحقيقية تكاد تدمر كياننا.. نعيها حينما نخرج من قرانا الصغيرة الى العالم الواسع ونرى قسوة العيون في الحكم علينا وجهلها بحقيقتنا..»
أليس هذا هو الضياع بعينه المأساة والضياع ليست مأساة وضياع أديب.. بل مأساة وضياع الشعب العربي، كل الشعب العربي!!
نحن ضائعون، تائهون..وحياتنا مأساة..
تلكم مقارنة بسيطة في «الضياع» بين الأستاذ صياد، والأديبة غادة السمان.. بقي ان نعرف رأي الأديب الأستاذ صياد، ولو أن هذه المقارنة جاءت متأخرة!!.
|