تعليقاً على ما نشر على هذه الصفحة من مواضيع حول الفقر أقول:
إن عملية إصلاح البنية الاجتماعية عملية حضارية تتم من خلال ترسيخ روح الاخوة الصادقة بين أبناء المجتمع الواحد، وإقامة حالة من التكافل الاجتماعي بين أبنائه (وهذه من أهم مقومات المجتمع النامي القادر على تخطي الحواجز الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي تعيق عملية التطور والنهضة الحضارية) فعملية الاصلاح تتطلب توزيع الثروة على كافة أبناء الوطن ومحاولة القضاء على مشاكله الاجتماعية وأهمها الفقر والبطالة.
وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز هو صاحب الريادة في زيارته الميدانية لأحياء الفقراء، لمعرفة أحوالهم المعيشية والاطلاع على واقعهم السكني وشبكة علاقاتهم الاجتماعية، وفي هذه الزيارة وضع سموه النقاط على الحروف كما يقول المثل، من حلال إيمانه بمفهوم العقيدة الاسلامية التي تعني العدل والمساواة والصلاح والتي وضع أسسها رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم حين دخوله المدينة المنورة والتي اشتملت على مبادئ إنسانية سامية كالتراحم والتعاون والترابط والتكامل بين المسلمين.هذه المبادئ تساعد المجتمع على الوصول نحو التنمية العادلة التي تحقق الكفاية الاقتصادية لمجمل أفراده وزمره، فالقضاء على الفقر ليس حلما، وإنما هو عمل دؤوب وخطوات عملية واقتصادية تتطلب برامج وحلول على مستوى الافراد والمؤسسات والقيادات، والدولة خطت خطوتها الأولى من خلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله وتشكيلة لجنة لمساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة، والعمل على إعادة ترميم وإصلاح المساكن بشكل يليق بعاصمة مملكتنا الحبيبة الرياض، من ثم الانتقال الى باقي مدن المملكة، وقد حركت هذه الزيارة همم بعض رجالات المال والاقتصاد وبعض المؤسسات الاقتصادية والتجارية، فلهم الشكر ونسأل الله جل وعلا ان يضع ما قدموه في ميزان حسناتهم، ويبعد عنهم كل أذى.
لكن الفقر يبقى مشكلة قائمة وعلينا مواجهتها، وتحتاج لمزيد من العمل والدراسة حول أسبابه، والقضاء على هذه الاسباب تقع أولا وأخيراً على الدولة وعلى مؤسساتها المتعددة، والتي عليها أن تتظافر جميعا للقضاء على هذه المشكلة العامة والتي ينجم عنها كثير من المشاكل الاجتماعية الخطيرة كالبطالة والجريمة والمخدرات وانتشار الأمية والنزول الى العمل بسن مبكرة يعاقب عليها النظام وانتشار الأمراض...الخ.
وإيمانا منا بأهمية هذه المعالجة هناك نقطتان يجب التركيز عليهما، وعلينا ان نضع في حسابنا اننا مجتمع نام تزيد فيه نسبة الولادات عن المعدل العام، بالاضافة لعملية التضخم التي يعاني منها مجتمعنا من خلال تأثير العالم على بقية المجتمعات وسيطرة القوى الرأسمالية الكبرى على الأسواق الأخرى.
- الأولى: يجب على وسائل الإعلام المنوعة المقروءة والمسموعة ان تستخدم كافة الامكانيات المتاحة لها، لتسليط الضوء على مشكلة الفقر وعلى أسباب معالجتها، وتقديم العون والمساعدة والارشاد التوعوي، والترغيب في الانفاق والاحسان والتذكير بالفقراء والمحتاجين، لأن التوعية في الضمان الاجتماعي ستعين على فهم حقيقة النظام وتطبيقه وأثره العام، حيث ستجعل ممن يتبرعون بأموالهم الى جهاز يشبه ما كان في صدر الاسلام «بيت مال المسلمين» ليوزع على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
إن عملية خلق الوعي العام لعملية المساعدة والتبرع، تعتمد في تكوينها على احساس الفرد بالحاج اليها احساسا يدفع الى التطوع بكل ما يمكنه عن طيب نفس لتحقيقها، فالفرد لا يتجاوز عما يملك الا نتيجة مقاومة كما يقول علم النفس، وهذه المقاومة عنيفة بين أن يتنازل الفرد عما يملك الى الغير والرغبة في المحافظة عليه لنفسه، والأمير عبدالله بتصرفه الذي تحقق نتيجة دوافع دينية وخلقية وعاطفية، أراد ان يشعر المجتمع بالحاجة الى المؤسسات والمشاريع والأعمال التي ترفع مستوى حياة الافراد بدافع من ذلك الخلق السامي النبيل التي تمليه القناعة والعقيدة.
- الثانية:موجودة بحمد الله وتوفيقه، لكنها تتطلب المزيد من الرعاية والعمل والرقابة، وهي الاستفادة القصوى من أئمة المساجد والقائمين عليها، فالمسجد يجب أن يكون مرفقا حيويا في العمليات الاجتماعية بالاضافة لكونه أساسا للقيام بالفرائض والصلوات الخمس، ومن خلال أداء الصلوات تنشأ بين أفراد الحي شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تساعد على معرفة أحوال الافراد والأسر الاقتصادية والصحية والاجتماعية، ويعرفون الفقير من الميسور، فحبذا لو تألفت لجنة مصغرة أو جمعية خيرية من إمام المسجد وبضعة أشخاص من ساكني الحي، يقومون بالاعمال الخيرية سواء المساعدات المالية لتشجيع الافراد على البداية بمشروع اقتصادي أو تجاري ومراقبة من حصل على المساعدة، أو تقديم مساعدة اصلاح سكني أو ما شابه من هذه الأعمال الخيرية التي تقضي على الفقر.
فنحن لا نطمح للمجتمع الاسلامي المثالي، وإنما نسعى لمجتمع يتكفل بافراده ويعينهم على قضاء حاجاتهم وتأمين متطلباتهم المعيشية، وذلك في سبيل مرضاة رب العالمين، ولأن قضاء الحاجات من أساسيات الإيمان.
سطم بن فارس طواله
|