علاقة بريطانيا العظمى«سابقا» مع مستعمراتها، انعكست على الكثير من انتاجها الادبي والفني في القرن الماضي، وكونت مادة ادبية استقت مادة معجونها الاولية من اجواء تلك المستعمرات وشعوبها وثقافاتها، ومن ضمن هذا النتاج رواية «الملك وانا» والتي تحولت بدورها إلى فيلم شهير اعيد انتاجه عدة مرات.
والرواية تدور حول قصة مُدرّسة انجليزية في اواخر القرن التاسع عشر تذهب إلى مملكة سيام بغرض ان تعمل مدرسة في قصر الامبراطور هناك.
حيث تصور الرواية الامبراطور المتعجرف الذي يحتوي قصره على العديد من النساء وعدد لامتناه من الاطفال، وبعد محاولات عدة تستطيع هذه المعلمة ان تروض الامبراطور وتعلمه الاولويات والمباديء المتحضرة في فن التعامل مع النساء.
وضمن احداث الرواية يدور حوار بين المدرسة الانجليزية وأحد الطامعين في العرش حيث يقول لها:-
لعلك تخبرين السلطات الانجليزية عند عودتك بأن الامبراطور«بربري ومتوحش» وليس اهلا لحكم مملكة «سيام» لعلها تستبدلني به!!!
وعند هذه الجملة نتوقف، فهي حجة ما برحت رائجة، وتتداولها الاوساط السياسية بكل القبول والترحيب الى وقتنا الحاضر.
فالامبراطورية التي غابت شمسها اسلمت إرثها الوافر الى الولايات المتحدة لتنطلق تلك بدورها لتقوم بدور القاضي العالمي الذي يحمل ميزان العدالة بين الشعوب.
فالولايات المتحدة هي الوريث المجيد للثقافة الانجلو ساكسونية البريطانية (مهما حاولت أن تظهر مجتمعها وثقافتها بمظهر التعددية الثقافية الإثنية) والدليل أنه لم ينتخب رئيس أمريكي إلى الآن خارج الثقافة الانجلوساكونية المهيمنة هناك، فهي تحمل جميع جيناتها وخصائصها ومن ضمن تلك الخصائص احساس عميق بالتفوق والتميز على جميع بني البشر، ذلك التفوق الذي يخولها لازالة حاكم عن سدة الحكم واستبداله بآخر أكثر حضارة وتفوقا«من وجهة النظر الاحادية المتفوقة».
ولعل هذا هو الخطاب السياسي الاوحد الذي لم ينته تاريخ صلاحيته، طالما هناك شعوب قابلة للاستعمار، وطالما كانت هناك انظمة امبريالية تصبو إلى المزيد من الهيمنة والسيطرة على ارجاء العالم.
الغريب في الامر أن اول من يصدق الكذبة هم مروجوها انفسهم، فوزير الدفاع الامريكي«رامسفيلد» يصر على كون ضرب العراق وتغيير نظامه، ماهو إلا تكملة للعملية الجراحية الكبرى التي تخوضها الولايات المتحدة لتطهير العالم سواء في جمهوريات الموز أو في صربيا أو افغانستان.
وتحت الوقع المرتفع لطبول الحرب، لانملك سوى المشاهدة والانتظار، والدعاء والتوسل إلى الله ان تخطىء القنابل اجساد اطفال العراق وأطرافهم الغضة وبطونهم الجائعة.
| 
