حلقات أعدها : فهد عبدالله الموسى
في حلقة اليوم نستعرض تاريخ الدلم من حيث الامطار والسيول التي اجتاحت الدلم، كما نعرج إلى الحديث عن مشروع الخفس الزراعي الذي يعد اكبر المشاريع الزراعية هناك.
المناخ والسيول...
ترتفع الدلم عن سطح البحر ب«430» مترا تقريبا، ومناخها يماثل المناخ السائد في منطقة نجد، صحراوي: شديد الحرارة صيفا، اذ تبلغ درجة الحرارة فيها ما بين «40 - 43» درجة، وهو بارد شتاء وتبلغ درجة الحرارة ما بين «9-11» درجة تسقط عليها الامطار في فصلي الشتاء والربيع، ويبلغ متوسط سقوط الامطار عليها 28 ملم تقريبا.
ذكر الدكتور محمد بن سعد الشويعر، في كتابه عن نجد قبل «250 سنة»، انه في سنة 878هـ، كثر المطر في الوسمي، ولما كان الصيف وحصد الناس زروعهم ووضعوها في البيادر، تتابعت عليها الامطار نحو عشرين يوما فنبتت اكثر البيادر، وذكر كذلك انه في سنة 883هـ كثر الجراد في نجد، ثم اعقبه الدبا، وفي سنة 885هـ وقع برد شديد اتلف زروع الخرج، وبعض زروع العارض وضرما والمحمل وسدير، ثم عمت الامطار والسيول في سنة 892هـ وكثر الجراد، وفي سنة 894هـ وقع برد في الصيف اتلف غالب زروع الخرج وضرما، وفي سنة 905هـ وسنة 916هـ كثر الجراد، وذكر ابن بشر انه في سنة 1155هـ جاء الخرج «الدلم» سيل وخربه، وهي سنة خيران، كثر فيها السيل والامطار حتى ان بعض بلدان نجد لم تر الشمس قرابة الشهر، ثم ذكر انه في شهر المحرم سنة 1127هـ حصل برد شديد اتلف النخل، وكسر الصهاريج الخالية من الماء، وجمد الماء في أقاصي البيوت، ثم في سنة 1128هـ غارت الآبار وغلت الاسعار ومات مساكين من الناس جوعا.
ذكر ابن بشر انه في سنة 1165هـ عم فيها النماء، وكسيت الأرض خضرة وبهاء، وانها كانت سنة خصب.
ذكر كذلك انه في سنة 1211هـ، انزل الله سيلا عظيما اشفق منه كثير من اهل البلدان، وغرق منه حلة بلد الدلم، وهدم بيوتها، ومحاها، ولم يبق منها الا القليل، وذهب لهم اموال كثيرة من الطعام والامتعة وغيرها.
وذكر انه في مستهل جمادى الآخرة من سنة 1224هـ في جمرة القيظ «المرزم» سال الخرج، سيلا غزيرا، وعم جميع نخيله، حتى ان بعضهم، اشفقوا على الحلل والمنازل من الخراب والغرق، ولم يعهد في جمرة القيظ في هذه الناحية منذ ازمان، امطار ولا سيول، فسبحان المتصرف الذي اذا اراد شيئا قال له: كن فيكون، وارخص الله الاسعار، فلما جذ التمر صار يباع الثلاثون بريال، والبر العشرة اصع بريال.
في شهر رمضان من سنة 1258هـ عم المنطقة سيل عظيم، يقول ابن بشر انه خرب العامر.
وقد اجتاحت السيول المنطقة في مرات متكررة - حسبما شوهد، وما ذكره الاهالي في السنوات الماضية - منها ماهو في سنة جبار «1360هـ»، حيث عم المنطقة سيل عظيم، كاد يغرق الدلم، وان يحدث بها ما احدثه بها من قبل لما كانت في موقعها السابق «حلية»، فخرج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، بتلاميذه وبطلبة العلم حوله، للمشاركة مع الاهالي، في مراقبة مستوى ارتفاع السيول، ومدى جودة ومتانة الحواجز الترابية التي اقامها الاهالي حول الدلم، تلاميذه معهم الزبلان وهو يتحسس بيده وبطرف عصاه مستوى ارتفاع السيل، ويوجه هؤلاء الناس، ان تعالوا الى هنا، او انتبهوا الى هناك، حيث ان الحاجز ضعيف، ويخشى منه.
ومن السيول المشهودة والمستفيض امرها في السنوات الاخيرة، سيول سنة 1388هـ في شهر المحرم منها، والتي كانت سببا في تهدم منازل الصحنة اذ كانت يوم ذلك من الطين، ثم في سنة 1403هـ، حيث عم المنطقة سيل عظيم هدم بعضا من منازل مزارعها، وقد استخدمت فرق الدفاع المدني طائرتين مروحيتين لنقل الاسر التي احاطت بها السيول وتعذر الوصول اليها.
وفي سنة 1408هـ عم المنطقة سيل استمر جريانه في اودية الدلم اسبوعا كاملا، ثم حبس القطر عن الناس سنوات فأجدبت الأرض وغارت المياه. وفي سنة 1413هـ ارتوت المنطقة بأمطار عامة سالت الاودية في أثنائها بسيل عميم.
وفي 19 من شهر شوال من عام 1415هـ هطلت أمطار غزيرة مصحوبة ببرق ورعد وسالت سيول عظيمة تدافعت متجهة الى الدلم عبر الوديان الكبيرة والصغيرة، فأصاب الناس خوف عظيم لأنها دخلت في الاحياء الداخلية من البلد من قوة جريانها فوصلت الى حلة الديرة واصبحت شوارعها كالوديان ودخلت السيول مسجد الحوشة والمسجد الاوسط وتعطلت فيهما الصلاة فترة من الزمن، وكذلك دخلت مبنى بلدية الدلم ومركز الرعاية الصحية، ووصلت السيول الى اعتاب بعض المنازل ودخلت بعضها وداهمت السيول الحلة القديمة في زميقة وهدمت المباني الطينية وبقي السور المحيط بالبلدة والبرج.
وخربت السيول كذلك كثيرا من المزارع التي مرت عليها حيث كان ذاك الوقت وقت زراعة البر، كذلك خربت شوارع كثيرة واعمدة الكهرباء واستمر جريان السيول لمدة اربعة أيام من يوم الاثنين 19/10 حتى يوم الخميس 22/10/1415هـ.
وقد قامت الدولة بتوفير وسائل الانقاذ والحماية للمواطنين الذين حجزتهم السيول في المزارع وذلك من خلال الطائرات العمودية التابعة للدفاع المدني.
كما ساهم رجال البلدية الى جانب رجال الدفاع المدني بازالة الحواجز من طريق السيول وابعاد الناس عن مواطن الخطر وكان العمل طوال اليوم ليلا ونهارا.
وأراضي الدلم، هي اراض سهلة منبسطة، تنعدم فيها الحزوم والمرتفعات، غير ان غربيها في الغالب يكون في درجة اعلى من شرقيها، وبمستوى غير مدرك للعين المجردة، وسيولها تتجه من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى الشرق، وتتجه الى المنطقة، عدة اودية، يتجمع البعض منها في الوادي الذي يجتاز منطقة الدلم فيسقيها، والبعض الآخر ينحرف عن المنطقة يمينا او شمالا، ليسوقه الله فيسقي به بلادا واقواما آخرين.
أما الذي يجتازها فهو وادي تركي، هو الوادي الفحل، الذي يفترش المنطقة كاملة بسيوله، يتجه شرقا، ثم ينعطف ليتجه شمالا، ويتفرع الى ثلاثة وديان صغيرة.
الوادي الاول، وهو يتفرع من الوادي الكبير قبل غيره، يتجه يمينا الى العذار وما في ناحيته، وينتهي بالدلم اليوم، ويسمى باطن العذار.
أما الوادي الآخر، فينحرف - بعد موضع انحراف باطن العذار بمسافة - يتجه يسارا قليلا ليعود مرة اخرى ويتجه شمالا، وتذهب سيوله الى المحمدي، ويسمى باطن المحمدي، او باطن المسد - لوجود السد الترابي - ويسميه البعض بباطن ام الحصاني.
اما الوادي الثالث، فهو الامتداد الطبيعي للوادي الفحل، اذ يستمر في نفس اتجاهه شمالا ليسقي بسيوله شرقي المحمدي، وشمالي الدلم، ويسمى باطن الجريف.
ومن الاودية التي حول الدلم:
وادي أوثيلان: قرب حوطة بني تميم، وهو واد كبير تتجمع فيه عدة اودية وشعاب، ثم تتجه من خلاله الى السوط.
وادي ماوان: يتخلل قرية ماوان، ويصب فيه عدة روافد، ثم يتجه شرقا، وقد ادركنا حاله الى عهد قريب جدا «1404هـ» وهو اشبه ما يكون بالنهر الجاري على مدار السنة، غير ان مسافة وكمية جريانه، تزداد وتقل بمقدار زيادة هطول الامطار في المنطقة وقلتها، وكانت نباتات الحلفاء وحشائش اخرى تحتضن حوافه، وحالها في غاية الزهو والنماء والاخضرار.
وادي العقيمي: يقع جنوب منطقة الدلم، ويمتد من العقيمي المعروف اليوم مارا بخفس دغرة، حتى ينتهي بالهجلة جنوب شرق زميقة.
الزراعة في الدلم:
اشتهرت الدلم بالزراعة منذ زمن بعيد لتوفر المياه وخصوبة الارض ووقوعها في ملتقى كثير من الاودية التي تغذيها بالسيول وتستمر احيانا فترة طويلة وهو ما يسمى بالغيل حيث كان يصل للدلم من وادي ماوان غربا.
ولو فتشنا في صفحات التاريخ الماضية لوجدنا ان تلك الفترة رغم ضآلة الآلات المستخدمة في الري الا ان الزراعة مزدهرة والنخيل بكثرة، فهذه احدى المزارع ذات النخيل الكثيف العدد، حيث يذكر ابن غنام في تاريخ نجد والضاهري في الاخبار النجدية «انه في سنة 1195هـ قطع وشحم نخل ابن عشبان المسمى خضرا، وكان نحو ألفي نخلة» وذلك من جيش غزا الدلم.
وعندما زحف ابن رشيد على الدلم عام 1320هـ لملاقاة الملك عبد العزيز في معركة الدلم المشهورة قامت فرقة من جنده بقطع رؤوس النخيل الواقعة غرب البلد نكاية بأهل الدلم فخرج عليه بعض الاهالي وحصل بينهم مناوشات حتى انسحبوا وفي ذلك يقول شاعرهم الذي عاصر المعركة وهو الشاعر محمد أبا الحسن:
مهوب الفخر شحم الفرايس
شحمنا أرقاب عن شحم الهمالي
وبعد توحيد أجزاء البلاد نعمت الدلم بنعمة الأمن والاستقرار، فاتجه الناس الى زيادة المحصول من الحبوب والنخيل مستخدمين في ذلك الوقت لسقي المزارع سواني الابل لنزح المياه بعد حفر القلبان يدويا. وقد يكون في المنحات بعير واحد لجذب غرب واحد أو اكثر من بعير. وذلك يعود الى وفرة المياه التي لا تتعدى بضعة أمتار.
أما أدوات السواني المستخدمة انذاك فهي:
الابل أو الحمير في بعض الاحيان ويتم تغذيتها في المنحات حيث يجلس شخص واحد في ناهية المنحات ويلقم الجمل الاكل وهو يمشي.
وكان ذلك في عام 1365هـ وتم بيع عدد كبير على المزارعين بالتقسيط ومن تلك الآلات التي ظهرت انذاك مكائن رستن وبلاكستون والتي تعمل بسير بحيث يتم نقل الحركة الى مضخة مركبة على بئر الماء فيتم رفعه عبر مواسير الى اعلى البئر من ثم سقى المزروعات.
ويتم ذلك بحفر حفرة بسلم ارش ويسمى عب حتى قرب شفا الماء ويتم تركيب الماكينة في هذه الحفرة ويتم الصعود والهبوط عند تشغيل الماكينة.
وهذه الماكينة تدير مضخة مائية مركبة على البئر بسير ثم ترفع الماء أعلى البئر بواسطة أنابيب الماء الى مكان معد لذلك هو البركة. وكان يسمع للماكينة صوت متقطع والبعض يجعل عند فوهة العادم علبة لتصدر صوتا مميزا. وكان تشغيل تلك المكائن يتم يدويا فتدار بهندل فاذا زادت الحركة انطلقت في التشغيل وكان هذا يحتاج الى جهد رجل قوي.
وكانت المياه قريبة ومرتفعة لا تتعدى سوى بضعة أمتار، ومع تطور الزراعة وتوسع الرقعة الزراعية بفعل الماكينة المتطورة اتسعت في الدلم ظاهرة بعد الماء الى اعماق بعيدة ولم تعد تستطيع فيها اليد العاملة من الحفر والوصول الى المياه العميقة بواسطة الآبار التقليدية.
فبعد فترة ظهرت آلة الحفر الارتوازية وتسمى «الدقاق» وبدأت تحفر آبارا تسمى الآبار الارتوازية والتي لا يزيد قطر فوهتها عن متر واحد، وقد تراوحت اعماق هذه الآبار بين 120 متر الى 200 متر ثم انخفضت المياه الى أعماق اكثر بعدا تصل من 200 - 400 متر تبعا لزيادة الضخ او انخفاضه، وهطول الامطار وجريان السيول.
وغالب المزروعات آنذاك هو النخيل والحبوب من بر وذرة ودخن وبعض الخضروات البسيطة للاستهلاك في منزل المزارع وتزرع بين النخيل.
ويبني المزارع منزله ومسجده وسط مزرعته وفي ظرف المزرعة يبني العريش.
والأودية التي تصب سيولها في الدلم وادي اوثيلان، ووادي ماوان، ووادي تمير وجزء من وادي العين ووادي العقيمي.
خفس دغرة:
خفس دغرة: يعرفه أحد الباحثين بقوله:
خفس دغرة تعريف الخفس بأنه كسر في قشرة الأرض العليا، يبقى أثره ربما لا يدرك له عمق غني بالماء.
وهذا يقع جنوب الخرج عند طرف «رملة المغسل» الجنوبي في حضن «جبل الدام» تدفع حوله سيول «وادي العقيمي» وما حوله و«هيجال الكدن».ثم يضيف وعليه مضخات كبيرة لضخ مائة والانتفاع به زراعيا وقد يقف عليه الناس ويشاهدون فوهته وما تحتها من تجاريف وشقوق ويشاهدون أيضا المضخات تدفع من مائة الكثير ثم لا تنقصه.
وقال باحث أن عين خفس دغرة تبعد عن عين أم خيسة أكثر من ثلاثين كيلا وتقع في حضن جبل الدام على شكل خسف لاصق بالجبل اسفله وهي عميقة ووضعت عليها مضخات لرفع الماء لتسقي الأرض الزراعية حولها وذلك في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وقد جفت هذه العين ولم يبق الا آثارها وذلك من اثر السحب الهائل من المياه بعد حفر الآبار الارتوازية لسقاية الاراضي الواسعة الزراعية بين الرمال وجبل الدام، وقرب هذه العين اطلال من البيوت الطينية الخربة وما زالت باقية حتى الآن وكانت مساكن للعاملين بالمشروع الزراعي الكبير.
مشروع الملك عبد العزيز الزراعي بدغرة:
بعد توحيد المملكة العربية السعودية وفي ظل الامن والأمان الذي يعيشه الوطن والمواطن اتجه نظر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، موحد المملكة طيب الله ثراه الى تأمين الأمن الغذائي ومن انتاج بلده. فاتجه نظره وخاصة بعد ما شعر بأن نذر الحرب العالمية الثانية قادمة وانه لابد من تأمين الغذاء فاتجه الى مملكته الواسعة ووجد ان الخرج منطقة ذات مياه جارية وبها عيون مائية كبيرة، وارض خصبة وشاسعة وقريبة من العاصمة.
ويقول الاستاذ احمد عبد الغفور عطار في كتابه الخرج والشرائع والذي صدر عام 1365هـ ما نصه «فالخرج فكرة الملك عبد العزيز ابداها لابن سليمان واقامه عليها لتحقيقها فتسلمها ابن سليمان مختومة بختم الملك وفضها ودرس الفكرة درسا جيدا ثم عمل على تحقيقها بتعاليم متبعة» واستطرد قائلا: فجلالة الملك من ثقته في ابن سليمان ان جعله القيم على تنفيذ فكرة زراعة الخرج وذلك في عام 1354هـ وهذه الفكرة اعطت لابن سليمان نجاحا كبيرا حيث جد واجتهد وارسل على كثير من الدول يطلب الآلات الفنية والميكانيكية والبذور والسيارات واحضر العمال والمزارعين الوطنيين ومسح الأرض وبدأت التجارب الاولى لهذه الزراعة في العام 1358هـ.
واشرف معالي الشيخ عبد الله السليمان - رحمه الله - بنفسه على هذه الزراعة، وجاء يوم الحصاد يوم الفرح والابتهاج والشكر لله على هذا النجاح الكبير وأسرع بالبشر يبشر لمن كانت له اليد الطولى والتفكير بهذا المشروع الملك عبد العزيز طيب الله ثراه فحمد الله وشكره على هذه البشرى.
ثم يقول الاستاذ احمد عبد الغفور عطار كذلك ما نصه «نعم لقد نجحت التجربة نجاحا منقطع النظير وأثبتت ارض الخرج من جديد بالامتحان كفاءتها لانها تنتج قمحا من أحسن أنواع القمح وأجودها».
وقد قامت ايضا ارامكو بدراسة المشروع وتطويره وقد حضرت لجنة امريكية متخصصة في الزراعة الى الخرج لتقديم المشورة الفنية في الزراعة وري الارض الصالحة واستصلاح الاراضي وتعاقب على هذا المشروع عدة شركات ومؤسسات ويضم المشروع الزراعي حسب تقرير البنك الدولي للانشاء والتعمير من الاراضي 1730 هكتار منها 850 هكتار «الهكتار = 10000 متر» في خفس دغرة، وكان المشروع في خفس دغرة تابعا لمشروع الخرج الزراعي بادارة واحدة، واصبح ينتج الى جانب القمح كثيرا من التمور والخضروات والفواكه الى جانب الانتاج الحيواني وانتاج عدد كبير من الدواجن البياض واللاحم وخفس دغرة ارض منبسطة غنية بمكونات الارض الزراعية.
وتتوافر فيها مياه صالحة للاستغلال الزراعي بكميات كبيرة، ويبعد خفس دغرة حوالي 25 كم جنوب شرق الدلم وقد ربط في الوقت الحاضر بطريق مسفلت حتى العين ويوجد به عين خفس دغرة التي تقع في حضن جبل الدام على شكل خسف لاصق بأسفل الجبل، والعين عميقة ومياهها قريبة من سطح الأرض بحيث كان اناس آنذاك يأخذون منها الماء عن قرب، وهي مستقرة غير سائحة، وضعت عليها مضخات رفع الماء لسقيا الاراضي الزراعية التي حولها في المشروع الزراعي في سنة1358هـ.
وقد جفت هذه العين في هذا الوقت ولم يبق الا آثارها وذلك من اثر السحب الهائل من المياه بعد حفر الآبار الارتوازية لسقيا الاراضي الواسعة الزراعية فيما بعد انتهاء المشروع، واصبحت اليوم مكانا تتجمع فيه اجزاء من سيول وادي العقيمي مما خفف من خطورة تلك السيول على الدلم والمزارع.وقد بدىء في مشروع خفس دغرة ضمن مشروع الخرج الزراعي في سنة 1358هـ وتولى ادارته والاشراف عليه الشيخ ابراهيم حبودل وهذا الرجل يعتبر من أكفأ رجالات الدولة آنذاك من حيث الاخلاص في العمل والحزم والصرامة في الاعمال الموكلة اليه وعند بدء المشروع لم تكن هناك آليات زراعية لحرث الارض وشق القنوات المائية. فلم يكن هناك سوى المسحاة التي تستخدم بأيدي الرجال والمحراث الذي يجر بواسطة الثيران.
وقد استقطب هذا المشروع كثيرا من المواطنين للعمل فيه حتى بلغ عددهم في فترة من الفترات حوالي «4000» رجل ما بين اداريين وفنيين وحرفيين وعمال وتناقص هذا العدد بعد جلب الآلات الزراعية للمشروع.ولقد استقر كثير من هؤلاء العمال بعوائلهم في مساكن من الطين بنوها بأنفسهم حيث يقوم بعض البنائين المهرة ببناء تلك المساكن ويقضون وقت فراغهم في البناء لبعضهم البعض بصفة جماعية وبأجور زهيدة جدا، وقد كان يجلب لهم جريد النخل والخشب من الدلم بواسطة بعض المزارعين.
وبعض تلك المساكن التي بنيت كبير وهي مخصصة للعوائل والبعض الآخر من تلك البيوت صغير قد لا يتجاوز مساحة بعضها مساحة غرفة واحدة صغيرة وهي مخصصة للعزاب الذين لم يحضروا عوائلهم معهم.
وفي يوم الجمعة الذي هو يوم اجازة للعاملين تقوم سيارات الدولة بنقل بعض هؤلاء العمال ليلة الجمعة وتوزيعهم في زميقة والدلم ونواحيه فإذا جاء يوم الجمعة عصرا جاءت نفس السيارات لجمعهم والذهاب بهم الى المشروع وقد صورت هذا المنظر احدى الشاعرات ببيتين من الشعر النبطي توضح شوق الناس الى آبائهم عند زيارتهم في نهاية الاسبوع حيث تقول:
ياليتني سيارة الزيداني
الى راح لزميقة ضرب بوريه
الجمس فرع مع الشباك
ما يركبه كود حرفيه
|
وقد قام الشيخ ابراهيم الحبودل مدير المشروع ببناء مجمع سكني جنوب غربي الجامع الحالي وبنى كذلك المسجد الجامع وسكنة الامام والمؤذن، ومجمع مستودعات لخزن الحبوب حفظا عليها من الامطار قبل ارسالها الى الرياض.
وفي عام 1363هـ استقدم معالي الشيخ عبد الله السليمان - رحمه الله - مقاولا مصريا يدعى علي مصطفى واستقدم معه عمالا كثيرين من حدادين وعمال بناء ومهندسين، وقام المقاول بتشييد مشروع الكهرباء الذي اقيم آنذاك حول العين المستخدم لضخ الماء من العين بواسطة المضخات الكهربائية، وهذا المبنى سمي العنبر وهو المبنى الرئيسي من تلك المباني وهو مبنى من الخرسانة المسلحة ولا يزال المبنى قائما حتى الآن والمبنى جميل جدا من الناحية المعمارية والشكل الجمالي وقوة البناء وقد كسيت واجهاته بالحجر وقد صمم ونش «رافعة» على امتداده من الشرق والغرب من الداخل وهي متحركة في السقف تتحرك من الشرق الى الغرب وذلك لرفع المكائن المطلوب تركيبها أو نقلها من مكان الى مكان داخل المبنى، وكانت ضخمة جدا ومعها مولد كهرباء كبير جدا لتشغيل مضخات المياه لسحب الماء من العين. ويتراوح عدد المضخات من عشر الى اثنتي عشرة مضخة كهربائية، غير ان تلك المضخات لم تدم طويلا لاسباب فنية واستبدلت بغيرها. اما المكان السفلي فكان يطلق عليه البدروم «القبو» وأعد خصيصا للجهاز المركب فيه لمساعدة الماكينة الضخمة على العمل بسرعة وذلك ان تلك الماكينة وكذلك المولد الكبير يحتاجان الى سرعة كبيرة، والماكينة لا تأتي بهذه السرعة المطلوبة للمولد لذلك ركب هذا الجهاز في الاسفل حيث تم تركيب اطار كبير من حيث استدارته، ويدار بواسطة سير متصل بالماكينة فيعطي السرعة اللازمة والكافية لتشغيل المولد الكهربائي الكبير الذي بواسطته تشتغل مضخات الماء وقد بني حول العنبر بعض المستودعات الحديثة وبعض المساكن الجميلة والمطلية بالجص الأبيض وعمل في بعض الغرف ملاقيف للهواء موجهة للشمال لتكييف تلك المباني، ومن الناحية الشمالية بنيت اسطبلات الخيول الخاصة بالملك عبد العزيز - رحمه الله - وهي من نوع العبيات والحمدانيات الأصيلة لاهتمام الملك بها رغم انتشار الوسائل البديلة ولقد احدث لها في بلاطة الملكي «شعبة الخيل» فكانت ترعى في بعض الأحيان في جهة من جهات المشروع وأحيانا يتم احضار البرسيم لها في اسطبلاتها ويقدر عددها حوالي 1000 رأس.وقد ازيلت أغلب تلك المباني من جراء السيول ولم يتبق سوى آثارها.
ولتوفير مادة الجبص في المشروع فقد انشأ قرية مجصة وهي عبارة عن مبنى دائري مخروطي ومفتوح من فوق واسفله به فتحات فيوضع الجص في وسطها ويحرق بالنار من أسفلها باستخدام الحطب، ويستخدم في تبييض بعض المباني في المشروع لصعوبة الحصول آنذاك على الاسمنت والجص.
ولم يكن آنذاك مهندسون او فنيون لذلك فقد تم الاستعانة بالخبرات الوطنية المحلية ممن اكتسبوا خبراتهم من مزاولتهم الزراعة في بلدانهم، وهم من الدلم والقصيم والاحساء. ثم استقدم معالي الشيخ عبد الله السليمان - رحمه الله - اربعة خبراء زراعيين من مصر تولوا الاشراف على الزراعة في مشروع الخرج الزراعي ومن ضمنه خفس دغرة حتى تولت شركة ارامكو المشروع واستقدمت خبراء زراعيين ومهندسين من امريكا.ولما كانت طريقة الري غير كافية في بداية المشروع فإنه بعد تسلم شركة ارامكو أعمال المشروع عملت طريقة يتم بها تجميع المياه التي تم ضخها من العين في أنبوب واحد كبير ومدت قناة كبيرة، واختارت مكانا مرتفعا تتفرع منه القنوات العشر لري كافة المنطقة المزروعة، وقد كانت المزارع مقسمة الى قسمين شرقي ويسقيه خمس قنوات وغربي ويسقيه خمس قنوات، والفاصل بينها الطريق المسفلت حاليا.
وقد كان انتاج المشروع في بداية زراعته الحبوب والأعلاف فقط وتسلم الحبوب الى وزارة المالية اما الاعلاف فهي للخيول وكذلك قطعان الابقار المحلية الخاصة للدولة. ثم اضيفت زراعة كافة أنواع الخضروات والفواكه وبعض المكسرات مثل الفول السوداني «السيسبان».
وقد قام الملك عبد العزيز رحمه الله بزيارة مشروع خفس دغرة لمرة واحدة اطلع على المزارع والخيول والابل التي في المشروع وتم تجهيز المخيم الملكي فوق الجبل المطل على المشروع، من الجهة الغربية والذي يصل الطريق المسفلت حاليا ومن يقف فيه يشرف على الموقع بكامله.
كما زار المشروع الملك سعود - رحمه الله - للاطلاع وتوجيه القائمين على المشروع وللاطمئنان على سير العمل فقد زار المشروع مرتين عندما كان وليا للعهد.
واصبح مشروع خفس دغرة بالاضافة الى الانتاج الزراعي منتزها ومتنفسا للكثير من الافراد ورجالات الدولة يزورونه كثيرا بالاضافة الى الأهالي القريبين منه. ولقد كان الشيخ محمد الطيب الطاهر مسؤولا ومشرفا على مضخات المياه منذ بداية المشروع ويقوم الى جانب ذلك بالترجمة بين المسؤولين في شركة أرامكو عندما تسلموا المشروع وبين العمال لمعرفته باللغة الانجليزية التي تعلمها في مدرسة تحضير البعثات حين دراسته، وقد جاء للعمل في المشروع وعمره لم يتجاوز الخامسة عشرة. يذكر حارس مشروع خفس دغرة ان الملك عبد العزيز قد زار خفس دغرة مرة واحدة وخيم فوق الجبل الملاصق للعين ليطلع على كامل المشروع. كما زاره كذلك الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - مرتين عندما كان وليا للعهد.وقد قام مندوبو البنك الدولي للانشاء والتعمير بزيارة لموقع مشروع خفس دغرة الزراعي واعداد تقرير حول الزراعة فيه وتم قياس مساحات الاراضي التي ضمها المشروع والبالغة «850» هكتار في خفس دغرة.
كما أتاح مشروع خفس دغرة الزراعي فرص عمل لكثير من المواطنين لمدة طويلة شاركوا خلالها بجد واجتهاد في انجاح المشروع وقد وصل عددهم في احدى الفترات حوالي 4000 عامل وفني وغيره وقد وصلت مرتباتهم الشهرية ما بين 50 الى 150 ريال عربي فضة، وهي اجور جيدة اذا قيست بالمدخول آنذاك فهي مرتفعة.
فأصبح خفس دغرة آنذاك قرية تعج بالسكان وتمور بالحركة والعمران والبيع والشراء وجلب هناك الآلات الزراعية الحديثة والسيارات التي تقوم بتحميل المنتجات الزراعية.
ويذكر كذلك عبد الله بن فهيد العتيبي رئيس الحراس في مشروع خفس دغرة انه عندما احتيج لتوفير المياه الحلوة الصالحة للشرب فقد امر رئيس المشروع ابراهيم الحبودل رجلا يقال له جليدان بن جليدان بأن يحفر بئرا شمال عين خفس دغرة بحوالي 5 كم ووضع عليها سانية وجمل يعمل على رفع الماء ويصب في الحوض المقام بالقرب من البئر ليشرب منها الناس لأن ماء العين لا يصلح للشرب وقد سميت هذه البئر منذ ذلك الوقت باسم جليدانة نسبة الى من حفرها. وهي موجودة حتى الآن على يمين الطريق عند انعطافه باتجاه خفس دغرة.
|