إذا كنا نتفق على التلازم الأبدي بين متغير الاستقرار الأمني ومتغير التنمية الشاملة، وإذا كانت هذه العلاقة قد أصبحت من المسلمات التي لم تعد قابلة للنقاش والمساومة، فإن العلاقة بين البطالة والجريمة بكافة أنواعها هي أيضاً من المسلمات العلمية والواقعية التي لا تقبل التشكيك والمناقشة ولا تقبل المزيد من التجارب المعملية والدراسات الميدانية. وفي ظل هذا التسليم المطلق بهذه العلاقة التلازمية بين البطالة والجريمة، وبين البطالة والانحرافات الفكرية والأخلاقية، فإن المنطق السليم يفرض علينا أن نأخذ في الاعتبار واقع سوق العمل السعودي عند رغبتنا في تحليل وتفسير الظواهر الإجرامية كإجراء حتمي لمكافحتها والوقاية منها في المستقبل.
لا بد أن نعي بأن المحافظة على المرتكز الأمني في ظل تنامي أعداد الشباب والشابات القابعين خارج أسوار سوق العمل، وفي ظل العشوائية التي تخيم على سوق العمل السعودي والتواجد المكثف للعمالة الأجنبية ذات الأفكار والسلوكيات المختلفة تعتبر من المهام الصعبة التي قد لا تتحقق أو قد تتحقق عند تكلفة وطنية عالية.
فمن المتوقع في ظل عجز الأيدي العاملة السعودية عن منافسة الأيدي العاملة الأجنبية أن تصبح معرضة للانحراف الفكري والاجتماعي والأخلاقي والمسلكي مما يجعلها قابلة لارتكاب الجريمة متذرعة بوضعها الاقتصادي البائس وبفشل المجتمع في مساعدتها على تحقيق مستوى معيشي مناسب.
كما أن من المتوقع أن يؤدي بقاء بعض الأيدي العاملة الأجنبية عاطلة عن العمل إلى عجز هذه العمالة عن تحقيق أهدافها بالطرق المشروعة مما يدفع بها إلى ارتكاب الجريمة بحثاً عن المال ورغبة في تحقيق الأهداف في أسرع وقت ممكن بغض النظر عن مشروعية الوسيلة. وفي ظل هذه التوقعات والمعطيات نجد أن أسلم الطرق المؤدية إلى تحقيق الهدف الوطني في المحافظة على منجزنا الأمني تتمثل في التدخل الجراحي السريع الذي يقضي على مسببات البطالة في الاقتصاد السعودي ويوفر البيئة الملائمة للعمل الشريف والكسب الحلال.
وهنا أرى أن من الضروري في هذه المرحلة الحاسمة أن نعيد النظر في سياسة الاستقدام غير المقننة التي ساهمت في إغراق السوق السعودية بالغث من العمالة الأجنبية وقضت على فرص المواطن السعودي في الحصول على فرص العمل المناسبة.
كما أن من الضروري أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى تعطيل تطبيق معظم الأنظمة والقرارات والتوصيات التي تستهدف زيادة مساهمة عنصر العمل المحلي وعلى رأسها نظام العمل الصادر في عام 1389هـ وقرار مجلس الوزراء الموقر رقم «50» الصادر في عام 1415هـ.
علينا باختصار أن نعي بأن المحافظة على المرتكز الأمني تتطلب عملاً جاداً ومخلصاً لتصحيح الخلل في سوق العمل السعودي بغض النظر عن المصالح الخاصة التي قد تعترض عملية التصحيح المنشودة. فهل يتحقق ذلك؟ نتمنى ذلك عاجلاً.
|