تقول الحكمة الصينية القديمة«ربما يعيش أعداؤك أوقاتا سعيدة» والحقيقة أن أوقاتنا تزداد إثارة بمرور الأيام، ففي المنطقة المحيطة بمبنى الكونجرس الأمريكي بالعاصمة واشنطن توجد بطارية صواريخ مضادة للطائرات مستعدة لإسقاط أي طائرة خاصة أو تجارية يبدو أنها سوف تصطدم بالمبنى، كما أن الإدارة الأمريكية حثت سكان المناطق المحيطة بضرورة تخزين مياه وأغذية تكفي لمدة ثلاثة أيام بالإضافة إلى اشرطة بلاستيكية لاصقة لإحكام غلق الأبواب والنوافذ وذلك لحماية أنفسهم في حالة التعرض لهجوم إرهابي باستخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية أو حتى الإشعاعية المعروفة باسم «القنبلة القذرة».
وقد رفعت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية درجة الاستنفار الأمني من الحالة فوق العادية التي يرمز إليها باللون الأصفر إلى الحالة قبل القصوى والتي يرمز لها باللون البرتقالي وهو ما يعكس تزايد خطر التعرض لهجوم إرهابي، ولم يتبق سوى مستوى واحد لهذا الاستنفار وهو الحالة القصوى التي يرمز لها باللون الأحمر، وفي الوقت الذي قال فيه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أمام الكونجرس ان أمريكا قد تتعرض لهجوم إرهابي خلال أسبوع اصدر أسامة بن لادن شريط كاسيت جديداً يحث فيه على شن هجمات ضد الأمريكيين والحكومات المؤيدة لهم في مختلف أنحاء العالم.
ورغم تأكيد أسامة بن لادن على رفضه لنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين فإنه حث جميع المسلمين على ضرورة مقاومة الأمريكيين في الحرب القادمة ضدالعراق.
وهنا يثور سؤال، إذا كان أسامة بن لادن يعتقد فعلا - كما يبدو من الشريط الذي أصدره - أن الغزو الأمريكي المنتظر للعراق سوف يوحد المسلمين من المغرب إلى ماليزيا لبدء الجهاد ضد«الصليبيين» واليهود فهل يمكن أن تكون مثل هذه الحرب مفيدة للولايات المتحدة؟.
في احد الايام التقيت مع خبير في مجال مكافحة الإرهاب وسألته عن الفترة الزمنية التي يمكن أن يتحمل الأمريكيون الحياة فيها في ظل هذا الاستنفارالأمني الحالي تحسبا لهجمات إرهابية وعما إذا كانت الحرب الامريكية القادمة ضد العراق سوف تجعل الأمريكيين أقل أو أكثر أمنا بالنسبة للإرهاب؟ فماذا كانت إجابته؟.
قال :«على المدى القصير يمكن أن تجعل الحرب القادمة الأمريكيين أقل أمنا، ولكن على المدى الطويل فإن نزع أسلحة العراق سوف يحرم الإرهابيين من الحصول على أسلحة الدمار الشامل على الأقل،».
ولكن يجب أن يتوقع الأمريكيون الحياة في ظل الاستنفار ضد الإرهاب بقية حياتهم على حد قول الخبير في مكافحة الإرهاب، وأن الحرب ضد الإرهاب يمكن أن تستمرلسنوات طويلة مثل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية، ومن الواضح الآن مدى الرضا الذي يشعر به الأمريكيون في الوقت الذي يتم فرض المزيد من القيود على حرياتهم والزيادة الكبيرة في سلطات وميزانيات الأجهزة الأمنية أو«الحكومة الكبيرة» من أجل حماية الشعب الأمريكي، وكلمة الحكومة الكبيرة هي استنساخ لكلمة «الأخ الكبير» وهو موضوع رواية الأديب الأمريكي جورج أوريل التي كانت بعنوان«1984» ويمثل نموذجا للحاكم الديكتاتور الذي يتجسس على كل الشعب ويقهره.
والغريب أنه لم يهتم احد كثيرا بطرح السؤال الأكثر أهمية والذي يتم طرحه في كلفة الحروب الأمريكية وهو ما سبب هذه الحرب؟
وفي الفيلم الشهير الذي يعرض حاليا بعنوان«قرابين وجنرالات» الذي تدور أحداثه أثناء الحرب الأهلية الأمريكية جسدت شخصيتا روبرت لي و«ستون وول» جاكسون وطنيين من ولاية فيرجينيا يحاربان للدفاع عن ولايتهما ضد أحد الجيوش الغازية ولتحريرها من الاتحاد الأمريكي الذي أدى إلى إشعال حرب بين الأمريكيين الذين كان آباؤهم قد انتهوا من حرب الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، وقال أحد أنصار الاتحاد ويدعى جوشوا شامبرلين لشقيقه إنهم يحاربون في فيرجينيا من أجل تحرير العبيد في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في الحرب الأمريكية الحالية ضد الإرهاب ترى لماذا يحارب الأمريكيون؟ الإجابة بسيطة، أنهم يحاربون من أجل تحرير الأمريكيين من الإرهاب، فالرئيس جورج بوش أصدر أوامره بغزو أفغانستان من أجل اقتلاع حركة طالبان الحاكمة هناك والتي وفرت المأوى لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي يقوده وهو التنظيم الذي خطط لهجمات الحادي عشرمن سبتمبر، السؤال الثاني هو لماذا يحارب الإرهابيون؟ هنا تصبح الإجابة صعبة وغامضة، فالأمريكيون يقولون ان الإرهابيين يحاربونهم لأن الأمريكيين أحرار وديموقراطيون وخيرون ومزدهرون .. إلخ وأنهم يكرهونهم من أجل هذه الأسباب.
ولكن ما هي الأسباب التي يقدمها الإرهابيون لكراهية الأمريكيين ومهاجمتهم؟يقول بعضهم ان الأمريكيين «صليبيون» يمزقون الدول العربية ويأسرون الشعوب الإسلامية بثقافتهم المنحطة، وأن الأمريكيين يقهرون الشعب العراقي بالعقوبات الدولية المفروضة عليه ويساعدون الإسرائيليين في اغتصاب الأراضي الفلسطينية،وهؤلاء الاشخاص مستعدون للموت من أجل طرد الأمريكيين من مناطقهم وعالمهم كما ماتوا في سبيل طرد الاحتلال السوفيتي من افغانستان في ثمانينات القرن الماضي.
إننا كأمريكيين نواجه حربا باردة جديدة سوف تكلفنا الكثير من حريتنا، ويبدو أن جانباً كبيراً من الشعوب العربية والإسلامية غير راضية عن السياسات الأمريكية وإذا كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمثابة طلقة البداية في حرب أمريكية ضد الإرهاب سوف تستمر لخمسين عاما قادمة فماذا سيقول التاريخ عن سبب هذه الحرب؟ هل يقول ان أمريكا تعرضت للهجوم لأنها دولة حرة ؟ وهل لا يوجد أمام الأمريكيين بديل سوى تجرع كأس الحرب المريرة لسنوات طويلة مرة أخرى كما تجرعوا كأس الحرب الباردة أم أنه يمكن تجنب هذه الحرب مع التمسك بالشرف الأمريكي والحرية الأمريكية؟ أم هل فات الوقت لتجنب مثل هذه الحرب؟
* مرشح سابق في الانتخابات الرئاسية الامريكية
عن مجلة«أمريكان كونسرفتيف» - خدمة الجزيرة الصحفية
|