* دمشق - الجزيرة - عبدالكريم العفنان:
بعد اجتماع عاصف لوزراء الخارجية العرب أظهر ان مجابهة استحقاقات الحرب تبدو قاتمة، فإن بيروت كانت على موعد مع مجموعة من الأحداث المتسارعة، لم يكن آخرها اعادة انتشار القوات السورية العاملة في لبنان. فبداية ظهر التوتر العربي بشكله السريع عبر عودة السفير الكويتي في لبنان الى بلاده. ثم تكثفت الاتصالات السياسية ما بين دمشق وبيروت ليصدر بيان لبناني عن اعادة الانتشار. ثم عاد السفير الكويتي من جديد لتهدأ الأزمة التي عكست عمليا صورة الوضع العربي حيال الأزمة العراقية. لكن الصورة الأهم هي اعادة الانتشار للقوات السورية مما أكد ان دمشق مصرة على تطبيق أجندتها بغض النظر عن التطورات الاقليمية أو العربية. فاحتمالات الحرب تعزز عمليا من تكريس الوجود السوري، وذلك لدرء مخاطر ضربة اسرائيلية محتملة عبر لبنان. أو حتى لضبط التشكيل السياسي العام للمنطقة في حال تأزم الوضع دوليا واقليميا، لكن سورية فاجأت الجميع بسحب قواتها من مناطق تعتبر حساسة بالنسبة للوضع للبناني.
فالتصرف السوري مؤشر على ان سياسة دمشق تريد العمل وفق آلياتها رغم تسارع حدة الأزمة العراقية اقليميا ودوليا. فعلى الصعيد الداخلي لا يبدو ان الانتخابات التشريعية ستتأثر بنتيجة الحرب المحتملة، فالحملات الانتخابية مستمرة والجهاز الحكومي السوري مصر على متابعة ايقاعه السياسي بغض النظر عن أي مستجدات اقليمية. بينما على الصعيد العربي فإن دمشق ما تزال تستخدم أسلوب ربط الموضوع العراقي بالمسألة الأساسية للمنطقة، حيث تستخدم في خطابها الدولي مشكلة احتلال اسرائيل للأراضي العربية اضافة لبرنامج اسرائيل النووي. على ان اعادة الانتشار يترافق مع حشود مكثفة للقوات الاسرائيلية في الجنوب اللبناني، مما يوحي ان سورية لا ترغب متابعة التصعيد الاسرائيلي بنفس الطريقة، بل تريد استيعاب الأزمة بشقيها العراقي والاسرائيلي وفق:
أولا: تفويت الفرصة أمام أي ترتيبات دولية قادمة تحاول خرق الوضع الاستراتيجي بين سورية ولبنان، فالانسحاب الحالي يقطع الطريق على الكثير من الدعوات التي تحاول وضع الوجود السوري في لبنان على أنه عقبة للحوار الداخلي اللبناني. كما أنه يمهد لحالة سياسية جديدة يمكن عبرها رفع هامش التنسيق بين البلدين ليشمل حتى المعارضين للوجود السوري، والذين يعملون سياسياً داخل لبنان. وربما يؤدي هذا الانسحاب الى علاقة جديدة مع بكركي، يتبعها زيارة البطريارك صفير الى سورية.
ثانياً: السعي لعدم الربط بين التصعيد الاسرائيلي سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو الجنوب اللبناني، مع الترتيبات السياسية السورية مع لبنان. فاعادة الانتشار يوضح ان دمشق عازمة على انتهاج سياسة استيعاب الأزمة الحالية، رغم كافة الصعوبات.
ان توقيت اعادة الانتشار يوضح ان الرؤية السورية للأزمة العراقية، وان أدت الى اندلاع حرب، فانها لن تؤثر على علاقاتها بلبنان، ولا يبدو وفق الشكل الذي يجري عليه اعادة الانتشار أي غرض تكتيكي، فالعملية واضحة في أهدافها السياسية وتوقيتها. وهذه الخطوة وان بدت صغيرة نسبيا مقارنة ببعض المطالب اللبنانية بانسحاب كامل من لبنان، فإنها تثبت مقدرة سورية على التحكم بموقعها الاقليمي، والشكل الاستراتيجي لعلاقاتها مع كافة الأطراف اللبنانية، وذلك بغض النظر عن التواجد العسكري خصوصاً من المناطق التي يعتبرها البعض حساسة.
|